◄مر القطار.. ولا بديل عن الانتظار
ثمّة نساء تجاوزن الثلاثين وربّما الأربعين بلا زواج، ليس بسبب عدم مجيء فارس الأحلام، وإنّما لعدم الاستعداد لدخول "القفص".
مرّ بها الزمان كالقطار السريع. عاشت سني الحياة لحظة بلحظة، ولم تلوِ على شيء لأنّ نظرتها كانت دائماً على الحاضر الشاب، فلا هي فكِّرت في الغابر من الأيام، ولا استوقفها المستقبل. حظيت بنصيب وافر من النجاح؛ فقد أكملت دراسة الماجستير، وحصلت على ترقية في العمل، حتى باتت محسودةً بين أقرانها من الرجال الذين تحوّل بعضهم من زملاء إلى مرؤوسين يعملون تحت إمرتها. وعندما شاغلها نداء خفي بأن تبحث عن عواطفها وتفتش عما بقي لها من فرص الأُمومة؛ تأمّلت مرآتها، ونظرت إلى بطاقة هويتها، واستوقفها كثيراً عمرها الذي تجاوز الرابعة والثلاثين.
كم من الفرص بقيت في الحياة لكي تحقق تلك الأحلام العائدة بعد طول اختفاء؟ وأي نوع من الفرص ذلك الذي يتاح لامرأة ثلاثينية كثيراً ما "طنّشت" نداءاتها الأنثوية، وهاهي في الرابعة والثلاثين تستعجل اللحاق بما فات؟
هذه خلاصة ما أرادت "رابعة" التعبير عنه وهي تكتب عن أزمة الثلاثين في عمر المرأة العزباء، وتنشره على مدونتها. وهي تريد لخواطرها أن تضيء تلك المساحة المعتمة في حياة العديد من النساء اللاهثات وراء النجاح المادي من دون أن يفكِّرن في مستقبلهنّ العائلي؛ تلك المساحة المنسية من التفكير في وقت أصبحت القيم فيه مرتبطة بالمادة فحسب.
في زماننا لم تعد كلمة "عانس" تصلح لوصف الحال؛ فقد قيلت هذه الكلمة في وصف نساء أصغر بكثير من سنّ الثلاثين، يوم كانت المرأة تبدأ مشوار الانتظار والبحث في مطلع العشرينيات، وربّما قبل ذلك. ففي عالم اليوم ثمّة شريحة واسعة من النساء بلغن الثلاثين وربّما الأربعين بلا زواج لعدم الاستعداد لاستقباله قبل أن تفرغ المرأة من تحقيق شروطها الخاصّة ووعودها الخاصّة. بعضهنّ ينشدن منصباً رفيعاً، وأُخريات يسعين إلى النهل من العلم والشهادات العليا، وفريق منهنّ يفكِّرن في المليون الأوّل أكثر بكثير من استعدادهنّ لاستقبال الحبّ الأوّل.
- نقاش الثلاثين:
ونقاش "الثلاثين" ليس حكراً على مجتمع دون غيره، إنّما هو نقاش عالمي بامتياز. وعلى موقع "ياهو" للتفاعل الاجتماعي (answers.yahoo.com) أطلقت فتاة حواراً مفعماً حيث بدأت بسؤال يقول: "هل تعتقدون أنّ النساء في الثلاثينيات يجدن صعوبة في العثور على زوج؟". وجاءت الإجابات من كلّ طيف ولون، وهاهي بعض تلك الإجابات:
كيرامير: نعم بالتأكيد، وخصوصاً بالنسبة إلى امرأة مثلي. إنّ حياتي تنقسم إلى مرحلتين؛ قبل الثلاثين وبعد الثلاثين. وفي الأولى كنت أصم أذني وأغلق عيني عن كلّ العروض التي جاءتني، وهي لا تُعد ولا تُحصى. أمّا في المرحلة الثانية، فإنّ الحظ يصمّ أذنيه وعينيه حتى لا يلتفت إليَّ. لست متلهفة كثيراً على الزواج، ولكنّي وضعت نفسي في حالة استعداد لدراسة أوّل عرض ملائم، والمشكلة أنّ العروض الحقيقية صارت شحيحة للغاية.
جيزيل: المرأة الثلاثينية تنتظر مجيء العريس من الرجال الثلاثينين، ولكن هؤلاء لا يتطلعون إلى سنّ الثلاثين عند بحثهم عن النصف الآخر، إنّما يبحثون عنه في فئة العشرينيات. الرجال يحبّون البحث عن فتيات أكثر شباباً منهم، لهذا تجد الرجل الثلاثيني عندما يفكِّر في الزواج لا ينظر إلى امرأة تجاوزت الثلاثين أو حتى اقتربت منها.
يروبا: صحيح أنّ الرجال يتطلعون إلى بنات العشرين، لكن ليس بغرض الزواج. وأنا اعتقد أنّ مَن يفكِّر في الزواج إنّما يريد امرأة ناضجة تستطيع التعايش معه وفهمه بشكل صحيح، وبنات العشرين لسن ناضجات بما يكفي.
باولا: بعض الرجال يبحثون بالفعل عن زوجات أصغر سناً، ولكن هؤلاء يفشلون على الأغلب؛ فوهج السن الصغيرة سرعان ما يختفي بعد سنوات قليلة من الزواج، وتبقى أمور أخرى أكثر أهمية في نظري. إنّ الموضوع أشبه بالزواج من أجل المال، فعندما يستحيل التعايش مع الشريك الزوجي، لا يهم إن كان مليونيراً أو معدماً.
جيمي: دعونا لا نطلق الأحكام جزافاً. أقول لكم: إنّ المشكلة تكمن في المرأة أوّلاً وأخيراً. فسن الثلاثين ليست سن شيخوخة، ولكن ضعف اهتمام المرأة بنفسها يجعلها شيئاً شبيهاً بذلك. لماذا يتضاءل اهتمام المراة بأناقتها وجمالها مع الوقت؟ المطلوب هو العكس؛ فإن كانت الفتاة العشرينية تمتلك شباباً يعوّضها الاهتمام بأناقتها، فإنّ على بنت الثلاثين ألا تساوم في اهتمامها بمظهرها ورشاقتها. عليها أن تفكر في ما تلبس، وما تأكل، وما تفعل، وما تضع على رأسها، وما تعلق على صدرها.. إلخ.
لنتذكر أنّ الرجل يعشق بالعين؛ إنّه ذو ثقافة بصرية كما نعلم. ولكن مهلاً، هذا لا يعني أنّ على المرأة أن تكون كعارضة الأزياء في قوامها ورشاقتها وأناقتها. كم تبلغ نسبة عارضات الأزياء في حياتنا؟ إنّها لا تزيد على واحد في الألف. وعلى رغم أنّ الصورة الطاغية من خلال وسائل الإعلام هي للمرأة التي تستمد جمالها من نحافتها المفرطة، فإنّ الغالبية العظمى من النساء لا يتمتعن بتلك النحافة، ومع ذلك فإنّ نسبة الجمال والجاذبية لدى تلك الغالبية من النساء عالية. وصدقَ مَن قال: إنّ كلّ امرأة فيها من عناصر الجمال ما يكفيها، بشرط أن تحسن التعامل مع متطلّبات مظهرها وشخصيتها. أنا أرى أنّ المرأة الثلاثينية، وإن كانت تعيش وضعاً صعباً، فإنّها تبالغ حين تقول: إنّ القطار قد فات، وإنّ الرجال لم يعودوا يهتمون وما إلى ذلك. اعتقد أنّ الرجل الثلاثيني قد يقع في حب امرأة ثلاثينية. وأقصى ما يمكن أن يحدث هو أن يبدي الرجل فضولاً في محاولة معرفة السبب في تأخرها في الزواج. وقد يرغب في معرفة تاريخها العاطفي؛ كم مرّة خفق قلبها لرجل، وهل خُطبت من قبل أم لا.. إلخ. المسألة تذكرني بمقولات المرأة المطلّقة، فهي تدعي بسهولة أنّ الرجل مازال غير قادر على تقبُّل الارتباط بامرأة مطلقة.
وهي تقول ذلك لمجرّد أنّ الرجل يطرح عليها أسئلة عن تجربتها السابقة، ويبدي قدراً عالياً من الفضول. ولكن ألا تبدي المرأة الفضول نفسه عندما تتعرّف إلى رجل مطلق؟ ألا يدفعها فضولها إلى معرفة كيف عاش تجربته السابقة، ولماذا فشل فيها، وما المشاعر التي يحملها تجاه تلك التجربة وتجاه شريكته السابقة؟.. أكرر وأؤكِّد أنّ ليس كلّ الرجال يبحثون عن الفتيات العشرينيات. وبقدر ما هنالك نساء غير ناضجات، فهنالك أيضاً رجال غير ناضجين، وهؤلاء هم من يضعون العمر شرطاً شبه وحيد للارتباط بامرأة.
إيليا: ألاحظ أنّ النقاش يؤدي إلى تضخيم الموضوع والمبالغة فيه. فعندما نتحدّث عن رجال في الثلاثين يرفضون أو يأنفون الزواج بنساء في عمرهم، فإنّنا إما أن نتحدّث عن حالات فردية، وإما أن نتحدّث عن زمن مضى. فعلى الأقل خلال العشرين سنة الأخيرة تغيّرت المفاهيم والقيم، ولم يعد الرجال مهووسين بالنساء العشرينيات عندما يتعلّق الأمر بالزواج. ربّما تستهويهم الفتيات العشرينيات، ولكن عندما يتعلّق الموضوع بالزواج لا أحد يفكِّر بحواسه، وإنّما بعقله وقلبه.
أخيراً يأتي تعليق امرأة أطلقت على نفسها اسم "كوبل": معشر النساء، السؤال لا يتعلّق بما إذا كان الرجل الثلاثيني يقبل الزواج بامرأة ثلاثينية. السؤال هو: لماذا تفكِّر امرأة في الثلاثين بالزواج برجل في الثلاثين؟ لماذا لا تتطلّع إلى ابن الأربعين، وما أكثر الرجال في تلك السن الذين إما أنّهم لم يتزوجوا وإما أنّهم ترملوا أو طلقوا. إنّ الرجل الأربعيني هو رجل أكثر نضجاً من النواحي المادية والعاطفية وغيرها. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق