• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الكيدية بين الزوجين

الكيدية بين الزوجين

◄كثيرة هي العلاقات التي انتهت بسبب فعل الكيدية قام به أحد الطرفين أو الاثنان معاً؟ وكثيرون مَن يتصرّفون حسب مفهوم الكيدية، لمجرّد أنّهم لم يفهموا أحاسيس الطرف الآخر، أو فسّروا بعض تصرُّفاته خطأً فقاموا بردة فعل بالمقابل؟

في الواقع معظم الأشخاص يعتمدون الكيدية أو الإغاضة في التعامل مع الشريك الآخر إذا كانت تجمعهم به علاقة قوية: علاقة حب أو رابط عمل. تأتي هذه الأفعال نتيجة النقص في النضج الفكري والعاطفي، بغض النظر عن الأسباب التي أدّت إلى الانزعاج من الآخر وإلى القيام بما يمكن أن يغيظ الآخر.

يجب الانتباه أنّ أفعال الكيدية هي أفعال واسعة الإطار، فيمكن أن تكون صغيرة لا تترك أثراً كبيراً، كما يمكن أن تكون مدمرة في مسيرة الكثير من الأفراد وعلى مستويات متفاوتة. كلّ ذلك مرتبط بنفسية وشخصية وطباع مَن يقوم بها، بالإضافة إلى حجم الأزمة التي يتخبط فيها وجدّية الصراع الذي يعيشه.

بالمبدأ يمكن أن يقوم الإنسان بهذه الأفعال عن إدراك ومعرفة أو بشكل غير مدرك. في الحالة الأولى، يدرك الشخص حجم الأذى الذي يُسبِّبه للآخر حين يقوم بإغاظته. وقد يستمر في ذلك لأنّ الشخص الآخر لا يعني له كفاية، أو لغاية الانتقام من جراء اختبارات سلبية من الماضي، أو لأنّ في طباعه روح الأذية من الأساس.

أمّا في الحالة الثانية، فيقوم الشخص بأفعال تغيظ الجانب الآخر دون أن يدرك – في معظم الحالات – حجم الأذى النفسي الذي يُسبِّبه للآخر. ونراه يستمر في ذلك ويكرره في مناسبات وطرق مختلفة. فالكثير من الأشخاص يعتبرون أنفسهم قادرين على التحكُّم بالآخر من خلال أفعال الكيدية التي يقومون بها. ويظنون أنّهم مُتحكِّمون بزمام الأمور ويعتبرون الآخر خاضعاً لهم خوفاً واستعطافاً.

من جهة أخرى، فإنّ التصرُّفات الكيدية يمكن أن تمارس بسبب الغيرة على الآخر وأحياناً بهدف إثارة غيرته. وفي الحالتين تصبح سبباً أساسياً للخلاف الدائم بين الاثنين ومصدراً لتضعضع الثقة وتوسيع المسافات بينهما.

بالإضافة إلى الغيرة، نشير إلى ضعف الشخصية كسبب مباشر للأفعال الكيدية، حيث يستعملها أصحابها كوسيلة تواصل مع الآخر. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه الوسيلة في التواصل غير صحّية ومبنية على مفاهيم خاطئة، وهي تفقد الفرد الكثير من القيم وتجعله بحكم غير الناضج بنظر الآخر.

نستنتج من ما سبق أنّ الكيدية في العلاقة هي عامل مدمر وعائق كبير بين الشريكين في عملية التواصل، فهي شكل من أشكال التواصل غير المعلن؛ لكنّه يعتبر مباشراً لأنّ نتائجه تكون مباشرة. وهنا يدخل مفهوم العين بالعين المبني على الضغينة والكره للآخر، فمن يعيش على هذا المبدأ يتعب كثيراً ويفقد عفويته.

عزيزي القارئ، كثير من الناس يفقدون الثقة بالنفس وبالآخر بسبب الكيدية الممارسة من قبل الآخر، لذلك يجب التنبُّه حين تظهر علامات وحين تجتمع عناصر معيّنة عند أحد أطراف العلاقة من شأنها خلق مسافة متباعدة بين الطرفين.

وبالواقع، حين يقوم الشخص بفعل كيدية تجده مستعداً للدفاع عن وجهة نظره التي غالباً ما تكون محكمة وتتضمّن مجموعة وقائع تجعل الفعل مبرراً ومنطقياً بنظر الآخر. ولكن على الرغم من ذلك، يمكن أن يشعر الآخر بالإحباط بسبب المواقف المقلقة والمتعبة والسلبية والمشككة والمضللة والمتكررة وغير المفهومة وغير المبررة.

لذا غالباً ما تكون أفعال الكيدية سبباً أساسياً في دمار العلاقة بين شخصين، خاصّةً إذا كانت الأفعال محطبة بالنسبة للشريك. فهي تدخل الثنائي في دوامة الكيدية والكيدية المقابلة، وبالتالي تفقد العلاقة جوهرها ويصبح الشريكين في حالة دفاعٍ دائمة وعميقة.

عزيزي القارئ، حين تكون أمام شريك يقوم بأفعال كيدية، وقبل اتخاذ أي موقف أو القيام بأفعال كيدية بالمقابل، عليك التوقف عند أفعاله وتحليلها: هل يعتمد أسلوب التواصل السلبي لتحقيق مبتغاه؟ أم إنّه يحاول استفزازك لكي يبقى متمسكاً بزمام الأمور؟

في كلتا الحالتين عليك التعبير عن ما يزعجك في سلوكه وردات فعله. وإذا خلصت وتأكّدت أنّه لم يكترث لما تشعر به تجاه أفعاله، فذلك يؤكد أنّه مركزي حول ذاته ولن يتعاطف معك كما تنتظر.

وفي الختام، لابدّ من ذكر خطأ يقع فيه الكثيرون حين يردّون الأفعال بأفعال أخرى. فذلك لن يُعلِّم الشخص الذي اعتاد على الكيدية درساً، ولن يمنعه من تكرار أفعاله الكيدية المؤذية. فحذار من الاستهلاك العاطفي ومن الدخول في حلقة الكيدية والكيدية بالمقابل المفرغة.► 

ارسال التعليق

Top