دفتر رسوماته ينبئك بالكثير
جلس بجانبي وفي يده أدوات الرسم ودفتر رسوماته الخاص، أخذته منه وأنا مبتسمة، تصفحته. تعجبت من رسوماته والطابع المسيطر عليها، لقد كانت كلّ الموضوعات تحتوي على طفل داخل قفص حديدي. وضع شاذ وغير طبيعي، فالقفص الحديدي خاص بالحيوانات فقط أما الإنسان فمكانه حر طليق في الكون. سألته مَن هذا الصبي؟ قال: أنا.
هذا هو سر رسوم الأطفال، فالطفل يُخرج مكنونات نفسه وعقله على الورقة، ورسوماته تفسر أنّه يعاني القيود وأنّه لا يمارس حرّيته وطفولته، فهو يشعر بأنّ هناك مَن يحبسه في هذا القفص الحديدي. وعندما جلست مع والدته اكتشفت السر، إنّه يكمن فيها، فهي تسيطر عليه بشكل تام، تفرض عليه قيوداً في الجلوس والتحدث، تراقبه في حركاته وسكناته، تعلق على كلّ تصرف بالضرب أو التوبيخ أو الصوت العالي.
تأكدي أنّ طفلك له نفسية تفوق نفسية الشخص البالغ في الحساسية والشعور، ويعبر عنها بشكل إرادي أو لا إرادي، وأكثر وسيلة يعبر بها عن شعوره هو الرسم.
إنّ عالم الأطفال في حد ذاته عالم شاسع من الغموض والألغاز والمتناقضات، ولفهم هذا العالم يلزمك الاطلاع على علم قائم على التجربة والاستبصار، ومن أحد تلك العلوم هو علم فهم طفلك من خلال تحليل رسوماته التي تعبر عما يجول في رأسه من أفكار وما ينتج عنها من سلوك وتصرفات. إنّ هناك ارتباطاً كبيراً وعلاقة واضحة جلية ما بين الخطوط والرسوم والدوائر والقلوب والشجر والبقر والخطوط الطولية والمتوازية والدائرية والعرضية والخرابيش بشكل عام. ويغلب على رسوم الأطفال كما هو ملاحظ دائماً طابع التلقائية والعفوية والعبثية والعشوائية.
عرّف العلماء تحليل الشخصيات من خلال الخط بما يسمى حالياً بعلم (الجرافولوجي) وهذا العلم يعني علم الشكل أو الرسم، وهو قراءة علمية متخصصة للجهاز العصبي والنفسي والحركي على الورق من خلال تلك الخرابيش والوجوه والتواقيع والأشكال والرسوم المختلفة. وقد ذكر (فرويد) أنّ الفن، والرسم هو الدرب والطريق الذي يعرفنا بأعماق النفس البشرية المعقدة.
فوائد الرسم لطفلك:
على الرغم من إهمال الكثيرين لرسوم الأطفال إلّا أنّ لها دلالات كثيرة في الكشف عن شخصية طفلك، وأهم ما يزعجه أو يفرحه، خاصة أنّ رسوم الأطفال تتميز بالبساطة، والتلقائية، والصدق.
فالرسم والزخرفة تساعدان على تنمية ذكاء طفلك، وتنمية هواياته وصقل شخصيته، وهما يدلان على خصائص مرحلة النمو العقلي، ولا سيما في الخيال عند الأطفال، بالإضافة إلى أنّهما من عوامل التنشيط العقلي والتسلية وتركيز الانتباه. ولرسوم طفلك وظيفة تمثيلية، تسهم في نمو ذكائه، فعلى الرغم من أنّ الرسم في ذاته نشاط متصل بمجال اللعب، فهو يقوم في الوقت ذاته على الاتصال المتبادل بين طفلك وطفل آخر أو شخص آخر، لأنّ طفلك يرسم من أجل أن يعرض ما رسمه عليك أو على معلميه، أو أحد الأشخاص الذين يهتمون لأمره، وكأنه يريد أن يقول شيئاً عن طريق ما يرسمه، وليس هدف طفلك من الرسم أن يقلد الحقيقة، وإنما تكون رغبته إلى أن يمثلها، ومن هنا فإنّ المقدرة على الرسم تتماشى مع التطور الذهني والنفسي لطفلك، وتؤدي إلى تنمية تفكيره وذكائه.
بعض أسرار رسوماته:
1- عندما يرسم طفلك لفرد من أفراد عائلتك صورة سيئة مثل الوحش على سبيل المثال، فهو يحمل لهذا الشخص شعوراً سيئاً، مثل الخوف أو الكراهية أو الغضب أو القلق.
2- عندما يرسم طفلك نفسه بحجم صغير بخلاف باقي شخصيات اللوحة، فإنّه يرى نفسه صغيراً غير واثق بنفسه وبقدراته الشخصية.
3- عندما يرسم طفلك عائلتك وتجدين أنّه رسمك بصورة متضخمة بعكس والده، حيث يرسم شخصيته صغيرة، فإنّه يرى بشكل واضح سيطرة شخصيتك وتسلطك على والده، يراك المتحكمة في المنزل ويعرف ضآلة دور والده في الأسرة. والعكس صحيح.
4- عندما يرسم طفلك نفسه بحجم كبير عكس الشخصيات الأخرى في رسوماته، أو يرسم رقبته طويلة فإنّه يعتز بنفسه بشكل خاص، ويفتخر بها.
5- عندما يرسم طفلك حيواناً صغيراً وأُمّه تحتضنه أو تحنو عليه بشكل متكرر، فإنّه يفتقر إلى حنانك ويحتاج إلى حضنك ودفئك.
6- الرسوم الكبيرة التي تشغل الصفحة كلّها تميز الأطفال العدوانيين، وأيضاً تميز الأطفال ذوي النشاط الزائد. وقد تعبر عن شعور الطفل بالعجز عن الحركة والإحباط. وقد تبرز رغبة الطفل في التعويض لإحساسه بعدم الثقة بالنفس فيرسم ما يتمنى تحقيقه.
7- إما الرسوم الصغيرة فقد تعبر عن الدونية ونقص الكفاءة أو الخوف والانطواء أو القلق.
ويهتم العلماء بتحليل رسوم الأطفال التي تكون على رسوم للشكل الخارجي للإنسان أي أعضاء الجسم مثل (الرأس، العينين، اليدين، القدمين...)، وما يتعلق به من مظاهر محددة كالحجم والتفاصيل وخطوط الرسم وتعبيرات الوجه، وكون الشكل مرسوماً من الجانب أو الأمام، وأيضاً وضع هذا الشكل على ورقة الرسم، إذا كان في الأعلى الصفحة أو أسفلها أو في جانبها، كذلك أسلوبه في الرسم مثل شدة الضغط بالقلم على جزء معين من الجسم، أو إبراز جزء دون غيره من باقي الجسم الذي يرسمه، والمبالغة في رسم جزء أو حذفه، وإهماله وتظليله... إلخ، وهذه بعض المعاني التي ترتبط برسوم طفلك لأعضاء معينة من الجسم:
- الرأس: رسم طفلك لرأس كبيرة يدل على تعظيم الذات أو التماس القوة العقلية والفكرية، وربما يكون تكبير الرأس في بعض الحالات تعبيراً عن مشاعر النقص والعجز الجسمي، أما رسم الرأس صغيرة فهو تعبير عن الخجل أو تجاهل أفكار مؤلمة محفورة في رأسه كتعرضه للضرب أو الإهانة أو العداء من شخص ما.
- العينان: إذا رسم طفلك العينين واسعتين ذات أهداب طويلة جميلة تعبر عن الجاذبية، أما إذا رسمهما مغلقتين، أو من خلف نظارة سوداء فهو تعبير عن تجنب مناظر أو رؤية مؤلمة يتعرض لها طفلك.
- الأذرع والأيدي: حين يرسم طفلك الأذرع والأيدي فهي عادة تكون محملة بالمعاني السيكولوجية مثل الطموح والثقة والكفاءة والعدوان وربما الشعور بالذنب. فالأذرع الطويلة القوية تعبر عن الطموح والرغبة في التحكم والسيطرة وأحياناً العدوانية، أما الأذرع الطويلة الضعيفة تعبر عن الحاجة إلى المساندة والعون، والأذرع القصيرة تعبر عن انعدام الكفاح والشعور بنقص الكفاءة، أما حذف الأذرع من الشكل يوحي بأنّ طفلك يشعر بعدم الكفاءة وانعدام القوة، وأيضاً عدم الشعور بالأمان وصعوبة التعامل مع البيئة. والأذرع المرفوعة تعبير عن القلق والخوف وطلب النجدة.
- الفم: حين يرسم طفلك الفم بضغط زائد عليه أو تكبيره، فهذا يعني اضطرابات في اللغة والكلام أو الاتكال أو الاعتماد على الغير، وحين يرسم طفلك الفم مع الأسنان، فهذا يعبر عن العدوان والعصبية.
- التظليل: حين يستخدم طفلك تظليل الجسم كلّه، فهذا دلالة على القلق، أما إذا استعمل تظليل جزء معين يكون القلق مرتبطاً بهذا الجزء، ويعتبر ميل طفلك إلى تشويه الشكل المرسوم أو تظليله يكون نتيجة لعدم ارتياحه للبيئة من حوله، وعدم ملائمة الأجواء لنفسيته في هذا الوقت.
- الضغط بالقلم بأكثر ما هو مطلوب: ثقل وخفة ضغط طفلك على الخطوط تشير إلى مستوى الطاقة عنده، فإذا ما ضغط على القلم بشكل كبير، فهذا يعبر عن التوتر العضلي الزائد، وعدم الارتياح من شيء ما. وتزداد هذه الظاهرة في رسوم الأولاد أكثر من رسوم البنات، وهي تعبر في هذه الحالة عن الاندفاع والمغامرة، أما الضغط بالقلم بأقل مما هو مطلوب وكانت الخطوط التي يرسمها باهتة، دل ذلك على انخفاض مستوى الطاقة الجسمية والنفسية، كما يرتبط بالخجل والانقباض الشديد، أما حين يتراوح ضغط طفلك على القلم بين القوة والضعف، فهذا التنوع يدل على المرونة والتوافق.
وبالتأكيد ليست كلّ أسرار رسوم طفلك سلبية دوماً.
نصائح لك بعد معرفتك نفسية طفلك من خلال الرسم:
1- انتبهي لرسوم طفلك حتى تفهمي شخصيته وما يحبه، وما يزعجه لتدارك المشاكل من أولها وحلها.
2- دعي طفلك يخبرك عن رسمه، ومَن في هذا الرسم. اسأليه أسئلة تفضي إجابتها إلى الكشف عما يزعج طفلك.
3- حاولي الإصلاح بين طفلك وبين هذا الشخص الذي يحمل له غضباً أو توتراً خاصة إذا كان والده.
4- عززي ثقة طفلك بنفسه وادعميه بكلمات إيجابية وشجعيه على رسم المزيد، ولا تظهري أي استخفاف بما يرسم.
5- علمي طفلك بشكل غير مباشر دورك أنت في الأسرة، ودور والده وعززي مكانة والده في نفسه.
6- اشبعي رغبات طفلك النفسية من حب ورعاية، ليشعر بالأمان والراحة.
وبسؤال استشارية صعوبات التعلم والتربية الخاصة خبيرة تشخيص متلازمة إيرلين منى أحمد كاظم عن مدى فاعلية مناقشة الأُم لرسوم طفلها قالت: إنّ رسوم الأطفال موضع دراسة منذ سنوات عديدة، وحول ما تعنيه سواء تربوياً أم علاجياً يأمل البعض أن يجد معنى في الرسوم أحياناً، وأحياناً تكون متعة يظهرها الطفل على لوحته، لكن في بعض الأحيان يمكن أن تكتشف طبقة أعمق إلى ما يفكر فيه ويشعر به بدلاً من ذلك، يمكن استخدامها كفرصة للتحدث معه حول ما يرسم وسؤاله أسئلة تعزز التواصل بينكما، على الأُم أن تبذل قصارى جهدها لتجنب إعطاء الانطباعات الخاصة، وجعل الحوار مفتوحاً مثل: "ما أجمل هذه الألوان، أخبرني من هؤلاء الذين في الصورة؟ ماذا يفعلون"؟
أخيراً، علقي اللوحة التي رسمها طفلك في مكان بارز ليشعر بالفخر والثقة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق