• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حان وقت العودة إلى المدرسة

حان وقت العودة إلى المدرسة
رغبة في البكاء، ألم في البطن، صعوبة في التنفس، قلق، خوف من المدرسة، ألم في الرأس، أرق، تقيؤ. كلها أعراض يعانيها معظم الأطفال "في عمر السادسة تقريباً " عند اقتراب موعد دخولهم إلى المدرسة بعد عطلة صيفية طويلة.
في الحقيقة تمثل المدرسة في هذه المرحلة من حياة الطفل مصدر خوف شديد لا يستطيع هذا الأخير تفسيره بوضوح إذ تتناقض في داخله مشاعر وأفكار كثيرة تربكه وتقلقه: هل ستكون السنة المقبلة صعبة عليّ؟ كيف سأقضي وقتي مع زملائي؟ هل سيكونون لطيفين معي أم لا؟ هل سأحب معلمتي؟ هل سأكون متفوقاً؟ وهي كلها أسئلة تجول في ذهن الطفل من دون أن يقصد. فتجعل منه كائناً يخفي شعوره بالخوف نفسه عند دخوله السنة الدراسية الجديدة. وقد تصل الأمور إلى حد يفقد الطفل السيطرة على نفسه خلال نومه ليلاً، فيبول في فراشه كما لو كان في السنة الثانية من عمره. لهذا السبب قد نجد الطفل يهرب من كل نشاط جماعي. ويتفادى تلاقيه مع رفاقه واللعب والتسلية معهم لأنّه يمرّ بحالة نفسية صعبة من الضغط والكآبة والإرهاق النفسي. هنا يكمن دور الأهل ونجاحهم في التفاعل مع حالة طفلهم المؤقتة الطبيعية حيث تجب مساعدته على تخطيها وعدم التأثر بها مستقبلاً. وينصح الاختصاصيون في تربية الأطفال الأهل بألا يلجؤوا إلى أسلوب مواساة الطفل لأنّ ذلك لن يكون مجدياً. وإنما استنطاقه ودفعه إلى التكلم عن نفسه وعن مشكلته بطريقة غير مباشرة وهو المفتاح الصحيح. فعندما يشعر الطفل بشيء من القلق الشديد بخصوص مرحلة جديدة في مسيرته الدراسية، يتعرض لخطر الإصابة بإرهاق عام شديد. لذا فإنّ الكلام عن المشكلة لن يجعله ضعيفاً متوتراً بل يعزز شجاعته بنفسه لأنّ الكلام يجعله يتخلص من عبء الأمور والأفكار المكبوتة في داخله، ويشعر بارتياح كبير حين يشاركه أهله أحاسيسه المتخبطة، وتتاح الفرصة حينها لحل الأمور أو تسهيلها على الأقل.
قد تتحول المدرسة في حد ذاتها إلى كابوس حي تدفع الطفل في كل مرة يرتادها إلى البكاء والغضب والانزعاج. وهنا على الأهل التأكد من أنّ المسألة تتعلق بطفلهم شخصياً. وليس فعلياً بسبب سوء معاملة يتلقاها داخل المدرسة  من أي تلميذ أو معلم. وبهذه الطريقة نلاحظ أهمية دور الأهل وحسن تأديتهم لأنّ تربية طفل ليست بالمسألة السهلة والبسيطة. بل إنها مسؤولية كبيرة. ومن هنا فإنّ ملاحظة كل الأشياء الصغيرة بدقة أمر في غاية الأهمية بالإضافة إلى ذلك، على الأهل ألا يطلبوا من طفلهم أن يكون تماماً كما يريدون هم. بل عليهم الاقتناع بقدراته وتشجيعه بطريقة منطقية تعطيه الدافع ليتقدم ويتطور بشكل جيد. من جانب آخر ، يميل الأطفال عموماً إلى الذهاب للنوم والاستيقاظ في أوقات متأخرة أثناء الصيف. ويمكن أن يكون تعديل هذا النظام أمراً صعباً. ولذلك يجب على الأهل تنظيم جدول نوم أطفالهم قبل أسبوعين على الأقل من بدء السنة الدراسية لأنّ الطفل إذا لم يحصل على كفايته من النوم فإنّ ذلك سيؤثر على أدائه في المدرسة حيث إنّ الحرمان من النوم الجيد يضعف القدرة على التركيز، ويؤثر على الذاكرة والمزاج أيضاً. ويحتاج الأطفال عموماً إلى تسع ساعات من النوم المتواصل على الأقل ليكونوا جاهزين للتعلم. كما أنّ تأسيس جدول نوم نظامي يساعدهم أيضاً على الاستيقاظ مبكراً لتناول وجبة فطور صحية. وهي عامل مهم آخر يؤثر على الأداء المدرسي.
هناك الكثير من الأشياء التي يستطيع الآباء القيام بها للتخفيف من أثر فترة العودة إلى المدرسة، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يحدد الآباء بعض النشاطات التي تسبق النوم كالاستحمام أو قراءة قصة لطيفة فهذا يساعد الطفل على الاسترخاء والنوم بشكل هادئ وعميق. ثواب وعقاب
من جهته يبدو أنّ أيمن جاد(موظف غير متزوّج) مقتنع بطريق تربية والده له، وهو إذ يتحدّث عنها يقول: "لقد كان أبي يطّبق سياسة الثواب والعقاب. فعندما كنت أخطئ في تصرفٍ ما، كان يضربني، وعندما أفعل شيئاً حسناً، يكافئني". ويضيف: "لذلك، أنا مع هذه السياسة. واليوم، وبعد وفاة والدي، أتذكّر المواقف التي تعرّضت فيها للضرب. وأدرك أني كنت أستحقّ العقاب الذي لم يسبب لي أي كره أو رفض لوالدي، لا بل إنني أترحم عليه كثيراً".
ويتّفق فارس محظوظ (موظف،غير متزوّج)مع ما قاله أيمن، ويتابع مضيفاً: "أبي كان يتعامل معي حسب الموقف، عندما أخطئ يعاقبني، وعندما أفعل شيئاً جيداً يكافئني". ويشير فارس إلى أنّ "هذا لا يعني أنني سأربّي أولادي بالطريقة التي تربّيت عليها، ففي أيامنا كانت هناك، فجوة بين الأب والابن، فالأب يشعر بأنّ مكانته تجعله لا يقترب من ابنه كثيراً، لأنّ هناك مساحة يجب الحفاظ عليها". ويضيف: "أمّا اليوم، فإنّ هذا الأسلوب لا يصلح، ولذلك، أنا سأصادق ابني وأجعله قريباً مني".
ويبرّر فارس وجهة نظره قائلاً: "هذا الجيل مختلف، ولا يجب أن ننسى دور الإعلام والمفاهيم الجديدة التي يتم ترسيخها في أذهان أولادنا، وأيضاً المدارس الأجنبية التي باتت منتشرة في بلادنا بكثرة، خصوصاً أنّ هناك مفاهيم مغايرة لمفاهيمنا في كثير من المدارس، وهذا كله يوسّع فجوة بين الأبناء والآباء". حاجز نفسي
أمّا سارة فريد (متزوّجة وليها ولد وبنت)، وإذ تتحدّث عن علاقتها بوالدها و والدتها قبل رحلة الزواج والإنجاب، تقول: "كان والدي يتعامل معنا بكل حب، ويقضي معظم وقته معي أنا وإخوتي، لقد كان بمثابة الصديق بالنسبة إلينا، نتحدث معه في كل شيء، لذلك افتقدناه كثيراً بعد وفاته". وتتابع: "أمّا في ما يتعلق بأمي فقد كانت غاية في التسلّط".
يعيش سعيد رجب (مستشار قانوني،متزوّج ولديه أبناء) في حالة من الوئام مع أبنائه، وهو إذ يتحدّث عنها يقول: "لقد أخذت من الإسلام ما يصلح نموذجاً في تربية الأبناء، فأنا أنظر إلى ما كان يفعله الرسول (ص)، عندما يصعد حفيده على ظهره وهو يصلّي، فلم يكن ينهره، بل كان يكمل صلاته ويداعبه بعد أن يصلّي". ويضيف: "ففي القرآن والسنّة نجد الطريقة المثلى في التربية السليمة، فأنا كنت أصطحب ابني معي إلى الصلاة في المسجد وهو في الثالثة من عمره، وأطلب منه الوقوف إلى جانبي وعدم الكلام، فإذا التزم أكافئه بأن أحضر له شيئاً يحبّه، أمّا إذا تحدّث بصوتٍ عال، فأفهمه بخطئه وأشعره بأنني غير راضٍ عمّا يفعل". ويبيّن سعيد أنّ سياسته في التربية" تتجلّى في الحوار والجلوس مع أولادي وعدم القسوة عليهم، وهي الطريقة التي ربّاني بها والدي، فلا أتذكر أنه ضربني مرة واحدة". ويقول: "أنا مع سياسة الحوار مهما تكن حدّة الموقف، فما كان يصلح في الماضي لا يصلح اليوم، وعلينا أن نقترب من أبنائنا أكثر و أكثر". لا للدّلع
هل نربّي أولادنا بالطريقة التي تربينا بها؟ سؤال طرحناه على كريم كمال (مهندس كمبيوتر، غير متزوّج)، الذي يقول: "بالتأكيد إنني لن أربّي ابني كما تربيّت أنا". ويضيف: "رحم الله والدي الذي توفي منذ سنوات عديدة، حيث إنّه كان يلبّي لنا كل احتياجتنا، ويعاملنا بدلع كامل الأوصاف، لا عصبية ولا حتى صراخ في وجوهنا". ويقول بأسى: "لقد كانت النتيجة أنني مازلت من دون عمل حتى الآن، على الرغم من وجود أكثر من فرصة عمل جيدة، ولكنني أضع شروطي ولا أقبل بأي شيء، وأعتقد أنه لو كان والدي قد ربّاني على طريقة الاعتماد على النفس، وتطبيق سياسة الثواب والعقاب، لكان الأمر مختلفاً، علماً بأنّ هذا ما أنوي تربية أبنائي عليه مستقبلاً. فالدّلع مرفوض وسياسة الثواب والعقاب وهي التي ستسود، وهذه نصيحة أقدّمها لكل أب، لا تفرط في تدليل أبنائك ولا تقسُ عليهم".

ارسال التعليق

Top