• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثقافة التسوق... بين الحاجة والاستهلاك

انتصار السعداوي

ثقافة التسوق... بين الحاجة والاستهلاك

مجمعات ومولات استهلاكية في عموم العالم

·       يجب توعية الناس لتغيير النمط الاستهلاكي لديهم وتشجيعهم على المشاريع الصغيرة ودعمها من قبل المسؤولين في نظام الدولة.

ظهرت في الآونة الأخيرة وبعد التغيرات السياسية والاقتصادية في العالم الكثير من التغيرات في الأنماط الاستهلاكية للشخص. وبدأت تظهر الأسواق و(المولات) الاستهلاكية المتشابهة في عرض أنواع من السلع الاستهلاكية المتقاربة في الأسعار، والظاهرة الواضحة في هذه الأسواق هي اندفاع النساء بشكل جنوني للتسوق منها كأنها في سباق مع الأخريات في اقتناء المعروضات قبل أن تصل إليها امرأة أخرى.

والغريب أيضاً أن زبائن السلع الرجالية من الملابس والمقتنيات الأخرى هن من النساء أيضاً. تجولنا في عدد من هذه الأسواق واستمعت إلى زبائنها من كلا الجنسين وبعض العاملين في الأسواق لتسليط الضوء على أسباب السباق الشرائي، ونتائجه المستقبلية والحلول البديلة والمقترحة من قبل الاقتصاديين والخبراء للحد منها.

 

أسعار مشجعة وبضائع مختلفة:

التقينا هدى 35 سنة، معلمة تقول: مدرستي قريبة جدّاً من السوق مما يجعلني أزوره يومياً وفي بعض الأحيان أكثر من مرة في اليوم الواحد إذا سمعت من زميلاتي أن هناك شيئاً جديداً، وعلى الأغلب تعجبني ملابس الأطفال والأحذية والحقائب، فهذا النوع من البضاعة يستهلك بسرعة، ورخص ثمنه يجعلنا نستبدله بفترة زمنية قصيرة عكس البنطلونات والماكياج مثلاً والملابس الرجالية والأدوات المنزلية.

أما زينة فاضل 30 سنة مدرسة تقول: أنّ الملابس النسائية المطروحة في بعض الأسواق لا تعجبني وفي بعض المحال التجارية التي افتتحت أخيراً، وصار الناس يطلقون عليها (المولات) لا تنفع الملابس النسائية المعروضة فيها إلا للبيت فقط عدا بعض (التيشيرتات البناتية)، لذا لا يمكن ارتدائها في المناسبات أو أوقات الدوام، مما يضطر البعض إلى شراء ملابس أخرى تنفع لهكذا مناسبات، وتضيف زينة: وفي بعض الأحيان تعرض في الأسواق ملابس بسعر (البالات) يجعل المستهلك يأخذ ما يحتاجه وما لا حاجة له به، واعترف إنّ التردد على الأسواق المختلفة أصبح عادة سيئة والأسوء إني خرجت مرات كثيرة من السوق دون أن اشتري شيئاً فشعرت بعدها بالحيف والخسارة!

 

محطات لتسوق الزوار الأجانب:

في أحد المجمعات التقينا (يسار) شاب أجنبي متزوج حديثا سألته إذا كان يتبضع لاستعماله الشخصي أم هدايا لأهله في بلده؟ قال: بالنسبة للسلع الرجالية جميلة جدّاً وتتمتع بجودة عالية وهو يشتريها له وكهدايا أيضاً، وأضاف: أنّ السلع المنزلية رخيصة جدّاً في هذا السوق بالمقارنة مع مثيلاتها في بلده وهو يستطيع أن يشتري أضعاف ما يشتريه من هناك بنفس المبلغ.

أم محمود 60 سنة لاحظت أنها اشترت 24 قميص بناتي بألوان مختلفة، هل تبيعينها؟ قالت: أنا أزور السوق بين فترة وأخرى وأجمع ما اشتريه الآن إلى أيام رمضان والعيد وأوزعه على الفقراء والأيتام لإدخال الفرحة على قلوبهم.

أحلام بائعة شابة في إحدى المجتمعات قالت: عندما تصلنا بضاعة جديدة ورخيصة وكميتها محدودة اتصل ببعض زبائننا أو أرسل إليهم مسج فقد حفظنا وجوههم وأسمائهم من كثرت ترددهم على السوق.

أحمد أحد الموظفين في الإدارة المحلية قال انّ زوجته تشتري الأحذية والشحاطات بعدة ألوان لتناسب ما ترتديه وتستعملها لفترة قصيرة جدّاً لأنها سريعة التلف والاستهلاك، فضلاً عن أنّ موديلاتها قديمة، وأضاف أحمد: صارت زوجتي تنفق كلّ ما يزيد من راتبها في الأسواق والمجمعات وغيرها بدلاً من إدخاره بحيث نسيت زوجتي شيء اسمه الإدخار، وهذا حال معظم نسائنا، فهي تدخر ما يفيض من دخلها في جيوب تجار الأسواق بدون تخطيط ولا جدوى.

 

أصحاب الأسواق وأحاديث أخرى:

يقول عليّ صاحب مجمع انّه ورث هذه المهنة عن جده وأبيه وهو لم يكمل السادس الابتدائي، وله فروع أخرى في مدن أخرى وفرع في الصين وآخر في دبي.

سألته عن فرق السعر في بضاعته عن مثيلاتها في المحلات التجارية مع أنها تحمل نفس المواصفات أحياناً.. قال: إنّ البضاعة التي تعرض لديه أرخص من كلِّ المجمعات والأسواق الأخرى لأنّه يستوردها من الصين مباشرة في حين أنّ بعض أصحاب المحلات يشترون البضاعة من وكلاء مثلاً والوكيل يشتري من المستهلك. أي أنّ البضاعة تمر بحلقتين إلى أن تصل للمستهلك فضلاً عن كلفتها وتأخر وصولها عندهم، فهي تصل بعد أن تكون نفذت عندنا، وأضاف انّه يستعمل مقاييس عديدة لاستيراد البضاعة التي يعتقد إنها ستباع، ومن هذه المعايير الذوق العام الذي يناسب وضع المدينة مثلا مع مراعاة الوضع الاقتصادي حيث يستورد ما يستطيع شرائه ذوي الدخول الضعيفة والمتوسطة وهو ما يشكل 90% من شرائح المجتمع مع الأخذ بنظر الاعتبار عنصر المنافسة والأسبقية في السوق، لذا يطلق على مجمعنا في بعض الأحيان بمجمع الفقراء وأنا فخور بهذه التسمية.

 

تحليل الخبير الاقتصادي:

ويعتقد الدكتور مهدي سهر غيلان، أستاذ الاقتصاد أن معاناة المجتمع بصورة عامة والموظفين بصورة خاصة من انخفاض دخولهم وارتفاع الأسعار مما أدى بالشرائح ذوي الدخل المحدود والذين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع لبيع جميع مقتنياتهم من الأثاث وغيرها للحصول على لقمة العيش وتوفير مستلزمات الدراسة لأبنائهم، وللأسباب أعلاه وبعد أن شهد الوضع الاقتصادي تحسناً ملموساً بدخل الموظفين وغيرهم من المواطنين ارتفع النمط الاستهلاكي لجميع شرائح المجتمع مما أدى إلى ظهور هذه الأسواق لتلبي زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية.

ولكن التوسع في هذه المجتمعات الاستهلاكية والإقبال الجنوني على الشراء دون المشاريع الإنتاجية سيحول المجتمع إلى استهلاكي (يأكل ويلبس ما ينتجه الآخرون).

ولمعالجة الوضع الاقتصادي يجب توعية الناس لتغيير النمط الاستهلاكي لديهم وتشجيعهم على المشاريع الصغيرة ودعمها من قبل نظام الحكومة من أجل مساهمتهم في الإنتاج وزيادة الدخل القومي، وذلك لتوفير دخل جديد للمواطنين من أرباح هذه المشاريع ورفع أجور العاملين فيها وبهذا تتسع دائرة الإنتاج للبلد مما يدفع بعملية والتنمية في عموم البلاد وعلى الاقتصاد.

 

ملحق:

أوضحت دراسة ألمانية أن قرابة 10 بالمائة من المستهلكين في الدول الغربية يعانون من إدمان الشراء المرضي أو "أونيو مانيا"، الأمر الذي دفع الباحثين إلى تطوير علاج جديد لمكافحته وللتقليل من أضراره النفسية والاقتصادية، كشف باحثون ألمان أنّ نحو 10 في المائة من مجموع المستهلكين في كلِّ دول الغرب الصناعي يعانون من إدمان الشراء، لكن بدرجات متباينة، وقال هؤلاء الباحثون إنهم طوروا أوّل علاج لمكافحة هذا النوع من الإدمان، ويطلق العلماء على "الإدمان المرضي على التسوق" مصطلح "أونيو مانيا"، الذي أُقر لأوّل مرة قبل قرن من الزمان على يد عالم النفس في مدينة لايبزج الألمانية، اميل كريبلين، فقد كتب هذا الباحث رسالة علمية عن الناس في المدن الكبرى، الذين لا يستطيعون ببساطة مقاومة رغباتهم الملحة في شراء أشياء جميلة تجعلهم يشعرون بالسعادة، حتى لو تركوا ما اشتروه في المنزل دون أن يفتحوه ولم يستخدموه على الإطلاق.

ارسال التعليق

Top