• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آثار التلفاز السلبية على الأبناء

مروة عبدالجبّار

آثار التلفاز السلبية على الأبناء

أصبح التلفزيون بالنسبة إلى أكثر الأطفال صديقاً حميماً وموجهاً يومياً اختاروه لأنفسهم وقد أجابت طفلة في السابعة من العمر على سؤال: ممن تتألف أسرتك؟.

فقالت: "تتألف أسرتنا من بابا وماما وجدتي وجهاز التلفزيون" ويعتبر التلفزيون للأطفال زميلاً يساعدهم وينصحهم وهو في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون مملاً إطلاقاً وبالنسبة للأحداث هو مستشار ومصدر للمعرفة ودليل ومرشد في مجالات الحياة التي لا تعرف بعد. وبناءً على طلب مجلة (تلغراف) والمعهد الفرنسي لدراسة الرأي العام، فقد أجري بحث لموضوع العلاقة القائمة بين الأطفال والشبيبة وبين التلفزيون وأظهر البحث أنّ 70% من الأطفال وبغض النظر عن الجنس والسن، يشاهدون التلفزيون يومياً وهذه النسبة تبلغ 77% في المناطق الريفية خلال أيام الأسبوع كما أظهر البحث أنّ 74% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 – 12 عاماً يشاهدون التلفزيون من ثلاث إلى أربع ساعات وربما أكثر في اليوم الواحد.

التلفزيون مثل سكين حاد يمكن الاستفادة النافعة منه ويمكن أن يساء استخدامه فيكون مضراً، فإنّه يوجب تنمية معرفة وإدراك العالم، وهو يساعد الأطفال أيضاً في التعليم والتسلية كما أنّه مصدر للهو والمتعة، وهو يشجع ويقوي في الأطفال الرغبة في النشاط المبدع الفردي والجماعي كما أنّه يقوم بدور المرشد الأخلاقي والأيديولوجي إذا أدير التلفزيون من قبل جماعات مؤمنة وإصلاحية.

إلى ذلك، يلعب التلفزيون دوراً عظيم الأهمية في تنشئة الأطفال. إنّ الأهداف التي يصنعها التلفزيون تجعله شريكاً للأسرة والمدرسة والمجتمع ولكن مع ذلك هنالك جوانب سلبية عديدة للتلفزيون، أما الصحفيون والأطباء والمعلمون والمختصون في علم الاجتماع فهم غالباً ما يتخذون موقفاً سلبياً من التلفزيون ويدينونه. نعم، التلفزيون هو من جهة نعمة، لكنها من جهة أخرى يخفي في داخله خطر تشجيع العادات والسجايا السيئة في شخصية الطفل.

 

من سلبيات التلفاز:

للتلفزيون تأثيرات جانبية سلبية على حياة الطفل اليومية نشير إلى بعضها:

1-    تأثير التلفزيون على المدرسة والقراءة: مشاهدة الأطفال للتلفزيون له تأثير سلبي على ذكائهم فكلما زادت مشاهدة الأطفال للتلفزيون انخفض مستوى تحصيلهم الدراسي.

لقد قارنت الدراسات العلمية التي أجراها بعض العلماء الأخصائيين بين تلاميذ الصف السادس الذين جاؤوا من بيوت يبث فيها جهاز التلفزيون باستمرار وبين زملائهم الذين يتم تشغيل التلفزيون في منازلهم لوقت أقل، وحين قورنت درجات القراءة لدى هاتين المجموعتين ظهر اختلاف جدير بالاهتمام. فقد كانت درجات ثلثي تلاميذ البيوت المستمرة سنة واحدة على الأقل تحت مستوى الصف، بينما فاقت درجات ثلثي المجموعة غير المستمرة مستوى الصف، أو أعلى من ذلك.

وفي دراسة ثانية ثبت أنّ الأطفال الذين سمح لهم بمشاهدة التلفزيون يومياً لساعات كثيرة في السنوات السابقة لدخولهم المدارس حصلوا على درجات في القراءة والحساب واختبارات اللغة عند نهاية الصف الأوّل أقل من الأطفال الذين كانت مشاهدتهم التلفزيون قليلة خلال سنوات ما قبل المدرسة.

عندما ننظر إلى طلاب المدرسة نرى أنّ بعض التلاميذ الذين لا يكملون أداء واجباتهم المنزلية ببساطة فإنّ ذلك هو نتيجة المشاهدة التلفزيونية في كثير من الحالات. إنّ المبالغة في مشاهدة البرامج التلفزيونية تؤدي إلى إلهاء الأطفال وصرفهم عن إنجاز وظائفهم المدرسية كما أنّ مشاهدة البرامج التلفزيونية دون أيّة عملية اختيار وانتقاء من شأنها أن تضعف قدرة الطفل على التمييز وأن تضعف تذوقه الجمالي وبالتالي فإنّ التلفزيون يصبح في الواقع قاتلاً للوقت.

وقد تم إثبات تأثير سلبي للتلفزيون على الأطفال الصغار ككل، فإنّ تحت تأثير المشاهدة المفرطة للبرامج التلفزيونية يصبح بعض الأطفال كسالى كما تمت الإشارة إلى الارتباط ما بين الوقت الذي يقضي أمام شاشة التلفزيون وبين عدم التقدم بشكل جيد في المدرسة، وبات واضحاً أنّه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام شاشة التلفزيون كلما زاد خطر تراجعه في التحصيل الدراسي.

2-    الاضطراب النفسي والقلق الروحي: مما لا شكّ فيه أنّ شاشة التلفزيون قادرة على أن تثبت في الطفل أنظمة من المبادئ والنواميس والقيم، حتى برامج الترفيه والتسلية تستطيع بالتدريج ودون أن يشعر الطفل أن تغير موقف الطفل ورؤيته للعالم عن وقع هذا التأثير يصبح أقوى كلما ازداد وتكرر عرض النماذج التلفزيونية والمحرضات والمواقف والأوضاع ذاتها وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحساسية القوية لخيال الأطفال وتصوراتهم يصبح من السهل علينا أن نفهم كيف تتأثر خاصية التخيل والتصور هذه بالبرامج التلفزيونية التي تقدم بأشكال درامية وتوجه مباشرة إلى الطفل وهذا كلّه يوجب أن يعيش الطفل قلقاً روحياً واضطراباً نفسياً عندما يشاهد برامج مثيرة ومناظر عنيفة.

إنّ معظم البرامج التلفزيونية تثير رغبة ولهفة غير عادية للطفل وتجعل الطفل يستجيب لها ويتشابك معها؛ ولذلك إذا لم يكن الطفل مسلحاً عن طريق أبويه وبيئته بقيم ثابتة وراسخة يمكن أن تجابه ما يكرس التلفزيون من برامج غير صالحة بقدر كبير، عند ذلك يصبح سهلاً أن نفهم كيف يقع الطفل في مصيدة التلفزيون.

3-    القضاء على كثير من النشاطات والفعاليات: إنّ التلفزيون يستهلك الوقت المخصص لبعض النشاطات والفعاليات بمعنى أنّه يضيع الوقت الذي يمكن أن يستخدم على نحو أكثر فعالية كما يمنع الأطفال من القيام بنشاطات أكثر فائدة ويرسخ ويثبت في الذهن آراء ووجهات نظر جاهزة وأحادية الجانب فإنّ التلفزيون قد غيَّر محيط الأطفال، ليس فقط عن طريق إشغاله لمعظم وقتهم بل كذلك عن طريق حلوله محل العديد من النشاطات والفعاليات الأخرى، كاللعب "عدم القيام بشيء محدد" إنّ الأوقات التي يقضيها الأطفال في اللعب أو في "عدم القيام بشيء محدد" هي الأوقات التي تنمي كفاءاتهم وتراكم خبرات من التجربة الشخصية المباشرة، إنّهم يستطيعون التفاعل مع محيطهم وهكذا وبطريقة تلقائية وطبيعية يتعلمون من تجاربهم في حياتهم اليومية ولكن التلفزيون يحرم الأطفال من كلِّ ذلك ويمنعهم من الوقت الذي يحتاجونه لمراكمة الخبرات المتنوعة بشكل مباشر ورغم أنّ التلفزيون قام باحتكار وقت الأطفال وأبعدهم عن اللعب والتجارب الأخرى الهامة بالنسبة لنموهم ولتطورهم فإنّه لم يفعل سوى القليل لتحريض ولتشجيع الاهتمامات والرغبات ولتحسين الأذواق ولتوسيع مدى تجربة وخبرة الطفل المشاهد. يؤكد فريق من علماء الاجمتماع على أّن مشاهدة التلفزيون تمنع الأطفال من اللعب، مع أنّ اللعب ضروري وشغل هام لمرحلة الطفولة.

ومن المؤكد أنّ أي نشاط يأخذ من ساعات يقظة الأطفال الثلث أو أكثر لابدّ أن يجوز بشدة على وقت لعبهم. قيل إنّ المشاهدة التلفزيونية تستحوذ بوضوح على مكان الأنشطة الأخرى المشابهة وظيفياً مثل القراءة لكن تقليل المشاهدة التلفزيونية للعب أكثر من القراءة قد تأكد عن طريق تجربة قام خلالها عدد من الباحثين بتقسيم الأطفال إلى فئات طبقاً لاستخدامهم النسبي للتلفزيون والكتب وقد اكتشف الباحثون أنّ الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لفتراتٍ قليلة لكنهم يقرؤون كتباً كثيرة حققوا مستوى من اللعب اليومي أعلى من الأطفال الذين شاهدوا التلفزيون بغزارة وقرؤوا كتباً قليلة.. معنى ذلك أنّ القراءة لا تقلل وقت اللعب عند الأطفال بصورة مهمة بينما تفعل المشاهدة التلفزيونية ذلك.

4-    تقليص العلاقة بين الطفل والأسرة: إنّ الطفل بحاجة إلى التفاعل المباشر مع والديه وأخواته بحيث يجلسون، ويتحدثون، ويلعبون معاً ولكن التلفزيون يجذب انتباه الجميع إلى نفسه فبدلاً من أن ينظر الأطفال بعضهم إلى بعض ينظرون إلى جهاز التلفزيون وعندما يبكي طفل أو يريد أن يتكلم بشيء يقوم الآخرون بإسكاته فوراً ربما بعنف وذلك لأنّهم يريدون متابعة مشاهدة التلفزيون وهذا كلّه يؤثر سلباً على تلك العلاقة الودية التي يحتاجها الطفل في الأسرة.

5-    العنف: إنّ التلفزيون يربي الأطفال على العنف، فقد كشفت دراسة حديثة عن أنّ الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لأكثر من ساعة في اليوم معرضون لأن يكونوا عنيفين في المستقبل. لذلك يقول البروفسور جونسون: إنّ نتائج دراسته تشير إلى أنّ على الآباء الذين يشعرون بمسؤولية تجاه أبنائهم أن لا يسمحوا لأطفالهم أن يشاهدوا التلفزيون لأكثر من ساعة.

هذا، وقد ظل موضوع العنف على شاشة التلفزيون وتأثيراته المحتملة على الأطفال موضع خلاف في الرأي لفترة طويلة وقد أجريت دراسات في هذا الموضع بناء على طلب الكونغرس الأمريكي في الأعوام 1954 – 1977 وحينما نشر تقرير إدارة الصحة العامة عن (التلفزيون والسلوك الاجتماعي) خصصت أربعة من مجلداته الخمسة للدراسات التي تناولت تأثيرات مشاهدة برامج التلفزيونية.

ولهذا الاهتمام الشديد بتأثيرات العنف في التلفزيون على الأطفال ما يبرره؛ فعدد الأحداث الذين ألقي القبض عليهم لارتكابهم جرائم عنف خطيرة ارتفع بنسبة استناداً إلى أرقام مكتب المباحث الفيدرالي وطبقاً لما جاء في دراسة متميزة أجريت في مركز دراسات علم الإجرام والقانون الجنائي بجامعة بنسلفانيا.

 

المصدر: كتاب الطفل في الإعلام

ارسال التعليق

Top