الحب: هو التآلف والانسجام بين شخصين، يجعلهما يعيشان كأنهما شخص واحد، وكم تغنَّى به الشعراء ووصفوا لواعجه وتباريحه وكان للحب نصيب في الدراسات النفسية والاجتماعية، وأولاه الطب النفسي مكانة عالية في معالجة بعض الأمراض النفسية والجسمية.
إنّ الحب إكسير الحياة، ولولاه لكانت الحياة جحيماً لا يطاق، وإذا حل البغض محل الحب كثرت العداوات وانتشرت الحروب، وعم العالم الخراب، بينما إذا تمكن الحب في القلوب، ورفرفت السعادة في ربوع العالم، وبنى الإنسان حضارة أساسها الحب والوفاء.
وللحب دور بارز في التربية، لذلك سنبيِّن حاجة الأبناء للحب وأهميته والعوامل التي تشيع الحب بين المربِّي والمربَّى، وبين المعلم والمتعلم.
حاجة الأطفال للحب:
قال المربي عدنان السبيعي: "إنّ الطفل يؤثر أن يُحِبَّ ويُحَبَّ".
وقال تولستوي: "الطفولة فرح بريء... وحاجة لا متناهية إلى الحب".
فالطفل مغرم بالمحبة المتبادلة بينه وبين والديه، وأفراد أسرته، ومعلميه وأقرانه، ولا يعرف البغض إلى قلبه النقي سبيلاً.
إنّ الحب هو الغذاء النفسي الذي تنمو وتنضج به شخصيته، وكما يتغذى جسمه بالطعام، فإنّ نفسه تتغذى بالحب، وكما أنّ جسم الطفل ينمو مع الغذاء الصحي، فإنّ نفسه أيضاً تنمو مع الحب الصحيح... والحب المستنير الواعي...
إنّ الحب الواعي المستنير يقتضينا أن نبدأ أوّلاً بإحاطة الطفل بجو من الدفء النابع من شعورنا وحناننا وإقبالنا عليه، مما يملؤه ثقة واطمئناناً، فيقبل علينا ويتأثر بما نقدمه من مفاهيم تربوية.
وليست حاجة الطفل للحب مقتصرة على الأسرة من قِبَل الوالدين وإخوته، بل هو يحتاج للحب في مراحل التعليم منذ طفولته وحتى سن الشباب، وكلما كانت علاقة المربين مع الأبناء ومع التلاميذ مبنية على الحب، كانت التربية أنجح وآتت أكلها على أكمل وجه.
ولقد دعا ابن سينا في وصاياه التربوية إلى حب الأطفال والرغبة في التعليم والأمانة في العلم والعمل من قِبَل المعلم، فقد رأى أنّ مهنة التربية تحتاج إلى معرفة بعلوم التربية، وحب الأطفال، وميل إلى مهنة التعليم، وأمانة في العلم، وإخلاص في العمل.
وأكّد علماء التربية على ضرورة الحب بين المعلم والمتعلم، لأنّ المعلم المحبوب من قبل تلاميذه، تكون المادة التي يدرسها محبوبة، فيقبل التلاميذ عليها، ويحفظونها ويناقشون ما فيها، هذا الأمر يعرفه كلّ متعلم تلقى العلم على يد معلم.
لذلك لن يغني المعلم الآلي أو الكمبيوتر عن المعلم الإنسان من لحم ودم وعقل ومشاعر وعواطف يقدمها للتلاميذ مع المعلومات، لذلك قالوا قديماً: "خذ العلم من الصدور ولا تأخذه من السطور".
آثار الحب في التربية:
إذا أردنا أن يتلقى أبناؤنا تربية بناءة وإيجابية، فعلينا أن نغمرهم بالحب في زمن انشغل الآباء والأُمّهات عن أولادهم، فلم يعد الابن يحسُّ بدفء حب الأُم وحنانها، وعطف الأب وحنوه، كما كان سابقاً.
إنّ التربية التي تقوم على أساس المودة والدفء والقرب، تكون تربية ناجحة، فالمعلم الذي يربي تلاميذه بالمحبة، ويربيهم على المحبة، ينتج أكثر من الذين يؤدون عملهم بشكل روتيني وظيفي جافٍ خالٍ من المشاعر والوجدانية والأحاسيس النبيلة، ومما يدل على ذلك تجربة أجراها "روبنسون" عام 1980م على معلمي صفوف ابتدائية، امتدت من الصف الثاني وحتى السادس، دُرِّبوا على التوادّ والدفء، وخلق أجواء مريحة في الصفوف، إضافة إلى التقيد التلقائي بالنظام، وعندما تحلَّوا بذلك أثناء التعليم، أدى ذلك إلى ارتفاع تحصيل التلاميذ الدراسي، وكان الذين دربوا على التوادّ والدفء أكثر فاعلية في التربية من غيرهم الذين لم يدربوا على ذلك.
ومن العوامل التي تجعل المحبة متبادلة بين المربِّي والمربَّى، والتواصل بينهما قوياً، أمور كثيرة، نذكر منها:
1- أن يُشجع المربي الأبناء أو التلاميذ على الحوار والمناقشة، ويستمع إليهم، وأن يسمح لهم بالأسئلة والمشاركة في الأحاديث.
2- أن يتودد إليهم، ويناديهم بأحب أسمائهم، ويكنيهم، ولا يلقبهم بألقاب سيئة.
3- أن يتفقد أحوالهم، ويهتم بهم وبشؤونهم.
4- أن يسأل عنهم، إذا غابوا ويزورهم إذا مرضوا، ويشاركهم في الأفراح والأتراح.
5- أن يقدم لهم وسائل التشجيع المعنوية والمادية لتحفيزهم على الجد والاجتهاد والتفوق.
6- أن ينمي مواهبهم التي تظهر لديهم من خلال منهج مدروس منظم.
7- أن يصطحبهم في رحلات ونزهات، ويكون معهم في جدهم ولهوهم.
8- أن يتبادل معهم التحية والسلام بطلاقة وبشاشة.
9- أن يصبر على أذى بعضهم، ويوجههم بلطف دون فظاظة ولا غلظة.
10- أن يراعي الفروق الفردية، فما يحبه تلميذ قد لا يحبه الآخر.
إنّ هذه الأمور وغيرها التي يراها المربي لازمة تجعل الأبناء والتلاميذ يقبلون على المربي ويلتفون حوله، ويتلقون منه القيم والعلم، ويستظلون بحنانه ودفئه، ويبادلونه حباً بحب، وتتحقق المعادلة الجميلة (يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ) عندها حدّثْ عن تطور التربية، وتقدمها ولا حرج.
المصدر: كتاب تربية الأطفال بين البيت والمدرسة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق