الإسلام دين عظيم يربي أبناءه على كل فضيلة ويحذرهم ويربأ بهم عن كل رذيلة، لذلك فهو يسعى لتأسيسهم على منهج الإيمان وخُلق القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم ليعتادوا ذلك إذا كبروا. انظر إلى الصلاة وكيف طالبنا الحبيب (ص) أن نأمر بها أبناءنا وهم أبناء سبع سنوات ونضربهم عليها وهم أبناء عشر سنوات. ليعتادوها ويعلموا أنها شعيرة من أعظم الشعائر، كذلك غيرها من الشعائر كثير. لكن هذا الطفل الذي لم يصل سن التكليف بعد، قد يحصل منه جنوح لسلوك مشين أو إرتكاب لشيء من الجرائم، ولعل من أبرز ذلك السرقة عند الأطفال، فما أسباب ذلك؟ وكيف يكون العلاج في ضوء شريعتنا الغرّاء؟
الدكتور أحمد بن يوسف، الأستاذ بقسم الفقه في كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحدث عن أسباب هذه الظاهرة، فقال:
- إنّ من أسباب الوقوع في هذه الآفة، والولوج في هذه الجريمة، ما يلي:
1- ضعف الوازع الديني لدى بعض الآباء والأُمّهات أو بعض المربين والموجهين، والإعتناء بتربية الطفل تربية مادية والإهمال أو التقصير في الجانب الديني مع أهميته وتقديمه على غيره.
2- انصراف الآباء عن متابعة أولادهم، وإنشغالهم بأمور دنياهم، وتدبير شؤون معاشهم.
3- نشأة الطفل في أسرة مفككة الأوصال، أو مهددة بالإنفصال.. تعصف بها رياح التشرد من كل جانب.
4- فقدان الأب بسبب الموت، أو السجن.. وعدم وجود مَن يحل مكانه في الإنفاق والتوجيه والتربية.
5- الإفراط في تدليل الطفل، وتعويده منذ صغره على تلبية كافة إحتياجاته، وتأمين سائر مستلزماته ومتطلباته، وإعطائه مصروفات مالية تفوق الأب أو الولي بعد ذلك عليه، إنساق وراء السرقة ولجأ إليها، لتغطية ما يشعر به من نقص أو تقصير في النفقة، مما كان قد عُوّد عليه. وقد يبدأ ذلك بسرقة القليل، ثمّ يزداد شيئاً فشيئاً إلى أن يكبر ويعظم ويتسع، فيعتادها، ويتفنن في ضروبها وسبُلها.. ويتعذر عليه الخلاص منها.
6- عدم تلبية إحتياجات الأطفال المعقولة، أو التقصير في الإنفاق عليهم تقصيراً يبلغ إلى حد التقتير والشح والبخل مع يسار المنفق أو العائل وقدرته. فإنّ عدم المبالاة في الإستجابة لمتطلباتهم الضرورية أو الحاجية أو الكمالية المعقولة. أو عدم إعطائهم كفايتهم من المصروفات يظهرهم أمام أقرانهم وأصدقائهم بمرتبة أو منزلة أقل منهم. أو بمظهر مزر غير لائق. فتنتابهم العقد النفسية، وربّما أدى بهم ذلك إلى السرقة أو نحوها، أو الإرتماء في أحضان قرناء السوء، وجلساء الشر والفساد لتغطية نفقاتهم، والتجمّل أمام أصحابهم.
7- الفقر المدقع والجهل، بأن يعيش الطفل في كنف أسرة فقيرة، يسودها الجهل والأمّية ويعتصرها العوز والحاجة والمسكنة، وتعمها البطالة والقصور عن العمل.
- الإرشاد الطلابي وهذه الرؤية:
الأستاذ علي بن صالح المقيطيب، مرشد طلابي في مدرسة الإمام أحمد بن حنبل، يقول:
هناك فرق في السرقة من حيث المفهوم، فمفهوم الطفل مثلاً للسرقة، يرجع إلى ما يسمى بمفهوم حب التملك، فنشاهد أنّ الطفل في المرحلة الإبتدائية في سن السادسة والسابعة والثامنة، في بعض الأحيان ينظر إلى أنّ السرقة هي حب التملك، فلو شاهد مثلاً دفتراً أعجبه شكله، نشاهد أنّ هذا الطفل يحاول الحصول على هذا الدفتر من زميله بأي طريقة من الطرق، طبعاً هو لا يعي ما يُسمى بـ"السرقة"، إنما أعجبه هذا الشيء فقام بعملية السرقة بالمفهوم العام، لكن الأمر بالنسبة لهذا الطفل هو ما يسمى بـ "حب التملك"، كما أوضح ذلك علماء النفس وعلماء الإجتماع، لكن إذا تطورت هذه الإشكالية وتواصلت مع الطفل سنة بعد سنة، حتى يصل مرحلة المراهقة (ونعرف أنّ الفرد في هذه المرحلة يحب الخروج على التعليمات، ويحب أيضاً التسلط على بعض الأشياء)، فنشاهد أنّ السرقة تعتبر في مفهومها المتعارف عليه في هذه المرحلة أشد من مرحلة الطفولة السابقة، ويرجع ذلك إلى إحتياج الفرد إلى بعض الأشياء، فنشاهد أحياناً أنّ الطالب يقوم بسرقات عادية مثل سرقة ساندويتش أو سرقة مبلغ معيّن من زميله، وفي بعض الأحيان يكون المبلغ بسيطاً، كريال أو ريالين، فهذه الأشياء قد تتطور في ما بعد وتُخرج لنا أشخاصاً مجرمين أو يدخلون في تنظيمات عصابية، هذه الأشياء يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار من حيث المدرسة والتنشئة الاجتماعية والوسائل المساعدة على القضاء على هذه الظاهرة.
كما أنّ هناك ما يسمى بـ"الإحتياج"، والإحتياج مهم للطالب، فلو روعي في المدرسة الطلاب الذين يواجهون بعض الظروف المالية الصعبة عندما نسأل هذا الطالب عن ظروفه المادية، فتجد أنها صعبة جدّاً، فيحاول بعملية السرقة أن يساير زملاءه الآخرين، من حيث الإنفاق على نفسه، ونعلم أنّ الشخص في مرحلة المراهقة يريد أن يلبس أفضل الملابس، يريد أن يساير زملاءه مسايرة حقيقية، كما أنّ هناك تأثير إما وسائل الإعلام أو الأفراد أو الأقران الذين هم جماعة الرفاق.
- خط الدفاع الأوّل:
الأستاذ الدكتور إبراهيم مبارك الجوير، أستاذ علم الإجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يقول:
السرقة عند الأطفال تتعلق بالتنشئة الإجتماعية البشرية في الدرجة الأولى، فأين الأسرة، وأين وجودها، فعندما يقدم هذا الطفل على مثل هذا الأمر، لابدّ أن يكون للأسرة أثر كبير جدّاً في تنشئته وفي بنائه النفسي والاجتماعي والعاطفي والعقلي، حتى يكون لديه الوازع الإيماني والوازع الخُلقي والحياء، لأنّ الحياء شعبة من شعب الإيمان، فلابدّ أن يُربى الطفل على الحياء. والذي لديه حياء لا يمكن أن يُقدم على مثل هذا الأمر، فالتنشئة الاجتماعية والأسرية مهمة، وهي خط الدفاع الأوّل لصد كل الآثام والشرور التي يمكن أن تحيط بالفرد، ثمّ لابدّ أيضاً من التنشئة الاجتماعية الثانية التي تقوم بها المدرسة، فالأسرة عليها مسؤولية ومسؤولية كبيرة، لكن أيضاً ندرك أنّ المدرسة بما تعطي هذا النشء من قيم وخُلق وتعاليم ومبادئ، ليست فقط مؤسسة تقوم بالتعليم، إنما هي مؤسسة تقوم بالتعليم والتربية، وليس التعليم فقط، وأيضاً تقوم بعملية الممارسة، ممارسة الخُلق والتربية في وسط مجموعة.
التنشئة الاجتماعية الثالثة، وهي التي يقوم بها المجتمع بجيرانه، بمسجده، بمحيطه، بوسائل الضبط الاجتماعي من الشرطة والبيئة والحي والإخوة والزملاء والأقارب وأجهزة الإعلام المختلفة. وهذه الأخيرة – أعني أجهزة الإعلام – قد يكون لها تأثير إيجابي قوي في عملية التوجيه والتنشئة، وقد يكون لها أيضاً عملية سلبية في أنّها ترى الأطفال مجموعة من القيم والصور الخادعة.
لكن ينبغي أن نلاحظ أهم عامل في عملية سلوك الأطفال، هو عامل قرناء السوء، فقرناء السوء هم أخطر عامل وأكثر عامل له تأثير في الأطفال، لأنّ الطفل لا يفكر بعقلانية، إنّما يمارس مع أقرانه السلوك بتلقائية وبتقليد عفوي، فمسألة العناية بهؤلاء الأقران ومتابعتهم وتحصينهم، هو أمر في غاية الأهمية وفي غاية الضرورة حتى نُعنى بمثل هؤلاء النشء، ينبغي أن نلاحظ أنّ أسلوب التربية الذي يوجه لهؤلاء الأطفال، هو على درجة كبيرة من الأهمية في هذا الأمر، فلا الدلال والتدليل الزائد، ولا القسوة، يؤدي إلى نتيجة فاصلة في هذا الأمر.
- الحد الشرعي:
في بعض الأحيان يمكن ألا يقام الحد الشرعي لعدم إكتمال شروط إقامته، لكن يكون هناك عقاب معين غير العقاب البدني، خاصة في بعض المراحل الدراسية، حتى يجد الشخص أنّ هذا السلوك الذي يقوم به، وهو السرقة، مناف للدين الإسلامي، وأنّه أيضاً ينافي التعليمات الموجودة المقررة من قِبَل الدولة، وحتى في بعض الأحيان النظام والتعليمات الموجودة في المدرسة، لكن المشاهَد في بعض الأحيان يُهمل هذا الجانب.
· العلاج:
حول علاج هذه الظاهرة يقول الدكتور أحمد الدريويش:
لعلاج هذه الظاهرة وغيرها من صور الإنحراف لدى الأطفال، علينا أن نسلك في تربيتنا لأولادنا الآتي:
1- مراقبة الأطفال، والتعرف بإستمرار على أحوالهم، ومحاولة علاج أي إنحراف قد يظهر على سلوكهم منذ البداية، فالإصلاح ما دام في بدايته سهل بخلاف ما إذا استشرى الإنحراف وتمكن، فإنّه يصعب علاجه.
2- الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة من قِبَل الآباء والأُمّهات والمربين لأطفالهم، ليتأسوا بهم. فعين الولد منذ الصغر مسلطة على والديه، يراقب حركاتهما، ويرصد تصرفاتهما، لاسيما الأب.. فالولد سرّ أبيه، والبنت سرّ أُمّها، كما يُقال.
3- إختيار الجلساء الصالحين، ومرافقة أهل الفضل والصلاح، وذوي الإستقامة في سلوكهم وتوجههم.
4- إشغال الطفل بتعلم كتاب الله الكريم تلاوة وحفظاً بما يتناسب وسنّه وقدرته على التلاوة والحفظ.
5- الإعتناء بتربية الطفل تربية شاملة روحية وعقلية وبدنية واجتماعية، وعدم طغيان جانب على جانب آخر.
6- غرس مبادئ الدين الحنيف، والمعتقد الحق القويم في نفس الطفل، وتعويده أمور الحلال والحرام منذ الصغر بالطريقة المناسبة لسنه الزمني، والمتفقة وملكاته وقدراته، وبالأسلوب الأمثل الحكيم الذي يتناسب وطريقة إستيعابه وإدراكه ترغيباً وترهيباً.
7- تعويده على الأمانة والصدق في القول والعمل والإعتماد على النفس. وإطلاعه على نماذج تطبيقية في ذلك من سيرة المصطفى (ص).
8- إلتزام جانب الموعظة الحسنة، والتوجيه السديد، والمنهج القويم، والمنطق الإقناعي الرصين الهادف إلى تربيته وتعليمه، وأمره ونهيه.
9- تعويده على القراءة والمطالعة والإنشغال بالعلم، لاسيما العلم الشرعي، وما يحتاج إليه من علوم الدنيا المعيّنة، إذ القراءة مفتاح المعرفة، ووسيلة الإتصال.
10- الكشف عن مواهبه وميوله وقدراته وملكاتها وتنميتها وتوجيهه على ضوء ذلك الوجهة السليمة بما لا يتعارض معها.
11- سلوك طريق الإعتدال في الإنفاق على الذرية والأولاد من غير إفراط وتفريط، أو بذخ أو تقتير، أو تبذير أو إسراف، بل توسط وإعتدال، إمتثالاً لقوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (الإسراء/ 29)، وقوله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).
ارسال التعليق