• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الجنوسة والعلم الجنسي

ديفيد غلوفر- كروا كابلان/ ترجمة: عدنان حسن

الجنوسة والعلم الجنسي
لا أحد يعرف بالضبط متى وأين استعمل مصطلح أساساً للإشارة إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية للاختلاف الجنسي، لكن من الواضح أن المصطلح كان دارجاً قبلئذٍ في علم الجنس في أوائل الستينات. على سبيل المثال، لا يظهر مصطلح في عرض أليكس كومفورت بعد الحرب لكتاب السلوك الجنسي في المجتمع إلى أن تم تنقيح الكتاب لأجل النشر بعد ذلك بثلاثة عشر عاماً (تحت العنوان الجديد، الجنس في المجتمع)، عندما أضاف المؤلف مناقشة مختصرة "للأدوار الجنوسية". مما له أهميته، أن هذه المناقشة قد وضعت في فصل حول "الخلفية البيولوجية" للجنسانية البشرية، أكد فيه كومفورت على الصعوبة في معرفة إلى أي مدى كان سلوكنا الجنسي غريزياً، نظراً لـ "أهمية الوظائف العقلية العليا لدى الإنسان الأكبر منها بكثير لدى الأنواع الأخرى" (1963:34 comfort). وهذا يفسر السبب في أن: "الدور الجنوسي" الذي يتبناه الفرد- "الرجالي" أم "النسائي"- وفقاً لمعايير ثقافته، يتم تعلمه تعلماً كلياً تقريباً وكافياً بشكل غريب، وقلما يكون داخلاً في بنيته، إن كان ذلك بالمرة؛ في الحقيقة، إن الدور الجنوسي الذي يتم تعلمه في سن الثانية هو بالنسبة لمعظم الأفراد غير قابل للإعكاس تقريباً. حتى لو سار ضد الجنس الجسدي للشخص". (1963:42 (comfort يستعمل مصطلح "الجنوسة" هنا للدلالة على التنوع الواسع في أساليب السلوك بين المجتمعات، لكن يوحي أيضاً أن درجة الاختيار بداخلها تكون محدودة تماماً. بجعل قرائه مدركين لهذه الاختلافات الثقافية، كان كومفورت يأمل في إزالة الغموض عن الجنسانية البشرية وهكذا يساعد في تحريرهم مما يعتقد أنها تابوهات جنسية غير ضرورية وغير عقلانية. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يبدو أن تشديده الأكثر حذراً على لا عكوسية الأدوار الجنوسية يشي بنقيض الوعد بأي طريق متاح بسهولة إلى التحرر الجنسي. بالنسبة لإنسانويين تحرريين مثل كومفورت فقد كان من الصعب غالباً فهم السبب في أن التنوير الجنسي يبدو متخلفاً على هذا النحو عن الأنماط الأخرى من التقدم الاجتماعي والتكنولوجي. ربما كانت المحاولة الأكثر شمولاً لتنظير الفارق بين الجنس والجنوسة في هذه الفترة توجد في كتابات المحلل النفساني وعالم الإناسة روبرت ج. ستولر، الذي ظهر كتابه الذي يحمل عنوان الجنس والجنوسة: حول تطور الذكورة والأنوثة في عام 1968. فقد حدد ستولر نقطة الانطلاق لأجل عمله في ورقة فرويد حول "التكوين النفسي لحالة جنسانية مثلية لدى إمرأة" (1920) التي جادلت بأن الصفات الجنسية الجسدية للشخص، ومواقفه العقلية وموضوعات رغبته يمكن أن تتغير بشكل مستقل عن بعضها البعض، بحيث أن "رجلاً ذا خواص ذكرية سائدة يكون مذكراً في حياته الايروتيكية يظل من الممكن تحويله بالنسبة لموضوعه، يحب الرجال فقط بدلاً من النساء" (9-1979:9.398 Freud). بنغمة مشابهة، استعمل ستولر مصطلح للإشارة إلى تعقيدات تلك "المناطق الهائلة من السلوك، والمشاعر، والأفكار والاستيهامات التي تكون مرتبطة بالجنسين ومع ذلك لا تمتلك الدلالات البيولوجية أساساً" (staller (1968: ix. مع ذلك، فإننا لا نميل فقط إلى خلط الجنس والجنوسة، بل نفترض بسهولة أيضاً ان مختلف مكونات الجنوسة هي متبادلة الدعم، في حين أنها في الحقيقة قد تشد في اتجاهات مختلفة. بالإضافة إلى فصل الجنس عن الجنوسة تحليلياً، ميّز ستولر بين "الدور الجنوسي" و"الهوية الجنوسية" لكي يشير إلى أن حياة المرء الجوانية وحياته البرانية قد تكونان متناقضين بعمق أو تفشلان في الالتقاء. إن الدور الجنوسي الذي يتظاهر به المرء أمام الآخرين يمكن أن يقدم دليلاً واهياً على من يشعر نفسه أنه يكونه، وبالتالي فإن التعريف الدقيق للهوية الجنوسية في نظرية ستولر يقوم على إمكانية الشقاق الجواني، نوع من اللاتماهي مع كينونة المرء الجنسية. "تبدأ الهوية الجنوسية بالمعرفة والإدراك سواءً الواعي أو اللاواعي، أن المرء ينتمي إلى جنس واحد وليس إلى الآخر، مع أنه عندما يتطور المرء، تصبح الهوية الجنوسية أعقد بكثير، بحيث أنه، على سبيل المثال، قد يحس المرء نفسه ليس كذكر فقط بل كإنسان مذكر أو رجل متأنث أو حتى كرجل يتوهم أنه امرأة". Staller 1968:10)) في نهاية جملته بدأت الهوية الجنوسية تبدو كشكل من الاغتراب و، ربما على نحو لا يثر الاستغراب، تم تكريس الكثير من العمل السريري لستولر لدراسة الحالات التي يشعر فيها الناس بعدم اليقين مما إذا كانوا "فعلاً" مذكرين أم مؤنثين. وفقاً لستولر فإن السنوات القليلة الأولى من الطفولة تؤدي عادة إلى نواة صلبة من الهوية الجنوسية وهذه يمكن في بعض الأحيان أن تصطدم بالخبرات أو القيم أو الرغبات اللاحقة. لكن هذه الصراعات كانت بسيطة بشكل نادر. في مناقشة للمرضى الذين كانت شذوذاتهم التناسلية تعني أنهم ترعرعوا "في جو من الشك بين الأبوين"، رأي ستولر أنه من الممكن بالنسبة لهم ان يطوروا "وعياً جنوسياً خنثوياً"، هوية نواتية فريدة تعترف بتقسيم العالم إلى جنسين، في حين يشعرون أنه أن أنها كان/ ت سيء التكيف اجتماعياً وجنسياً "لا ينتمي إلى أي منهما" Staller 1968:33-4)). من ناحية أخرى، لم تكن كل الصراعات النفسية تدميرية بالضرورة. تعليقاً على حالة مريض ممن يرتدون لباس الجنس الآخر، لاحظ ستولر أن جزءاً من لذة الرجل في رفع إحساسه بالأنوثة من خلال تبادل اللباس إنما يتأتى من إدراك متزامن لكونه ذكراً أيضاً. هنا فإن "جانبي الهوية الجنوسية"- الجانب اللاحق أنا مؤنث والهوية النواتية الأقدم أنا ذكر (مع ذلك)- كانا بالقدر نفسه "ضروريين لانحرافه" Staller 1968:40)) فالتلاعب بحدود الجنوسة للعب بـ وعلى معنى تناقضات الهوية، كان، بالنسبة لهذا الشخص هو تأمين شروط الاستمتاع الجنسي الأقصى. إن التركة المستمرة لعمل ستولر (وعمل عيادة أبحاث الهوية الجنوسية التي أنشأها في لوس أنجلوس في الستينات 1960) لا يزال بالإمكان رؤيتها في الدليل التشخيصي الرسمي لرابطة الطب النفسي الأمريكي. فهناك يمكن للمرء أن يجد مدخلات عن "قلق الجنوسة" أو اضطراب الهوية الجنوسية، الذي يعرف بأنه "القلق الدائم لدى المرء من الجنس المحدد له أو إحساس بعدم الملاءمة في الدور الجنوسي لذاك الجنس"، وهي أعراض متلازمة، غالباً ما تؤثر مؤقتاً على الأولاد- رغم أنه لم يقدم أي دليل على سبب حدوث ذلك. إن هذه الأبحاث الأعراضية المجردة، الموجزة في حين أنها تفتقر حتماً إلى البوطن السيكولوجية لقصص الحالات المرضية لستولر تبرز نقاط الضعف في مقاربته السريرين الضيقة الخاصة به. فقد كان أمام ستولر قليل من الوقت من أجل التحليلات الاجتماعية الأوسع للجنوسةن مستبعداً "التاريخ الثقافي" للجنسانية لدى فوكو باعتباره ليس أكثر من "قصة"، تقوم على كسر وشذوذات تهمل المعلومات التي يمكن أن تضيفها الدراسة العميقة للأفراد. Staller 1996:16-18)).

ارسال التعليق

Top