• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحب الحقيقي عمره قصير

د. فوزية الدريع

الحب الحقيقي عمره قصير

 

أسأل نفسي عن كلِّ الظواهر الجنسية والعاطفية وعن سببها. فعلى سبيل المثال، أسأل: لماذا هذا الجيل جنسي أكثر من كونه رومانسياً؟ ولماذا عمر العلاقة بين الشاب والفتاة أصبح قصيراً؟

أظنّ أنّ شبّان وشابات هذا الزمن فقدوا أمرين مُهمّين: أوّلاً، فقدوا الثقة بالآخر، فلا الرجل يثق بالمرأة ولا المرأة تثق بالرجل، ولطالما سمعتُ بنات وهنّ في عز الرومانسية يقلن: "بكره يخون، بكره يتغيّر". وثانياً، جيل شبّان وشابات هذه الأيّام، إيمانه بالإشباع الجنسي السريع يفوق إيمانه بالحب الذي ينضج على نار هادئة. ولأنّ البحث عن الجنس السريع، فالأمر لا يُورث غير القهر والدمار في القيّم والأخلاق والنفسية.

لكن النساء، يعشن برعُب يتلخص في هذا السؤال: ماذا لو أنّ الحب الحقيقي لم يَعُد موجوداً؟ وماذا لو فات قطار الزواج؟ هل أستمتع الآن ثمّ أنتظر حتى يأتي الزوج، يعني ألعب في الوقت الضائع حتى يأتي الرجل الذي أقضي العمر كلّه معه؟ أم أنّ العمر يضيع، والأفضل أن أستمتع بالحياة، ومتى ما جاء الزواج فأهلاً به؟

هذه حيرة حقيقيّة تعيشها المرأة العربية العصرية، التي تريد اختيار الزواج الصح، ولكنها خائفة من أن تبقى بلا علاقة.

بخصوص خوف فشل الزواج ولعبة التأنّي حتى "يأتي النصيب"، أنا أجد أنّ هذا الأمر فيه ذكاء. فعلياً، جيل الرجال الحاليين مشاكله أكثر وهو مستهتر بالزواج، والطلاق شيء سهل لديه. فدراسة الفرص مسألة عقلانية، ولكن المبالغة في التدقيق ليست صحيحة. فمهما تمّت دراسة الرجل المرجوّ الزواج منه، فإنّ الأمر لن يكون كاملاً، ودائماً يتم اكتشاف شيء جديد بعد الزواج. ثانياً، لا يوجد أحد كاملاً، ولِمَنْ تنتظر مُعجزة أسأل: "أنتِ نفسك.. هل أنتِ كاملة؟ ومادام لا يوجد أحد كامل، ومادمتِ أنتِ لست كاملة، فلماذا تُريدين رجلاً كاملاً لك؟".

إنّ سرّ نجاح كلّ زواج في الدنيا، يكمن في عملية التكيُّف وغَضّ النظر عن عيوب الآخر. ومتى ما وصلت المرأة إلى الحكمة والموهبة، استطاعت أن تجد السعادة مع الرجل في كلِّ أحواله.

ولكن هناك نقطة مهمة للبنت العربية التي تستمتع بعلاقات عابرة حتى يأتي، حسب اعتقادها، الحب الحقيقي، وهذا الأمر هو خطورة اللعب بالنار. فالبنت في المجتمعات العربية، رصيدها سُمعتها، والعبَث بعلاقات تخدش هذه السمعة، يخلق نقطة سوداء قد تحرمها فرصها الأخرى.

وهناك نقطة مهمّة جدّاً في مسألة التأجيل، وهي سؤال مهم في كلِّ عمر: مَن تتوقعين أنكِ ستتزوجين؟ فنحنُ لدينا واقع قد يكون مريراً، لكنه واقعنا، وهو أنّ البنت العربية كلما تَقَدّم بها العمر قَلّت فرصها، وأصبح عمر الشاب الذي تتزوجه أكبر. فإن كانت في العشرينات، ففرصة الزواج عندها تكون بشاب في العشرينات أو الثلاثينات، لكنها في الثلاثينات قد لا تجد إلا رجلاً في الأربعينات. وفي الأربعينات لن تجد إلا رجلاً في الخمسينات. وطبعاً، رجال الأربعين أو الخمسين غالباً هم متزوجون، أو سبق لهم الزواج، والأرجح أنّ لديهم أولاداً ومسؤوليات.

التضحية الحقيقية هي أن تتزوجي في عمر العشرين، أو في النصف الثاني من العشرينات. فالمرأة والرجل اللذان يتزوجان في هذه السن، حين يكبران معاً يأخذان وقتاً حتى يفهم أحدهما الآخر، وكذلك يصبحان مع العمر أفضل.

فمادامت تُوجد فرصة جيدة للزواج، أقْبِلِي عليها، فقد لا تأتي الفرصة "الممتازة" التي تحلمين بها. واعلمي أنّه في أحيان كثيرة، التلقائية أفضل بكثير من التخطيط.

ارسال التعليق

Top