• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هذا الذي أحتاجه

د. فوزية الدريع

هذا الذي أحتاجه
  تُخبرني: "أعطاني الحب، الفهم، المودّة والسّتر، وعلّمني أموراً كثيرة رائعة في حياتي وأنا على يقين من أنّه مُخلص. ولكن، مع أنّه أعطاني كلّ شيء، لم يعطِني ما أحتاج إليه، وهو الزواج. هو يتهرّب من الأمر، لا يُريد المواجهة".

تلك كانت شكوى إحدى النساء في عيادتي. ولكن هذه الحالة، لطالما سمعتها، وأعرف أنها تتكرر كثيراً.

لماذا لا يُريد بعض الرجال الزواج، رغم الحب؟

كثير من شباب هذه الأيّام لديهم هوَس الحرية، ويرون أنّ الزواج "مقبرة الحرية" ربّما في زماننا كنّا نسمّي الزواج "القفص الذهبي"، ونراها تسمية إيجابية. في هذا الجيل، القفص هو سجن مَمْقوت، والشاب يهرب من الزواج حتى لو كان فعلياً يحب البنت. نعم، إحساس فقدان الحرية يأتي بدرجة أساسية.

مفهوم الذات عامل آخر. إنّ شباب هذه الأيّام مفهوم الذات عندهم مُغالى فيه، حتى إنّهم يصلون إلى النرجسية، بمعنى حب الذات إلى درجة عدم القدرة على تحمّل أيّ تخلٍّ عمّا يسعد ويريح هذه الذات، وحمايتها من ذلك بعدم التواجد مع أيّ إنسان يُريد استقطاب انتباه الشاب إلى غير ذاته.

شباب هذه الأيّام خائفون من الفشل، وأمامهم حالات كثيرة لشباب فشلوا في زيجاتهم. والرجل حساباته تختلف عن حسابات المرأة. فهو لا يريد الفشل ويراه مؤلماً. ومثله مثل أيّ فشل، يوضع في ملفّه، ويُحسب عليه، ما يؤلمه ويجعله يشعر بالنقص.

شباب هذه الأيام الجنس متوافر عندهم. نعم، الجنس متوافر. بالتالي، فالحرمان والدافع الجنسي لم يعودا سبباً رئيسياً في الزواج. وبكلِّ أسف، فهناك مفاهيم أخلاقية كثيرة تُسهم في هذه الحالة، مثل وفرة البنات اللاتي يُعانين تسيُّباً أخلاقياً، وكذلك توافر إمكانية السفر، وتحليلات جانبية كثيرة حديثة للزيجات المؤقتة، مثل زواج المسيار، والمصياف وغير ذلك من تسميات تجعل الجنس مُتاحاً وبإحساس ذنب أقل.

معظم شباب هذه الأيّام هم أطفال من الداخل، لا يزالون يريدون اللعب والعبث والاكتشاف، ولا يزالون فعلياً يلهون بألعاب الكمبيوتر وغيرها. لذلك، فهناك في داخلهم رسالة واضحة: "كيف أكون طفلاً ويكون لديّ أطفال؟".

شاب هذه الأيام قد يبدو قوياً، واثقاً، جريئاً، لكنه في الحقيقة خائف ومرتبك، يعيش رُعب الفشل، خياله ليس مشحوناً بلعبة "المشكلة والحل" مثل السابق، بل هو يجد نفسه غير كفؤ لأن يحل مشاكل الحياة، وإن أظهر عكس ذلك.

شباب هذه الأيّام يرى الحياة مُتعة. وهو يرى الزواج حكاية مُملة. لذا، هو يُريد التلذذ بمُتع الحياة، من سفر ولبس وحضور حفلات.

شباب هذه الأيّام مُوَلعٌ بالوظيفة والإنجاز والمال. ولقد قمت بسؤال عدد كبير من الشباب حول الأولويات، وكانت النتيجة أنّ الوظيفة هي رقم (1)، والزواج رقم (3) بعد السفر والهواية.

شباب هذه الأيّام يرى في أصدقائه امتداداً لذاته أكثر من السابق. لقد أصبحت شلّة الأصدقاء هي العائلة الثانية، وربما عند البعض هي العائلة الأولى والأهم. فلطالما سمعت شباباً يقولون: "أصدقائي يفهمونني أكثر من أهلي". وهذا أمر طبيعي معتاد مع حالة الاغتراب بين الأجيال.

- ولعل السؤال الأهم هو: ما الحل؟ والإجابة أنّ الحل ليس مستحيلاً ولكنه ليس سهلاً. فهو من نقاط عديدة مُهمّة، ومنها:

* حملة ذكية (شخصياً أفكر فيها منذ زمن) لجعل الزواج موضة، والأبوة موضة، والمسؤولية موضة، والمشاركة موضة. نعم، نحن في حاجة إلى إعادة تسويق الزواج بشكل أصح.

* زيادة "ثقافة الحلال". نعم، الحرام والزنى أصبحا موضة، ومقاومتهما لا تأتي فقط بالترهيب، بل بتقديم العفّة كحل جيد.

* إعادة التفكير في علاقتنا كأهل بأبنائنا، وتقديم أنفسنا لهم كنموذج زواج جيِّد وصحّي، يفتح أنفسهم على الزواج.

ارسال التعليق

Top