عجز القلب كناية عن عدم قدرته على أداء وظيفته كـ"مضخة" دم أداءً تاماً. والحالة تصيب أطفالاً من الجنسين، بخطورة متفاوتة، تتوقف على أسباب الاضطراب المؤدي إلى العجز. لكن، تطال بعض أنواع العجز القلبي الذكور أكثر من البنات، كتضيق الشريان الأبهر، وتعاكس الأوعية الكبرى. في المقابل، ثمّة أنواع أخرى تصيب الإناث أكثر، كاختلال آلية دفق الدم بين البطينين والأذينين.
والعجز القلبي من أهم اضطرابات القلب الخلقية، المسجلة لدى تلك النسبة الضئيلة من المولودين الخلقية، المسجلة لدى تلك النسبة الضئيلة من المولودين الجدد. يولد 8 أطفال من بين 1000 حاملين تشوهات خلقية وراثية في القلب أو الشرايين، أو إحدى وظائفهما، ما يؤدي إلى اضطراب آليتها، بدرجة خطورة متباينة. لكن، تكمن المعضلة في صعوبة تشخيص العجز القلبي. إذ غالباً ما يُخلط بينه وبين حالات أخرى، كالتهاب المجاري التنفسية، والاضطراب العصبي، وأحياناً حتى مجرد الاضطراب الهضمي.
عسر التنفس:
في أي حال، أياً كان التشوه الخلقي الموروث، قد تفضي بعض الحالات إلى عجز القلب. وهي حالة تخص نسبة معينة من بين الـ0.8 في المئة من الصغار المذكورين، المصابين بتشوهات خلقية تطال القلب أو الشرايين، أو كليهما. وقد تكون أعراض اضطراب القلب عند الوليد الجديد مباغتة وفورية، بالتالي واضحة بشكل لا يقبل الشك منذ البداية، وقد تكون تدريجية.
ويتمثل القاسم المشترك لحالات العجز القلبي كلها في عسر التنفس (أو الـ"بُهر" والـ"زُلّة"). وهو الإشارة الأكثر وضوحاً إلى وجود عجز قلبي. في البداية، غالباً ما يكون عسر التنفس متقطعاً، لا يحصل إلا في أوقات معينة، لاسيما أثناء إرضاع الطفل، أو تناوله الحليب بقنينة الرضاعة. ففي تلك الأوقات، يجد صعوبة في شفط الحليب، ويتعب بسرعة. إلى ذلك، يُكثر من التقيؤ. لكن، ينبغي التحذير من أن كثرة التقيؤ، وهي حالة شائعة، لا تشكل بالضرورة إحدى علامات عسر التنفس، إنما تنجم في معظم الأحيان عن اضطراب هضمي، نظراً إلى عدم اكتمال نمو الأنبوب الهضمي للطفل. لذا، لا ينبغي القلق أكثر من اللزوم في حال تقيؤ الوليد الجديد، طبعاً إلا إذا كان التقيؤ مصحوباً بأعراض تذكر بالعجز القلبي، مثلما سنراها. وبسرعة، ينتقل الطفل من حالة عسر التنفس إلى حالة تسارع وتيرة التنفس، بحيث يصل إلى 70 حركة تنفسية في الدقيقة.
انتفاخ الكبد:
واللافت أن تسارع التنفس غير ظاهر، إذ لا يؤدي إلى الشد على الأضلاع، ولا اهتزاز أرنبتي الأنف، ولا أي من علامات عسر التنفس المعهودة. ويخف تسارع التنفس عندما يكون الطفل في وضع عمودي، ويتفاقم حين ينام أو يحمل أفقياً. أما الـ"ازراق"، أو الـ"ازرقاق" (احتقان الدم)، فعلى العموم طفيف جدّاً في تلك المرحلة من العمر. ولرؤيته بوضوح، ينبغي تعريض الطفل لضوء النهار. على العكس منه، الشحوب واضح بجلاء على أطراف الوجه والشفتين واللسان. إلى ذلك، ما قد يثير انتباه والدي الرضيع، معاناة الأخير اضطرابات عصبية، مردّها قلة ورود الأكسجين إلى الدماغ. ومنها القلق، والتحرك بشكل عصبي وأحياناً إصابة الطفل بشرود مشابه لفقدان الوعي المؤقت. وفي بعض الحالات، يكح الطفل كحة خفيفة جدّاً، ما قد يوهم الطبيب، فيظن الأمر مجرد سعال ديكي غير خطير. فإن لاحظ الوالدان تلك العلامات، أو بعضها، لاسييّما لو كانت مصحوبة ببكاء الطفل، ينبغي فحصه حالاً في المستشفى. وعلى الأكثر، يكشف الفحص حالة خفقان قلب، من 160 إلى 200 نبضة في الدقيقة، وأحياناً استسقاءً موضعياً رئوياً.
كما ينتفخ الكبد، ما يؤدي إلى آلام بسبب ملامسته شبكة الأضلاع. ومع تضخم الكبد، هناك حالات تضخم الطحال أيضاً، فضلاً عن تمدد الأوردة في الأطراف. وعموماً، جراء الاستسقاء الموضعي (أو الـ"وذمة") في الرئتين، هناك دائماً حالة "تربّل" رئوي، أو "ارتشاح مصلي في الأنسجة الرخوة". لكن من الصعب تقدير شدتها مع طفل حديث الولادة أو رضيع. إلى ذلك، تتيح الأشعة السينية للقفص الصدري حساب حجم القلب بالقياس إلى القفص الصدري. وذلك يعني، طبياً، أخذ صورة القلب في أشد حالات توسعه، وحساب أبعاده بالقياس إلى صورة القفص الصدري في أعلى درجات تمدده. في الأحوال الاعتيادية، ينبغي أن يمثل عرض القلب 50 إلى 55 في المئة من عرض القفص الصدري الإجمالي. وفي حال تجاوز 60 في المئة، فذلك مؤشر أكيد إلى وجود تضخم في القلب.
عوامل متشعبة:
تشكل التشوهات الخلقية الموروثة العامل الأوّل لعجز قلب الطفل. لكن، ثمة أسباب أخرى، قد تنجم مباشرة عن التشوه الخلقي في حد ذاته، وقد تظهر بشكل مستقل عن أي تشوه خلقي، لاسيما خلال الأشهر الـ6 الأولى من عمر الطفل. ومنها:
1- تضخم البطين الأيسر، ما يمثل الحالة الأكثر خطورة.
2- الـ"قلاب" (التهاب عضلة القلب).
3- خفقان القلب الشديد الـ"فوق بطيني" (أكثر من 200 نبضة في الدقيقة). وهو ينجم عن اضطراب الدورة الكهربائية في جزء من الأنسجة العقدية في البطينين، بينما تظل طبيعية في الأقسام المجاورة، ما يسبب تخلخل التوازن بشكل لافت. ويظهر هذا الداء بنسبة 35 في المئة خلال الأسابيع الـ3 الأولى من عمر الوليد، و60 في المئة خلال الأشهر الـ4 الأولى. وعلى العموم، يمكن شفاء خفقان القلب الشديد "فوق البطيني"، ببساطة لأنّه يصيب قلباً سليماً، غير مصاب بتشوه خلقي. فمرد الداء "كهربائي"، غير متأتٍّ من الوضع العضلي للقلب أو الشرايين. ويقوم العلاج على حقن مركب "ستريادين" في الوريد، ثمّ "ديغوكسين"، ومتابعة علاج خاص، بالحبوب، لمدة 12 شهراً.
4- "داء بومب" (Pompe "قصور تخزين الغليكوجين من الفئة الثانية"). وهو قصور جيني موروث، نادر للغاية إنما بالغ الخطورة (غالباً ما يفضي إلى الوفاة في سنة العمر الأولى). وينجم عنه اضطراب عمل عضلة القلب، مصحوباً على الأكثر بتضخيم الطحال.
5- هناك حالات عجز قلبي تجرّ إليها أمراضاً لا تخص القلب نفسه، ولا علاقة لها بأي تشوه خلقي موروث، مثلاً فقر الدم، أو إصابة أوردة الجمجمة بـ"ناسور" (نوع من القرحة). حتى ارتفاع ضغط الدم، وأحياناً التسمم بفيتامين "دي" أو نقص الكالسيوم، أو قصور تمثيله، يمكن أن تشكل عوامل عجز قلبي عند الوليد الجديد.
لذا، نظراً إلى تعدد أسباب العجز القلبي عند الرضيع، سواء أكانت متعلقة أم لا بتشوهات خلقية موروثة في القلب والشرايين، يدرس الطبيب كل حالة بشكل معمق، لتحديد أصل العلة. وتلك خطوة لابدّ منها لتحديد العلاج، الذي غالباً ما يستند إلى عقاقير خاصة، أولاً عبر حقنها في الوريد، ثمّ تناولها عن طريق الفم.
وفيات مرتفعة:
يؤكد أطباء الأطفال والقلب أنّهم مرغمون على الاعتراف بأن نسبة الوفيات، في ما يخص حالات العجز القلبي عند الرضع، تظل مرتفعة إذا كانت ناجمة عن تشوهات خلقية قلبية موروثة، بمعنى يولد الطفل معها. على الرغم من ذلك، أتاح تطوير التقنيات العلاجية، في السنوات الأخيرة، خفض نسبة الوفيات بشكل مذهل بين الوليدين المبتلين بعجز قلبي. إلى ذلك، ينبغي معرفة أنّ العجز القلبي الناجم عن اختلال في الدورة الكهربائية (مثلما هو مشروح في المقال)، أو أي أسباب ميكانيكية أو كهربائية أخرى، بات سهل العلاج، بنسبة نجاح عالية. لكن، يتعين على والدي الطفل توخي بالغ الحذر طوال مدة العلاج المنزلي. فتجاوز الجرعات الموصوفة قد يؤدي إلى تسميم الطفل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق