• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

طفلي.. انطوائي وأناني

طفلي.. انطوائي وأناني

الحياء من الله مطلوب بالتزام أدب الإسلام.. والخجل من الناس مرفوض بالانزواء والانكماش

مشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال هي خلل يجب على الأبوين والمربين مواجهته، وتداركه.

فكثير من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم خجولين يعتمدون اعتماداً كاملاً على والديهم ويلتصقون بهم، لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة.

فالخجل هو انكماش الولد، وانطواؤه، وتجافيه عن ملاقاة الآخرين، أما الحياء فهو التزام آداب الإسلام، فليس من الخجل في شيء أن يتعود الطفل منذ نشأته على الاستحياء من اقتراف المنكر، وارتكاب المعصية، وأن يتعود الولد على توقير الكبير، وغض البصر عن المحرمات، وليس من الخجل في شيء أن يتعود الولد منذ صغره على تنزيه اللسان بأن يخوض في باطل أو يكذب، أو يغتاب، وعلى فطم البطن عن تناول المحرمات، وعلى صرف الوقت في طاعة الله، وابتغاء مرضاته، وهذا المعنى من الحياء هو ما أوصى به رسول الله (ص) حين قال فيما رواه الترمذي: "استحيوا من الله حقّ الحياء".

 

صفاته:

الطفل الخجول طفل مسكين يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع، وبذلك يشعر عند المقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف.

والطفل الخجول يحمل في طياته نوعاً من ذم سلوكه، لأنّ الخجل في حد ذاته حالة عاطفية أو انفعالية معقدة تنطوي على شعور بالنقص، هذه الحالة لا تبعث الارتياح والاطمئنان في النفس وهو غالباً ما يتعرض لمتاعب كثيرة عند دخوله للمدرسة تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة داخل الفصل، وغالباً ما يعيش منعزلاً ومنزوياً بعيداً عن رفاقه، وألعابهم وتجاربهم.

كما يشعر دوماً بالنقص، والدونية، ويتسم سلوكه بالجمود، والخمول في وسطه المدرسي والبيئي عموماً، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين واعتلال صحته النفسية، فضلاً عن أنّه يبدو أنانياً في معظم تصرفاته لأنّه يسعى إلى فرض رغباته على من يعيشون معه وحوله، كما يبدو حساساً وعصبياً ومتمرداً لجذب الانتباه إليه، و20% من الخجل يتكون عند الأطفال حديثي الولادة وتحدث لهم أعراض لا يعاني منها الطفل العادي، فمثلاً الطفل المصاب بالخجل يدق قلبه في أثناء النوم بسرعة أكبر من مثيله، وفي الشهر الرابع يصبح الخجل واضحاً في الطفل إذ يخيفه كلّ جديد ويدير وجهه ويغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه إذا تحدث شخص غريب إليه، وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة إذ غالباً ما يكون بجوار أمه يجلس هادئاً في حجرها أو بجانبها.

 

علاج المشكلة:

يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل، والانطواء على الذات من خلال اتباع التعاليم الآتية:

1-  توفير الجو الهادئ للأطفال في البيت، وعدم تعرضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم، وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان، ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملتهم والمشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين، لأّن ذلك يجعلهم قلقين يخشون الاختلاط بالآخرين ويفضلون الانطواء وعدم مواجهة الحياة بثقة واطمئنان، كما يتحتم على الآباء والأُمّهات أن يوفروا لأولادهم الصغار قدراً معقولاً من الحب، والعطف، والحنان، وعدم نقدهم، وتعرضهم للإهانة أو التحقير، وخصوصاً أما أصدقائهم أو أقرانهم، لأنّ النقد الشديد والإهانة والتحقير الزائد على اللازوم يشعر الطفل بأنّه غير مرغوب فيه، ويقعده عن القيام بكثير من الأعمال، ويزيد في خجله وانطوائه.

2-  ينبغي على الأُم إخفاء قلقها الزائد، ولهفتها على طفلها، وأن تتيح له الفرصة للاعتماد على نفسه، ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة، فكلّ إنسان – كما يؤكد علماء النفس – لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب الأخطار، والطفل يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي يواجهه بغريزته الطبيعية.

3-  أن يهتم الوالدان بتعويد أطفالهم الصغار على الاجتماع بالناس سواء بجلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب، أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المتحدث إليهم كباراً أو صغاراً.

وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل، ويكسبهم الثقة بأنفسهم، وقد كان أبناء الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) يتربون على التحرر التام من ظاهرة الخجل، ومن بوادر الانكماشية والانطواء، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة وزيارة الأصدقاء، وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار، ودفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الأمراء وغيرهم واستشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجتمع من المفكرين والعلماء.

 

4-  يجب على الآباء والأُمّهات أن يدربوا الطفل الخجول على الأخذ والعطاء، وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال، وذلك بتشجيعه – بكلِّ الطرق – على الاختلاط والاحتفاظ بالصداقات.

5-  ابتعاد الوالدين عن التدليل المفرط للطفل، وتعويده على الاعتماد على ذاته في ارتداء ملابسه وحذائه وغيرها من الأمور الأخرى.

فكلما كان الطفل مدللاً معتمداً على أبويه كان نضجه الانفعالي غير كامل والعكس كلما كان بعيداً عن الاعتماد على ذاته في الأمور الصغيرة نشأ خجولاً.

كما ينبغي على المعلم في المدرسة أن يقوم ببث الثقة في نفوس التلاميذ ومعاملتهم بالمساواة دون تحيز، والبعد عن مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظاً منهم سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي، أو من حيث الوسامة أو القدرات والاستعدادات الاجتماعية، لأنّ مثل هذه المقارنات تضعف ثقة الطفل بنفسه، وتؤدي به إلى الخجل الذي نحذر منه.

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1418 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top