والغيرة في بعض الأحيان يكون سببها الشعور بالقلق خشية الحرمان من عطاء الآخرين وحبّهم للفرد.
وهناك عدّة أنواع من الغيرة: - غيرة الإستحواذ: تعزى هذه الغيرة إلى مراحل الطفولة، وخاصة إلى خوف الطفل من أن يحظى غيره بعطف أُمّه وحنانها، ويعتبرون المولود الجديد بإعتباره شريكاً لهم في محبة الآباء. - غيرة الكتمان: وتعزي شكوك الغيور وريبته أحياناً إلى رسوخ عدم الثقة في النفس، إذ إنّ معظم الغيورين من الناس يعانون مثل هذا الشعور بالضعة وعدم الثقة في أعماقهم، هذا بالرغم مما يحاولونه من تمويه في هذا الصدد بالتظاهر بالكبرياء الجوفاء والأنانية البالغة. وقد يدفع بهم حرصهم على كتمان سرّهم إلى الغيرة الشديدة التي قد تبلغ حدّ العنف والعدوان، وباعثهم على هذا الرغبة في الهجوم كوسيلة للدفاع والحرص على اكتشاف مواطن الضعف في الغير قبل أن يكتشف الغير مواطن الضعة والحقارة فيهم. - الغيرة المرضية: يجنح المصاب بهذا المرض إلى الإشتباه وإساءة الظن في كل ما يصادفه من ألفاظ العطف وبوادره، يكاد يعتبر الناس جميعاً بمثابة أعداء له، على أنّه يحرص على إخفاء شعوره بالعدوان تحت ستار من اللطف والحياد السلبي في المعاملة، هذا إذا لم يكن من النوع العنيف الذي لا يتردد صاحبه في إتهام الآخرين جميعاً بأنّهم يتربّصون به الدوائر. والمبدأ الذي يفترضه المصابون بهذا المرض هو أنّ الناس جميعاً مذنبون حتى تثبت براءتهم.. ولكنهم يأبون الإعتراف بأنّهم قد يكون في إفتراضهم هذا المبدأ مخطئين. وسرعان ما يثيرون الخلاف الشخصي فيهم وبين الآخرين لدى عثورهم على أبسط بوادر الإختلاف في الرأي معهم. فإذا لم يكن الآخر من محبِّيه ومؤيِّديه، اعتبره من خصومه وأعدائه اللدودين. - ماهية الغيرة: نستطيع القول بأنّ مشاعر الغيرة مشاعر طبيعية مألوفة في الأصحاء، ما لم تصبح أسلوباً راسخاً في الحياة وطريقة ثابتة في التعامل، حينئذ تصبح غيرة تنم عن الشذوذ والإنحراف أو عن مرضٍ ما. - معالجة الغيرة: لا جدال في أنّ الغيرة تزداد قوّة وتفاقماً بالسكوت عليها وعدم الجهر بها.. فمثلاً أنت، أيّتها الزوجة، لِمَ لا تناقشين زوجك في أمر هذه الغيرة إذا بانت مشكلة من مشاكل حياتك الزوجية؟ قد تكونين أنت السبب في إحجام زوجك عن مصارحتك بالحقيقة، إذا لم يكن لغيرتك أساس حقيقي أو مبرر؟ وأنت أيّها الزوج، هل أنت من أولئك الرجال الذين يتهكّمون على زوجاتهم إذا ما رغبن في محادثتهم عمّا يشعرن به من الغيرة، حتى لو كانت تلك المشاعر وهمية؟ إنّ أوّل ما يجدر بالغيور فعله، في سبيل الخلاص من غيرته، هو الإعلان عن شكوكه الخفية والإعراب عن ريبته بصراحة يستطيع بعد ذلك التأمل والتفكير فيما إذا كانت بواعث غيرته بوادر فعلية في تصرفات زوجته أو اكنت من نبع خيالهز ومن ثمّ يستطيع إستعراض تلك البوادر، إذا ثبت له وجودها أصلاً، كما يستطيع التحقيق في مدى اتصال الغيرة بهذه البادرة أو تلك. وعلى الغيور، قبل الدخول في مرحلة التحقيق هذه، أن يتثبت من أن معاملة زوجته للأطفال ليست الباعث الدفين على شعوره بالغيرة، وأهم ما في الأمر هو الإلتزام بجانب الجد في الحديث مع الزوج أو الزوجة الغيورة حول موضوع غيرته.
عليه أن يتجنّب التهكُّم واللامبالاة وكل ما من شأنه إثارة الشعور بالحقارة. عليه أيضاً أن يتحاشى تضييق الخناق على الغيور في حديثه معه أو معها وتفادي حمله على الدفاع عن نفسه لمجرد الدفاع عن النفس. وبدلاً من إنتظار مبادرة الغيور إلى المصارحة أو الثورة في هذا الصدد، ينبغي للزوج الآخر الأخذ بزمام المبادرة والعمل على تهيئة الجو على نحو قد يساعد الغيور على الإعتراف بغيرته، لاريب في انّ مثل هذه المجابهة للموضوع دليل على قوة الشخصية في الإنسان، ولاريب في أنّ فيها إمتحاناً لها، فضلاً عن أنّها السبيل المؤكد إلى المزيد من سعادة الزوجين.
المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 141مقالات ذات صلة
ارسال التعليق