• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نموّ الطفل الذهني يبدأ منذ الولادة

نموّ الطفل الذهني يبدأ منذ الولادة

يهتم الوالدان عادة اهتماماً كبيراً بصحة طفلهما الجسدية من أكل وشرب ولقاحات ومراقبة شديدة لكلِّ ما يمكن من أمراض، فتبدو الصحة الجسدية في رأس أولوياتهما. وفي المقابل تبدو تنمية قدرات الطفل الذهنية بالنسبة إليها أمراً مؤجلاً ظناً منهما أنّ الحضانة أو المدرسة ستتكفلان بالأمر لاحقاً.

فهل تلبية حاجات الطفل الغذائية والجسدية وحدها كافية لنموّه؟

يرى اختصاصيو التربية أنّ توفير حاجات الطفل الغذائية والصحية أمر ضروري، ولكن يجب أن يرافقه إهتمام بتطوير قدراته الذهنية وتنميتها. فقد أثبتت الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنمو الذهني، أنّ دماغ الطفل الصغير جدّاً قادر على استيعاب كلّ ما يدور حوله، وبقدر ما يكون محيطه غنيّاً يكون قادراً على التعلّم بشكل أسرع.

ولكن ألا يعني هذا استباق المراحل؟

إنّ إهتمام الأهل بتطوير قدرات الطفل الذهنية وتطويرها لا يعني أنّ عليهم استباق المراحل، أو أنّ عليهم تعليم الطفل مهارات تفوق سنّه، بل القيام بالنشاطات المناسبة التي تساعد في تنمية الذهن عنده منذ اللحظة الأولى لولادته.

وذلك لعدّة أسباب أبرزها:

·      تساعد تنمية قدرات الطفل الذهنية على تطوير قدراته في التعبير بشكل أوضح. مثلاً، إذا طُورت لغة الطفل في عمر السنة، يلاحظ أنّ قدرته على الكلام تكون سريعة. وبالتالي يستطيع التعبير عما يشعر به أو يريده مما يساعد الأهل في تلبية حاجاته بطريقة أسرع، ويتيح للطفل أخذ نتيجة ملموسة لطلبه مما يؤثر إيجاباً في تحصيله العلمي في المستقبل.

·      كلما إهتم الأهل بتنمية قدرات الطفل، استطاعوا أن يلاحظوا الصعاب التعلّمية التي يمكن الطفل أن يواجهها في المستقبل، ممّا يسمح باكتشاف نقاط الضعف والعمل على معالجتها في وقت مبكر. مثلاً، عندما تراقب الأُم تصرّفات طفلها أثناء اللعب أو التحدث إليه خصوصاً عندما يكون في عمر السنتين يمكنها أن تلاحظ ما إذا كان يفهم معنى الاتجاهات أو يستطيع الإمساك بالألعاب في شكل جيد أو ما إذا كان يفهم ما تقوله أو يستطيع التعبير عما يريد. فالحضانة قد لا تتنبّه للمشكلة التعلّمية التي تواجه الطفل.

 

إرشادات عامة بحسب سن الطفل:

هناك إرشادات عامة وسهلة في الوقت نفسه يمكن الأهل اتّباعها لتنمية قدرات الطفل بحسب سنّه وهي:

·      تطوير الحواس الخمس، فمن المعلوم أنّ الطفل خلال الأشهر الأولى يتفاعل مع محيطه من خلال حواسه خصوصاً حاسة الشم والسمع واللمس. مثلاً إسماع الطفل الموسيقى الهادئة، والهدف من ذلك ليس تعريفه بأنواع الموسيقى بل تطوير حاسة السمع. وتطوير اللمس يكون عن طريق حضن الرضيع والسماح له بإمساك يد والدته أو كلّ ما تقع عليه يديه أثناء إرضاعه.

·      الفترة الممتدة من الشهر الرابع حتى الثامن هي فترة اللعب، ويجب تنمية قدرته على استعمال يديه واكتشاف جسمه والأشياء من حوله. ويمكن أن يكون ذلك عن طريق المرآة بحيث يتعرف إلى نفسه، كأن تقف الأم معه أمام المرآة وتبدأ التحدّث إليه. ومن الضروري أن يكون اللعب في هذه الفترة استكشافياً عبر اليدين. فهناك الكثير من الأهل يبدأون بقراءة الكتب لأطفالهم في سن التسعة أشهر وهذا مهم جدّاً، ورغم أنّ الطفل لا يهتم كثيراً بالمعلومات الواردة في الكتاب، فإنّ هذا الأمر مهم للفترة اللاحقة، لأنّ القراءة تكسبه عادة الإصغاء. وربما تجذبه الرسوم، غير أنّ الطفل يفضّل الأشياء ذات الأبعاد الحرة أي التي في إمكانها لمسها. وإذا كان الأهل يريدون أن يعوّدوا أطفالهم على الكتاب ففي إمكانهم توفير كتب تحتوي على مجسّمات يستطيع لمسها.

·      عدم السماح للطفل بمشاهدة التلفزيون قبل سن الثانية. فقد أثبتت دراسات حول الجهاز العصبي عند الطفل، أنّ مشاهدة التلفزيون قبل السنة الثانية، تؤثر سلباً في نمو جهازه العصبي، فالصور في التلفزيون سريعة التحرّك تفوق قدرته على متابعتها قبل بلوغ السنتين. فضلاً عن أنها تحدّ قدرته على التركيز والاستكشاف، فيصبح الطفل متلقياً أكثر منه متفاعلاً ومكتشفاً. لذا يجب التركيز على الموسيقى والكتاب والتواصل.

·      عدم السماح للخادمة خصوصاً إذا كانت أجنبية بالإهتمام بالطفل فكرياً، وهذا ليس انتقاصاً منها، بيد أنّ وظيفتها هي مساعدة الأُم في شؤون المنزل وليس تربية الأطفال، فغالباً ما تكون لغة الخادمة غير سليمة لأنّها أجنبية فضلاً عن أنها ليست لغة الطفل الأُم. لذا من المفضل أن تكون الجدّة هي المشرفة على تلبية حاجات الطفل العاطفية إذا كانت الأُم عاملة، ولو كانت كبيرة السن، كما أنّ اللغة الثانية غير السليمة قد تسبب تشويه النطق، فمن الملاحظ أنّ هناك الكثير من الأطفال الذين يدخلون المدرسة يتكلّمون العربية كما لو كانوا أجانب، مما يؤثر سلباً في أدائهم المدرسي لأنّهم لا يقدرون على التعبير بشكل صحيح.

·      تعليم الاستقلالية: تبدأ تنمية الاستقلالية عند الطفل في الأشهر الأولى من عمره، فكثير من الأهل لديهم ميل إلى القيام بعدد من الأمور بدلاً من أطفالهم حتى سن متقدّمة. وقد يفاجأ الأهل إذا قلنا إنّه في إمكان الطفل أن يتعلّم الاستقلالية من سن الخمسة أشهر. فمثلاً إذا أرادت الأُم أن تلبسه ثيابه يمكنها أن تتحدّث إليه عما ستفعله بلغة المشاركة بالفعل كأن تقول "الآن سوف نرفع يدنا لكي نلبس القميص"، أي تجعله يساهم بالفعل. وقبل السنة تسمح له بتناول الطعام بيده كالبسكويت، وبدءاً من عمر السنتين يستطيع أن يلبي حاجاته بنفسه.

·      يجب ترك مساحة للطفل تمكّنه من الاكتشاف. مثلاً لا نفرض عليه اللعبة بل ندعه يختار الدمى التي يريدها، أي نسمح له بالاختيار. على الأهل أن يتبعوا رغبات طفلهم في الاكتشاف لا أن يملوا عليه، وأن يراقبوا ما الذي يهمّه وما الذي لا يهمّه. وهذا لا يحتاج إلى وقت كبير خصوصاً في السنة الأولى، وليس ضرورياً أن يكون اللعب معه بنيوياً تعليميّاً فقط.

·      تقديم التفسيرات للطفل إذا رُفض تلبية طلبه، فإذا كان في حاجة إلى شيء وليس في استطاعة الأُم ذلك، عليها تقديم تفسير لموقفها. مثلاً إذا كانت تعبة جدّاً وطلب منها طفلها أمراً، يمكن أن تقول له أنا تعبة، حتى لو كان عمره سنتين، لا أن تقول له مثلاً اختفت اللعبة.

·      توسيع نطاق إهتمامات الطفل، مثلاً بعض الأهل يهتمّون فقط بتوفير الكتب وهذا جيِّد، لكن يجب أن يرافق ذلك توفير كلّ ما يعزّز فضوله ويبلور قدرته الذهنية من لعب ونشاطات أخرى، مما يسمح للطفل بالاختيار.

·      التزام الأهل بالعادات والقوانين التي وضعوها: مثلاً إذا لم يكن الطفل يشعر بالنعاس وحان وقت نومه، لا يجوز للأُم أن تؤجل الموعد بل عليها أن تلتزم به. ولكن هذا لا يعني أن تكون صارمة بل يمكنها أن تؤخر موعد نومه نصف ساعة.

·      تنمية الذاكرة: هناك الكثير ممن يظنون أنّ جعل الطفل يحفظ الكثير من الكلمات ينمّي الذاكرة لديه، وهذا خطأ بل على الطفل أن يحفظ الكلمات التي تمثل نموذجاً ملموساً أمامه فهو في هذه السن غير قادر على فهم المعاني المجرّدة، بل هو في حاجة إلى الأمور المحسوسة أي التي يستطيع أن يراها ويلمسها. ويمكن أن نسأله عما حدث معه في النهار، فهذه الأسئلة التي لا علاقة لها بالحاضر تعلّمه على استعادة الماضي وبالتالي تنمّي ذاكرته من خلال سرده للأحداث التي جرت معه وتطوّر فكرة الزمن لديه، وليس من الضروري أن يشعر الطفل بأننا نعلّمه بل هناك ألعاب بسيطة كالاختباء مثلاً، تساعده في هذا المجال.

·      توفير الألعاب التي تنمّي مفهوم الفعل ورد الفعل عند الطفل. مثلاً كأن يلعب بلعبة تصدر أصواتاً حين يضغط زراً، هدف هذا النوع من الألعاب تنمية قدرة التوقّع وإدراك أنّ لكلَّ فعل نتيجة. وفي هذه السن نعلّمه كيف يتنبّه إلى الخطر.

·      تنمية القدرة على التصنيف تكون عن طريق تصنيف الألوان والأحجام وتعليمه الربط بين الأشكال.

·      تنمية القدرة الرياضية. عندما يعرف الأكثر والأقل عن طريق اللعب مثلاً يمكن أن تحمل الأُم كمية من الفاصولياء في يد وكمية أكبر في أخرى، كما يمكن تعليمه العدد من خلال الأمور الملموسة. مثلاً صعود السلم يسمح له بعدّ درجاته.

·      تنمية الفهم: صندوق الرمال لتنمية الحواس، فمثلاً يمكنه أن يخفي يديه تحت التراب.

·      تنمية معرفة الأصوات أو استعمال عجينة الطين لتأليف أشكال.

 

تنمية القدرة اللغوية تقسم ثلاثة أقسام:

الفهم يكون نتيجة التواصل العاطفي خلال السنتين الأولى والثانية من حياة الطفل، والنقاش حول الكتب التي يقرأها.

·      تسمية الأشياء: كأن يذهب الطفل في نزهة مع والدته ويقومان معاً بتصنيف الأشياء أو تسمية الأشياء كالملعقة أو الصحون. وتعليم الاتجاهات من خلال لعبة قال أحمد يداي فوق فيرفع الطفل يديه، أو سِرتُ إلى الأمام فيسير الطفل إلى الأمام...

·      اللعب الدارماتيكي: كأن يسمح الأهل بأن يأخذ الطفل ثياب والده أو والدته القديمة ويمثّل شخصيتهما. فهذا يسمح للوالدين بأن يعرفا نظرة ابنهما إليهما، وينمّي عند الطفل روح الانتماء إلى الأهل ويصبح الأهل النموذج الذي يحتذي به. كما تنمي هذه اللعبة قدرة فهم شخصية الآخرين، فمثلاً عندما يلعب دور الطبيب يصبح في إمكانه فهم شخصيته، وهذه تنمّي لديه القدرة على أن يضع نفسه في موقع الآخر.

"كلما إهتم الأهل بتنمية قدرات الطفل، استطاعوا أن يلاحظوا الصعاب التعلّمية التي يمكن الطفل أن يواجهها في المستقبل، ممّا يسمح باكتشاف نقاط الضعف والعمل على معالجتها في وقت مبكر".

ارسال التعليق

Top