• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حرب بين الأب والأُم.. والأبناء هم السلاح

حرب بين الأب والأُم.. والأبناء هم السلاح

على بُعد أميال من المنطق، يعلو صوت مؤامرة مُبطّنة، يشنّها أحد الزوجين على الآخر، بهدف الفوز أو تسجيل هدف في مرمى الآخر. مؤامرة غير علنيّة وسلاحها قد يكون الأغلى على قلب الطرفين: الأبناء. نعم، في لعبة حرب بين الأم والأب للوصول إلى تحقيق مأرب ما، قد يُستخدم الأولاد كورقة ضغط تُرجّح كفّة أحدهما.

تُسلّط الأُم ابنها أو ابنتها في اتجاه شريك حياتها لغاية في نفسها. ومثلها يفعل الأب أيضاً. هدفهما واحد، وتطلعهما واحد: تسجيل هدف في شباك الآخر والحصول على ما ترغبه النفس.

بغض النظر عمّا إذا كانت هذه النفس تُعاني أنانية أو غير ذلك، وبغض النظر عن الوسيلة والأسلوب المستخدمين في الحرب، يتحرك الأولاد طواعيّة لتلبية أوامر الوالدة أو الوالد، مُدركين أحياناً ماهيّة اللعبة وغافلين عنها أحياناً أخرى. فهل يكون لهذا الأسلوب وقعهُ الخطير على نفس الأولاد؟ وهل يعي الأهل نتيجة أسلوبهم المعتمد؟ ولماذا تشن الحرب بين الوالدين من الأساس؟ ولماذا يكون الأولاد سلاحهما المعتمد؟

كيف يكون استخدام هذا السلاح؟ ومَن الذي يفوز باللعبة؟ وما تداعيات هذا الفوز في حال حققه أحدهما على الآخرة؟

 

فعل السِّحر:

"زوجي لا يردّ عليَّ بل على ابنته الغالية". تبرير تتمسك به سامية محمّد (ربة منزل، متزوجة منذ 9 أعوام ولديها ابنة وحيدة" لتحلّل لنفسها اعتماد ابنتها كوسيلة للتأثير في زوجها. تقول: "عندما يقع خلاف بيني وبين زوجي ننقطع عن الكلام إلى بعضنا، فأبتزه بابنتنا، حيث أجعلها تقوم بدوري. فمثلاً، لو أردت منه ألا يخرج للقاء أصدقائه مساءً، أسلّطها عليه لتُقنعه بعدم الخروج والبقاء معها لكي لا تبكي بكاءً شديداً". وتضيف: "أحياناً، أجعلها تتمارض لكي نلغي زيارة أهله، وغيره من الأمور الكثيرة التي أرغب في أن يفعلها لي، من دون أن أطلبها بلساني". تشرد سامية بتفكيرها، وتكمل كلامها قائلة: "حرّضت ابنتي ذات مرة على أن تُقنع والدها بتأمين اشتراك سنوي لنا في أحد الفنادق الفخمة، لنتمكن من استخدام حوض السباحة خلال فصل الصيف، ونجحت في ذلك على الرغم من مُعارضته الفكرة سابقاً، التي كانت تصل إلى حدّ عدم السماح لي بمجرّد التلميح للموضوع". وتتابع: "أحياناً، أطلب منها أن تتدلّل عليه في حال كنت لا أكلّمه، ليأتي هو ويكلمني"، وتختم سامية مضيفة: "لابنتي فعل السحر على والدها، وأنا أستفيد من هذا الوضع وأحصل على مبتغاي".

 

تجنيد:

أسلوب تحريض البنت للضغط على والدها، هو الأسلوب الذي يعتمده أشرف الوهاب (مهندس مدني، متزوج منذ 14 عاماً ولديه ابنتان) للضغط على زوجته، يحكي: "أنا أيضاً أنال ما أرغب فيه من زوجتي، بمجرد أن أحرّض ابنتيّ عليها". يبتسم أشرف وهو يتابع بالقول: "أستخدم الفتاتين لتؤثرا في والدتهما، حين أودّ الخروج، حين أتأخر في العمل، حين أذهب مع صديقي إلى النادي الصحي للتريُّض، وكذلك حين أرغب في تناول طعام مُعيّن، حيث اسألهما أن تطلبا من والدتهما إعداده لهما". يحتفظ أشرف بابتسامته وقد اتسعت أكثر لتُغير وجهه بشيء من الانتصار، ويعترف: "مؤخراً، طلبت منهما أن تُقنعا زوجتي بالسفر إلى بلدنا من دوني، على أن ألحق بهنّ حين أفرغ من عملي، وهو أمر كانت زوجتي تعترض عليه بشدة، ووعدتهما أنهما لو نجحتا في إقناعها، سوف تحصل كلّ واحدة منهما على جهاز "ميني آيباد" (mini iPad). ولأكون صادقاً، إنّ الكلفة التي أدفعها للبنتين غير قليلة، ولكنها تحل مشكلات كثيرة". تتغيّر ملامح أشرف وهو يقول بصوت جاد: "بتجنيد البنتين لمصلحتي، وجدت الدواء لزوجتي التي تحب إلقاء المسؤولية بالكامل عليَّ، هو أسلوب لا يكشف عن أي تدخل حسّي لي، ويتركها تعتقد أنّ كلَّ ما تفعله إنّما هي تلبّي رغبات البنتين".

 

مشاكل قوم عند قوم فوائد:

بوجهه البشوش، يُرحّب أحمد، ابن الحادية عشرة بسؤالنا، ومن دون أي استغراب للموضوع، يُقرّ قائلاً: "والداي هما في حرب دائمة وأنا المستفيد الأكبر من الموضوع". لا يعرف أحمد من أين يبدأ ولا ما يقول، يكتفي بالتلميح: "بتُّ أحسن التصرف عندما تشتد المعركة بين أبي وأمي، حيث أقوم باستغلال الموضوع ليصب في مصلحتي". يتنهّد أحمد ويقول: "أحياناً، يأبَى كلّ طرف أن يتنازل للآخر، وقد يقترح أحدهما أن أبادر أنا بالصلح بينهما بطريقة غير مباشرة، وقد حصلت بفضل ذلك على الكثير، من نقود إلى ألعاب إلكترونية، إلى سيارات وطائرات تعمل بالـ"ريموت كنترول" وغيرها". يشرد أحمد في البعيد، ثمّ يعود ليقول: "في الحقيقة، إنّ مشكلات أهلي لا تنتهي، فكلّ واحد منهما يفكر بطريقة معيّنة ويُريد تغليب رأيه على الثاني في موضوعات كثيرة، مثل تربيتي والأصدقاء ومصروف المنزل والإجازات وغيرها وغيرها". ويختم: "لا يسعني سوى أن أعترف بأنّ هذا أمر جيد، لأنّه يُتيح لي فرصة الحصول على الكثير".

 

من أجل ماضٍ:

وكأن شادي يكن (مدير تسويق)، يشتهي ما قد لا يخطر على بال أحد، فيُبادر إلى الاعتراف بعفويّة: "ليت والديّ بقيَا مع بعضهما بعضاً ولم ينفصلا، وليتهما استخدماني كورقة ضغط. لم أكن لأمانع لو كنت الوسيلة لإبقائهما معاً". من خلال حرقته التي تخرج من القلب مباشرة، يشير شادي إلى استعداده "للقيام بأي دور، سواء أكان صحيحاً أم العكس، لتغيير الماضي والوقوف عند لحظات تبدو بعيدة جدّاً حالياً". أما على الصعيد الشخصي، فيقول شادي بثقة شديدة: "لن أستخدم أولادي في معركة مع زوجتي أو لتحقيق مأرب شخصي، ولن أسمح لها باستخدام هذا النوع من الأساليب، فذلك خطأ كبير يدفع الأبناء ثمنه على الصعيد النفسي. وبلا شك هو يُغيِّر في مسارهم في الحياة، وفي قراراتهم الشخصية وسلوكيّاتهم". ويضيف: "قد يكون على الأهل الامتناع عن زيادة الضغوط على أولادهم، وتركهم بسلام ليعيشوا تجاربهم وخبراتهم الخاصة".

 

أنانية:

بنبرة حادة، تستنكر الدكتورة عايدة بندر (طبيبة أسنان) استغلال الأولاد في حروب الأهل، وتقول: "هذا أسلوب أناني يدل على أنانية الوالدين وتفضيل مصلحتهما على مصلحة العائلة وصحة تربيتها". "كيف لأهل أن يستغلوا فلذات قلبهم لتحقيق أهوائهم ورغباتهم الشخصية؟"، تتساءل د. عايدة وتُجيب: "أحمدُ رَبِّي أنّ زوجي يوافقني هذا الرأي، وهو لم يستخدم مطلقاً مثل هذا الأسلوب الرخيص ليؤثر فيَّ من خلال الأولاد".

وتتوجه د. عايدة بندر إلى الأهل بكلامها قائلة: "أرجوكم أن تنظروا إلى مصلحة أولادكم لا إلى مصلحتكم الشخصية الضيّقة، وعليكم أن تكونوا المثال والقُدوة لهم، وإذا لم تحققوا هذا الواقع، فاحذروا من حرب ترتدّ عليكم منهم، لأنّ نتيجة تصرفاتكم سوف تنعكس بالسلبية على مصلحتكم في نهاية المطاف، بالتأكيد بعد أن تكونوا وضعتم أولادكم على طريق المتاعب".

 

تحليل المحظور:

على الجانب نفسه، يقف إلياس معوض (مدير مالي، متزوج منذ 28 عاماً ولديه ولد وحيد)، مفكراً في الموضوع مُتمعّناً فيه، قبل أن يختزل ما توصّل إليه بكلمات، يقول: "استخدام الأولاد لتحقيق هدف على الشريك، يجعل الأولاد مُعقدين نفسياً". يستمر إلياس في حديثه موضحاً، أنّه "لا يحق للأهل أن يعلّموا أولادهم السرقة. ذلك أنهم في الأسلوب الذي يستخدمونه في حروبهم على بعضهم بعضاً، يُبطنون شيئاً من الانحراف عن الفضيلة، وكأنّهم يحللون المحظور للحصول على هدفهم". "إنّ نقل هذا المفهوم من قِبَل الأهل إلى أولادهم خطير". يُعقّب إلياس معلّقاً، ويضيف: "يتوجب على الأهل تعليم أولادهم الأمانة والصراحة والصدق في التعامُل والتصرُّف. عيب كبير أن يكونوا مثالاً مُضلّلاً لأبنائهم، وأن يرسموا لهم طريقاً مُعبَّداً بمطبّات المُوارَبة وحُب الذات والوصوليّة". وينهي إلياس كلامه بشيء من التحسّر، مُردّداً: "إنّ الموضوع الذي تطرحونه له تاثير سيِّئ جدّاً في نفسية الأولاد، ليت الأهل ينتبهون إلى مضمونه ويصغون إلى صوت التحذير الذي نطلقه".

 

تضحية:

"لا نعتمد أنا وزوجتي هذا الأسلوب مع ولدينا، بل نحاول أن نربيهما أحسن تربية، ولا نَبْخَل بالتضحية بوقتنا في سبيل ذلك". بهذه الكلمات، يختصر عصام عبدالأمير (مهندس نفط) رأيه في الموضوع، فهو وعلى مدار 20 عاماً من الزواج، متفق وزوجته على أن يتصرّفا بشكل إيجابي مع الأولاد، يقول: "لذا، ترانا لا نستخدم الأساليب المواربة والخبيثة، بل الصريحة والمباشرة، حرصاً منّا على مصلحتهم العامة".

وعن أسلوب استخدام بعض الآباء أولادهم كوقود لنار تشتعل بينهم، يعلق عصام قائلاً: "هذا أسلوب رخيص وبشع ويؤثر سلباً في نفسية الأولاد". ويضيف: "قد يستمتع الأولاد في البداية من كون الحالة بشكل عام تعود بالفائدة عليهم، ولكنهم يتوترون ويشعرون سلباً حين يُدركون أنّ الهجوم المبطّن الذي يشاركون فيه بشكلٍ أو بآخر، المقصود به أعز إنسان على قلوبهم. وشخصياً أرفض قطعاً وضع ولديّ في موقف صعب كهذا".

 

حرام:

من جهتها، تتحدث دكتورة سلمى إلياس (صيدلانية، متزوجة منذ 5 أعوام ولديها ابنة وحيدة) عن تداعيات استغلال الأولاد في حرب الأهل، فتقول متسائلةً: "إذا كان الخلاف بين الأبوين ينعكس سلباً على الأولاد، فهل يزيد الأهل الطّين بلّة باستخدام الصغار كأدوات للحرب القائمة في البيت؟". وتقول: "هذا تصرف مُراهقين ولا يخرج إلا من نفوس مريضة". وتُنبّه سلمى إلى حقيقة أخرى، تعتبرها من وجهة نظرها "أمراً في غاية الأهمية"، حيث تقول مصرحة: "حرام أن يحرّض أحد الوالدين ابنه أو ابنته على شريك في الحياة، هذا خطر وغير مسموح، لأنّ الأولاد عليهم أن يحبّوا كلا الوالدين بالدرجة نفسها، لا أن يميلوا إلى طرف أكثر من الآخر". وتختم: "للموضوع تداعيات مستقبلية سيئة على نفسية الأولاد، حرام.. حرام.. حرام".

 

بَيَادِق:

في رأي مشابه، تعلن آسيا فاضل (موظفة مصرف، متزوجة منذ 5 أعوام ولديها ابنة وحيدة) أنّها تعتبر هذا الموضوع "خطيراً جدّاً"، لافتةً إلى أنّ اعتماده مع الأولاد يقودهم إلى منطقة، هي في الأساس ليست منطقتهم، سواء تم استخدامهم بشكل إيجابي أم العكس". إذن، استخدام الأولاد بالنسبة إلى آسيا لأي سبب كان، حتى ولو إيجابياً، هو "استغلال مرفوض". وتضيف موضحة: "إنّ الأهل باستخدامهم أولادهم بَيَادق في معركتهم، يجعلونهم جزءاً من معركة لا علاقة لهم بها، إلا أنها تنعكس بالسوء على نفسيتهم وبراءتهم الطفولية". وتخاطب آسيا الأهل قائلة: "أبعدوا أولادكم عن مشكلاتكم، واعلموا أنهم ليسوا الحل لها، لأنّ الحل في أيديكم أنتم، من خلال الاستماع لصوت العقل والنّضج وبُعد النّظر".

 

جريمة:

بعد أن تنصت غادة عصام (سنة أولى طب أسنان) بإمعان إلى مضمون الموضوع الذي نطرحه عليها، تطلق من صدرها تنهيده ارتياح، تقول: "يلتزم والداي الصمت في ما لو وقع خلاف بينهما". وبحماسة كبيرة، تواصل غادة كلامها، وتضيف كاشفة: "في العادة، أسعى مع أخي لنصلح بينهما، وننجح في ذلك لخوفهما على مشاعرنا، ولكونهما متمسكين بشد أواصر علاقتنا العائلية". افتخار غادة بوالديها وفحرها بكونهما واعيين لمصلحتها هي وأخيها، يدفعها إلى توجيه ملاحظة إلى الأهل الذين يستخدمون أولادهم في موجهاتهم، لافتةً إلى أنّ "استغلال الأولاد لتحقيق هدف شخصي للأب أو للأُمّ، هو بمثابة جريمة في حقِّ الأولاد، وهو أسلوب غير لطيف وغير ناضج". وحين نسأل غادة عن رَدّ فعلها في ما لو كان والدها أو أحدهما يستخدم مثل هذا الأسلوب، تردّ علينا بابتسامة عريضة قائلة: "لقد بتّ في سن يمكنني فيها أن أحكم على الأمور بشكل أوضح، وأدرك الخطأ من الصواب، هذا الأمر لم يحصل معي في سن أصغر، ولو حصل الآن فأنا مستعدة له، لأصارح مَن يستخدمه بغلطه".

 

حكمة:

في سياق متصل، يقول أشرف عصام (شقيق غادة، صيدلاني): "إنّ هذا الأسلوب غير صحيح بالفعل، وهو إنّ دَلّ على شيء فإنما يدل على اهتمام أحد الأبوين بمصلحته الشخصية، لا بمصلحة أسرته".

"لماذا لا يعتمد الوالدان الأسلوب الصريح والمباشر بين بعضهما؟"، يسأل أشرف ملاحظاً: "إنّ الصراحة تختصر الطريق إلى حَلّ كلّ المعضلات، على أن ينبعها نقاش جاد ومنطقي، بدل اعتماد أساليب غير سليمة يكون الأولاد سلاحها ومحورها". ولأنّ أشرف يرفض منطق الاستغلال على أشكاله، يُصرّح قائلاً: "يستحيل أن أكون وسيلة ضغط على والدي أو على والدتي. كما أنّ والديّ يرفضان استغلالي أو استغلال أختي، هما ربَّيَانَا على الصراحة والصدق، وعلى أهمية تقديم مصلحة العائلة دائماً على أي مصلحة شخصية". ويضيف أشرف خاتماً: "مثلما يتمتع والداي بالحكمة، أدعو للآخرين بهذه الحكمة، لكي لا يُسيؤوا إلى أولادهم".

 

ورقة ضغط:

تعليقاً على الموضوع، يقول الموجّه الأسري الدكتور عبداللطيف العزعزي: "إنّ استخدام الأولاد في معارك الأبوين، يعود في الأغلب في مشكلات قائمة بينهما، وهما يلعبان بأولادهما كورقة ضغط أحدهما على الآخر، لتحقيق إنجاز على صعيد من الصُّعد، غير واعيين أنّهما يزجّان بالأبناء كطرف في خلافاتهما". ويضيف: "من بعض الممارسات الخاطئة للآباء، أن نجد مثلاً مَن يُردّد عبارة: أنتُم أبناء أمُكم". يتابع د. العزعزي موضحاً: "إنّ هذه العبارة تشكل ضغطاً شديداً وهي مؤذية للأولاد". مُشيراً إلى أنّ "أغلب الخلافات التي تشعل شرارة الحرب بين الزوجين، تكون بلا معنى وتقوم لأسباب واهية، كأن تنفق الزوجة أكثر من اللزوم، أو بسبب خروج الزوج مع أصدقائه، أو بسبب الأهل وما شابه". ويقول: "هذه الأمور تتفاقم أحياناً، إلى درجة تدفع كلّ طرف إلى اتخاذ إجراءات هجوميّة تناسب تطلعاته، وللأسف، غالباً ما يكون السلاح المستخدم هو الابن أو الابنة، ليتم الضغط من خلاله على الطرف الآخر، بأسلوب غير سويّ أو غير منطقي". ويتابع: "تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الأسلوب ليس شائعاً بين جميع الأسر، ولكن لا يمكن إنكار وجوده على صعيد محدود".

وينتقل د. عبداللطيف العزعزي، ليتحدث عن تأثير هذه الأمور في الأبناء، فيقول: "إذا كان الأبناء من النوع الاستغلالي، وليس في ذهنهم أنهم ينتمون إلى عائلة، يكبرون على هذا الأسلوب ويعتمدونه لاحقاً في حياتهم العملية والشخصية، وأيضاً مع الشريك المستقبلي". ومن خلال تجربته مع مثل هذه المشكلات الأسرية، يُصرّح د. العزعزي قائلاً: "لقد وجدنا في بعض الحالات، أنّ الأولاد يدخلون في حالة نفسية صعبة، تتطور إلى أمراض جسدية ومشكلات صحية، خصوصاً بعد أن يدركوا أنهم يُستخدمون كسلاح بين الوالدين، ويدركوا أنّ وراء هذا الاستغلال مشكلة حقيقية تُهدّد العائلة. كما أنّنا لم نعد نستغرب إذا صادفنا بنات يخفن من الزواج ويعزفن عنه، لأسباب ذات علاقة بمثل هذه الممارسات غير المسؤولة من جانب الأهل".

وعن كيفية تعامله مع مثل هذه النماذج من الأهل، يقول د. العزعزي: "أطلب من الطرف الشاكي تجاهل المحاولات المبذولة لاستغلال الأبناء كورقة للضغط عليه وعدم الاستجابة لتلك المحاولات، على أمل أن يثوب الطرف الممارس للأذيّة إلى رشده، وكذلك حتى نُفوّت عليه الفرصة للتلذّذ بانتصار موهوم. كما ندعو إلى تحييد موقف الأبناء من خلال مساعدتهم على التماس الأعذار للطرف الذي يسعى إلى استغلالهم، فهذا يُفيد في تخفيف وقع الأمر على الأبناء". وينهي د. العزعزي مُداخلته، ملاحظاً أنّه "تأتي دائماً نتيجة عملنا إيجابية، خصوصاً حين يعود المتسبب إلى صوابه". ويقول: "لذا، ندعو كلّ زوجين إلى التحلّي بالحكمة والتروّي في مناظرتهما للموضوع، والابتعاد التام عن فكرة الانتقام للذات من أجل حماية المصلحة العامة".

 

ديناميكيات العلاقات:

من ناحيته، وفي قراءة نفسية للموضوع، يستهل الدكتور طلعت مطر (طبيب نفسي) حديثه بالإشارة إلى ما يُسمّى "ديناميكيات العلاقات الأسرية التي تحفظ موقع كلّ طرف بالعائلة"، ويقول: "أحياناً، نرى الأولاد في موقع كبش الفداء لوالدين يكنّ كلّ منهما مشاعر عدائيّة تجاه الآخر، وهذا أوّل نوع من ديناميكية العلاقة الأسرية التي أشرت إليها، وأكثرها تأثيراً في الأولاد سلباً. أما النوع الثاني، فهو يركز على استخدام الأولاد في ما يُعرف بالتحالف الضمني، بحيث يستقوي أحد الشريكين على الآخر، من خلال التركيز على نقاط ضعفه التي يعرفها، متسلّحاً بالأولاد ليؤكد فوزه". إنّ التحالفات المبطّنة التي تنشأ بين أحد الوالدين وأولاده ضد شريكه في الحياة، هي بالنسبة إلى الدكتور طلعت مطر "عبارة عن أسلوب سيئ جدّاً، لأنّه يعلم الأولاد أن يسمحوا للآخرين باستخدامهم في الحياة لاحقاً، وهو خطأ فادح يرتكبه الأبوان في حقهم، يفسدون من خلاله العلاقة الأسرية كلها، وتنتهي بلا شك بتضرر الجميع من دون استثناء".

ويتابع د. مطر بيان تأثير الموضوع في الأولاد وتداعياته من الجانب النفسي، فيوضح وجهة نظره قائلاً: "تكمن المشكلة في أنّ استخدام الوالدين لأولادهما بأسلوب ملتوٍ، يزرع في ذهن الصغار أنّها مسألة مُسلَّم بها في الحياة، فيصبحون، ومن دون أن يدروا، أدوات في أيدي الآخرين". ويُكمل: "أي أم أو أب يستغل أولاده لتحقيق هدف يصبُّ في مصلحته الشخصية، يُشير بوضوح إلى عدم نضج وفشل، ذلك أنّ الناجح والواثق بنفسه، يُجنب أولاده كلّ صراعاته، لا بل يحميهم من أي ارتدادات لها قد تؤثر فيهم. وحده الضعيف يستخدم ابنه كدرع، ويقلب منطق الأمور في أن يكون طفله هو درعه".

ويمضي د. مطر للكلام عن نقطة يعتبرها مهمة جدّاً، فيقول: "إنّ بعض الأولاد يستغلون حالة الوالدين الخلافيّة لمصلحتهم، لأنّهم تعلّموا الأسلوب ذاته". ويعود د. مطر ويذكر "أنّ أسلوب الأهل هذا يقلب المواقع بينهم وبين أولادهم، فيصبحون هم الأولاد وأولادهم هم الآباء. أؤكد أنّه من مسؤولية الوالدين أن يكونا لأولادهما الدرع والسَّند، وتعريضهم لهذا الاستغلال يُفقدهم حس الطمأنينة والأمان، ويجعل ثقتهم الأساسية تهتز، ويهددهم بأمراض نفسية كثيرة حين يكبرون".

ارسال التعليق

Top