• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المرأة وتقدم السن

المرأة وتقدم السن
◄تختلف المرأة عن الرجل في كثير من النواحي الحيوية والنفسية وفي الخصائص العامة في كلّ مراحل العمر بداية من الطفولة ومروراً بالمراهقة والنضج ثمّ في الشيخوخة التي ستكون موضوع حديثنا هنا، ولعل انفراد المرأة بالكثير من الأمور الاجتماعية والصحّية والنفسية الخاصة بها، وكذلك ببعض الوظائف التي لا يشترك فيها الرجال مثل ما يخص الدورة الشهرية، الحمل، والولادة، وتربية الأطفال وغير ذلك هو ما أدى إلى وجود تخصص طبي في موضوع (أمراض النساء) ولا يوجد مقابل له تحت مسمى (أمراض الرجال)!

ومن الملاحظات الهامة في هذا المجال أنّ المرأة أطول عمراً من الرجل وتنطبق هذه القاعدة بصفة عامة في كلّ المجتمعات تقريباً، هناك إحصائيات تؤكّد أنّ توقع الحياة بالنسبة للسيدات يكون أكثر منه في الرجال بعدة سنوات، فالفارق بين عمر النساء والرجال يصل في المتوسط إلى أكثر من 8 سنوات في بعض الدول الغربية لصالح النساء كما تذكر إحصائيات من فرنسا وكندا، كما تصل هذه الزيادة في متوسط السن المتوقع للنساء في اليابان إلى 5 سنوات أكثر من متوسط عمر الرجال المتوقع، وعند مراجعة بعض الإحصائيات التي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر في بعض البلدان التي كانت تهتم بهذه المعلومات يمكن استنتاج أنّ المعمرين من الرجال كانوا أكثر عدداً من النساء في نفس العمر، لكن الحال تغير في القرن الحالي في كلّ المجتمعات تقريباً، فتذكر بعض إحدى الإحصائيات في أمريكا عام 1985 أنّه بالنسبة لمن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً فإنّ كلّ 100 من الرجال يقابلهم 147 من النساء، أي بنسبة 3.2 تقريباً لصالح المرأة، وهذه النسبة في تزايد، وذلك على الرغم من أنّ نسبة الذكور إلى الإناث في المواليد تكون في صالح الرجال، فمقابل كلّ 100 من المواليد الإناث يولد 100 من الذكور، أي أنّ الذكور يكون عددهم أكبر في البداية لكن الإناث يزيد عدد مَن يصل منهم إلى الشيخوخة!

وبما أنّنا في هذا الموضوع نتحدث عن الشيخوخة فإنّ ما يهمنا هو السنوات المتبقية من العمر بعد سن الستين، ويكون عدد هذه السنوات كما تذكر التوقعات في أمريكا حوالي 23.5 سنة للمرأة، وحوالي 19 سنة للرجال، وأهمية الاهتمام بهذه المرحلة تأتي من حرص السُلطات الصحّية في المجتمعات الغربية على التخطيط للخدمات الصحّية والاجتماعية للمسنين، فمن الحقائق المعروفة هناك أنّ النساء في السن المتقدم أكثر استخداماً للخدمات الصحّية والموارد من الرجال، كما أنّهنّ أكثر تردداً على عيادات الأطباء، وأكثر استخداماً للأدوية خصوصاً استهلاك العقاقير المهدئة!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا تكون المرأة أطول عمراً من الرجل؟ وقد شغلت الإجابة على هذا السؤال تفكير العلماء مما دفعهم للبحث عن أوجه الاختلاف في نمط حياة كلا الجنسين، فطبيعة المهن والأعمال التي يقوم بها الرجال تجعلهم أكثر عرضة لعوامل ومؤثرات البيئة التي تؤثر في صحّتهم، ومن جانب آخر فإنّ بعض العادات التي توجد بكثرة بين الرجال مثل التدخين، والاتجاه إلى إدمان الكحول والمخدرات تتسبب في مضاعفات صحّية خطيرة تؤدي بحياتهم كما ثبت من علاقة التدخين مع أمراض القلب على سبيل المثال، وهذه الأمور أقل كثيراً في المرأة، كما أنّ أمراضاً أخرى قاتلة مثل السرطان بصفة عامة تحدث بنسبة أكبر في الرجال ربما بسبب زيادة فرصة تعرضهم للعوامل المسببة لها، وكذلك حالات زيادة ضغط الدم التي تسبب مضاعفات صحّية فإنّها أكثر في الرجال مقارنة بالمرأة.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ العوامل الوراثية تمنح المرأة منذ البداية قدرات احتياطية ومناعية أفضل، فإذا تأملنا التركيب الوراثي للخلايا نجد أنّ الرجال يتميزون بوجود كروموسوم (س ص)، ويقابله في المرأة كروموسوم (س س) وهذا التركيب ربما كان وراء تميز المرأة الذي يمنحها خاصية طول العمر، كما أنّ الهرمونات التي توجد في جسم المرأة تسهم في حمايتها من كثير من الأمراض فلا تصيبها إلّا متأخراً بعد أن يقل إفراز هذه الهرمونات عقب انقطاع الطمث فيما يعرف بالتسمية الشائعة "سن اليأس".

ولا نميل عادةً إلى استخدام تعبير "سن اليأس" لأنّه ترجمة غير دقيقة للمقابل الأجنبي (Menopause) وتعني انقطاع الطمث أو توقف الحيض وهي حالة طبيعية تمرّ بها النساء حول سن الخمسين في العادة، وترتبط هذه الحالة ببعض الاضطرابات النفسية والشكاوى الجسدية رغم أنّ التغييرات التي تحدث لا تتعدى أثر التغيير في إفراز الهرمونات الأنثوية، ولا تبرر كلّ ما يجول بأذهان الكثير من السيدات من مخاوف وأوهام حيث يعتقدن أنّ توقف الحيض يعني بداية النهاية لدورهن في الحياة، أو هو الإيذان لنجمهن الساطع بالأفول، وربما كانت هذه المخاوف والأوهام وراء ما يشعرن به من متاعب ترتبط بهذه الفترة، كما أنّ مجرد تفكيرهن في التسمية الشائعة لهذه الحالة "سن اليأس" قد يدفعهن للاعتقاد بأنّ لها من اسمها نصيب!

ورغم ما يحدث في الفترة التي تعقب انقطاع الطمث من متاعب إلّا أنّني استطيع تأكيد ما ثبت من عدم وجود علاقة بين ذلك وأي أمراض بدنية أو نفسية إذا تخلت عن ما ينتابهن من مخاوف، فكلّ ما يحدث هو تغييرات فسيولوجية طبيعية يمكن أن تمرّ بسلام ودون متاعب نفسية أو بدنية تذكر.

أما تغييرات الشيخوخة التي تصيب المرأة بصفة خاصة وتسبب لها القلق في بعض الأحيان فهي تلك التي تصيب الأعضاء التناسلية حيث تأخذ الأعضاء الخارجية في الضمور ويقل إفراز المهبل وتزيد فرصة الالتهابات، كما يؤدي ضمور الرحم إلى ميله للسقوط لأسفل مع زيادة فرصة النزيف بتأثير الضمور والتقرحات أو ربما بسبب الإصابة بالسرطان في بعض الحالات، وتعالج بعض هذه المشكلات بعلاج تعويضي يتم عن طريق مادة الاستروجين، التي تماثل الهرمون الأنثوي الذي أدى نقصه في الشيخوخة إلى هذه التغييرات.

وهناك ملاحظة أخرى عند الحديث عن المرأة في الشيخوخة، فعند دراسة أحوال السيدات اللاتي يفقدن أزواجهن بالوفاة في هذه السن، ومقارنة ذلك بالرجال الذين يتعرضون لنفس الموقف بفقد زوجاتهم بالوفاة أظهرت النتائج أنّ الرجال يكونون أشد تأثيراً في الفترة التي تعقب بداية حياتهم كأرامل، فيتجه الكثير منهم إلى العزلة والعزوف عن كلّ مباهج الحياة بعد فقد شريكة حياته ومنهم من تسوء صحّته بطريقة ملحوظة، وكثير منهم يعاني من اكتئاب شديد قد يدفع إلى التفكير في الانتحار، وتضيف نتائج هذه الدراسات أنّه بنهاية العام الأوّل بعد فقد الرجال لزوجاتهم يكون 12% منهم قد رحلوا عن الحياة بالفعل، وبمقارنة ذلك بالمرأة حين تفقد زوجها نجد أنّها تكون أكثر صلابة، ولا تزيد نسبة الوفاة في النساء بعد الترمل في العام الأوّل عن 1%، انظر معي إلى الفرق!

وفي دراسات أخرى لأحوال النساء في الشيخوخة ومقارنتها بأحوال الرجال وجد أنّ الغالبية العظمى من النساء في السن المتقدم هن من الأرامل أو المطلقات بينما غالبية الرجال يكونون متزوجين، أما السبب في ذلك فربما لاتجاه الرجال بصفة عامة إلى الزواج من نساء صغيرات وبقاء فرصة الرجل في الزواج قائمة حتى مع تقدم السن، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمرأة التي يصعب أن تجد فرصة للزواج حين يتقدم بها السن إلّا نادراً! ربما لأنّ صورة المرأة العجوز في المجتمع تختلف عن صورة الرجل العجوز وتكون أقل قبولاً.. ربما!►

 

المصدر: كتاب الزهايمر (مرض أرذل العمر)

ارسال التعليق

Top