• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العنف الزوجي.. ملاحظات

د. حسان المالح

العنف الزوجي.. ملاحظات
    يبدو أنّ العلاقات الزوجية لا تقوم على العطاء والحبّ والتبادل والعيش المشترك والسلوك التعاوني فقط. ففي العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة ملامح متنوعة من السلوك العدواني ومن العنف تختلف في درجتها وشدتها وتكرارها.. وأيضاً في آثارها من علاقة لأخرى ووفقاً للظروف والبيئة والمحيط والثقافة التي تعيش فيها هذه العلاقة.

وتتعدد أشكال العنف ودرجاته بين الزوجين.. وأخف هذه الأشكال تقطيب الحاجبين وعدم الاستحسان لكلمة أو فعل من الزوج أو الزوجة تجاه شريكته أو شريكها.. والمخالفة في الرأي حول موضوع معيّن.. والتهكم والممازحة الثقيلة.. والتأجيل والتسويف والمماطلة لفعل ما يطلبه الشريك الزوجي أو يرغب فيه.. وأيضاً النسيان وعدم الانتباه لما يرضي الشريك.. وكلّ ذلك من السلوكيات اليومية المقبولة عموماً والتي تزعج الطرف الآخر وتثير غضبه أو انزعاجه.. ويجري تدارك نتائج ذلك بشكل أو بآخر مثل الاعتذار أو اعتبار ما حدث من قبيل سوء التفاهم أو المزاح والدعابة، وغيره مما يمكن له أن يعدل من نتائج السلوك العدواني مثل تقديم هدية أو تحضير عشاء لذيذ وغير ذلك..

والدرجات الأعلى من العنف تشمل الصمت وعدم النظر للشريك والغياب المتكرر عن المنزل والهجر الجنسي وغير ذلك..

وأشكال العنف الزوجي الأكثر شدة تتضمن رفع الصوت واشتداد حدته.. ثمّ السخرية والتعبير والسباب والشتائم.. وهي جميعها أشكال من السلوك العدواني والأذى يقوم به أحد الطرفين ويستدعي الدفاع أو الهجوم المعاكس من الطرف الآخر..

والعنف الجسدي يعتبر أشد درجات العنف.. وهو خطر ويشمل البصق والقرص والعض وغرز الأظافر في جسد الآخر، والصفع والدفع وتوجيه الضربات واللكمات بالأيدي والأرجل، ورمي وقذف أشياء مختلفة تجاه الآخر، والتهديد باستعمال الأدوات الحادة وغير الحادة أو استعمالها، ومحاولات الخنق والقتل وغير ذلك..

ويحدث ذلك في عديد من العلاقات الزوجية.. ويمكن أن يكون عابراً ونادراً.. ويمكن أن يكون متكرراً ومستمراً.. وبالطبع فإنّ الرجل هو الذي يقوم بهذه السلوكيات العدوانية الخطيرة في الغالب وفي بعض الحالات يمكن للمرأة أن تقوم بها..

والسلوكيات العدوانية الخطيرة يمكن أن تؤدي إلى الأذى الجسمي أو الموت دون قصد أو عمد وفي حال ظهورها لابدّ من معالجتها والسعي الجاد لمنعها.

وفي المراحل الأولى من الزواج لابدّ من استشارة الأهل وإخبارهم بما حدث.. لأنّ المرأة تحتاج للحماية في مثل هذه الأحوال.. ويمكن للجيران أن يتدخلوا لمنع تفاقم العنف وإنقاذ المعتدى عليها.. ومن المطلوب وضع خطة واضحة تؤكد على رفض مثل هذا العنف وعدم قبوله.. وإلا فإنّ الحياة الزوجية تصبح مستحيلة ويفضل الطلاق عندها.. وفي مراحل الزواج الأخرى المتقدمة لابدّ من السعي إلى حماية المرأة واستدعاء الشرطة في بعض الأحيان إضافة لاستدعاء الأهل أو المعلوف أو الجيران، ولابدّ من وضع خطة واضحة على مراحل لتأهيل الزوج ومساعدته على ضبط نفسه من خلال الأهل والاختصاصيين بما فيهم رجال القانون والاختصاصين النفسيين.

والنصائح الفورية في حالات العنف أن تحاول المرأة التخفيف من الاستفزاز وتعديل الإشارات والألفاظ التي تظهر منها والتي تؤدي إلى تفاقم العنف عادة.. مثل إظهار الخضوع بدلاً من التحدي والتمرد ورفع الصوت والرأس، وأيضاً الابتعاد المكاني وعدم البقاء في نفس المساحة المكانية. كما أنّ التوضيح للرجل بضرورة التوقف عن الشجار وتأجيل مناقشة موضوع ما إلى وقت آخر أكثر هدوءاً يمكن أن يفيد في تخفيف العنف وكذلك التذكير بضبط النفس والتعوذ من الشيطان وغير ذلك مما يهدئ النفس والغضب..

ولابدّ من الإشارة إلى أنّ السلوك العدواني العنيف له أسباب متنوعة.. وتختلف أساليب التعامل مع المشكلة وفقاً لأسبابها.. وكثيراً ما يكون العنف بسبب وجود صفات الشخصية الاندفاعية لدى الشخص العنيف والتي تجعله يفقد السيطرة على أعصابه بسهولة.. وبالطبع فإنّ استعمال بعض المواد الإدمانية له دور كبير في حدوث العنف. وفي حالات الشك المرضي الناتجة عن مرض نفسي يزداد العنف ويمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة. كما أنّ صفات الشخصية العدوانية المضادة للمجتمع والتي تقوم بسلسلة من التصرفات المعادية للمجتمع مثل السرقة والغش والاحتيال وغير ذلك.. تزداد لديها السلوكيات العدوانية في العلاقة الزوجية. ويمكن للعنف الزوجي أن ينتقل بالتعلم من أسرة الزوج وأبيه إلى أسرته هو وزوجته. كما أنّ ضرب الزوجة لا يزال عرفاً شائعاً ومقبولاً في بعض البيئات الريفية الجاهلة..

وأخيراً.. لابدّ من التأكيد على أنّ الزوجة يمكن لها أن تساهم باستمرار العنف الزوجي أو تطوره نحو الأسوأ.. وذلك من خلال صمتها وخوفها من فضح زوجها.. حيث يؤدي ذلك إلى التخفيف من نشوء الضوابط الرادعة للزوج ويجعله أكثر انفلاتاً وعنفاً.. ولابدّ أيضاً من التأكيد على أنّ الوقاية خير من العلاج من خلال تعميق أساليب التفاهم والحوار البنّاء بين الزوجين بمختلف الطرق.. وأيضاً التأكيد على جوانب الحب والمودة والرحمة وحل المشكلات باستمرار وعدم تأجيلها..

وتبقى العلاقة الزوجية لغزاً صعباً ومحيراً تحتاج إلى مختلف الجهود لدعمها والتخفيف من مشكلاتها..

 

المصدر: كتاب حياتنا النفسية/ دليلك إلى الثقافة النفسية الشاملة لكلِّ القرّاء والاختصاصيّين

ارسال التعليق

Top