• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حواس المولود الجديد.. بحاجة إلى فهم وتنمية

السيد أحمد باقر القزويني

حواس المولود الجديد.. بحاجة إلى فهم وتنمية
إلى فترة قريبة كان هناك اعتقاد سائد لدى الآباء والأمهات – بل ولدى أطباء الأطفال أيضاً – بأن الطفل يخرج من رحم أمه وهو لا يملك إلا جزءاً بسيطاً من القدرة على تحسس الأشياء من حوله وإدراكها.

إلاّ أن ذلك الاعتقاد قد تغير نتيجة للدراسات التي أجريت حول تطور دماغ الرضيع، وثبت أن المولود الجديد يستخدم حواسه الناشئة، ويمتلك قدرة – أكبر مما هو متوقع – على الإبصار والسمع والتذوق والإحساس، وكل تجربة إحساس كالرضاعة والهدهدة والنظر إلى ابتسامات والديه، وإن جميع تلك التجارب الحسية تساعد دماغ الطفل على التحفيز والتطور التدريجي.

ويعتقد العلماء أن الكيفية التي يستخدم بها الطفل حواسه في الأشهر الأولى من حياته تؤثر بشكل كبير على نموه في المستقبل.

 

ماذا يرى الوليد؟

يتمتع الطفل بعد الولادة مباشرة بنظر محدود، ويكون العالم أمام عينيه عبارة عن صورة باهته ضبابية، ويذكر أطباء الأطفال أنّ المولود الجديد يستطيع أن يتبين فقط الأشياء المتناقضة، مثل الأسود والأبيض. كما يستطيع الرضيع أن يحتفظ بما تمكن من رؤيته.

في هذا الصدد يقول الدكتور "فيليب كلمان" أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا: "لو تم عرض شريط فيديو على الطفل بعد (24) ساعة من مولده وكان هذا الشريط يحتوي على وجه أمه ووجه آخر، فإن الطفل سينظر إلى الوجه المألوف لديه".

لكن نظر المولود الجديد يتحسن خلال الأشهر الأولى وذلك نتيجة لنضوج خلايا العين، بحيث إنه يتمكن من رؤية الألوان وفصلها- عن بعضها البعض إلى جانب بعض التفاصيل الأخرى وذلك بحلول الأسبوع الثامن من عمره، أما في الشهر الرابع فتتكون لديه المقدرة على التركيز بالعينين معاً، وهذه المهارة ستعمق إدراكه الحسي الذي سيساعده ليتعلم الوصول للأشياء التي حوله.

وبحلول الشهر السادس يستطيع الطفل أن يرى الظلال والأشياء بأبعادها، وهذه المهارة الجديدة تساعده على الحبو، وباكتمال العام الأول من عمر الطفل سيصبح بصره ناضجاً ويرى بشكل سليم.

 

تنمية مهارات الطفل البصرية:

يرى المختصون أنّ أفضل طريقة للوالدين لتحسين قوة إبصار أطفالهم التفاعل معهم، وفي ذلك يقول "ألبرت يوناس" الأستاذ بمعهد نمو الأطفال بجامعة مينوستا: "النظر إلى وجه شخص حبيب – كالأم مثلاً – هو أفضل محفز لتطوير مستوى إبصار الطفل الرضيع".

كما أن الألعاب ذات الألوان المتناقضة، مثل الأبيض والأسود، تساعد في تحفيز مستوى إبصار الأطفال، وقد اكتشف أن صور الأشكال تحفز أجزاء الدماغ التي تتحكم في الإبصار، ولذلك على الأم أن لا تتردد في عرض الكتب المصورة على الأطفال.

 

ماذا يسمع الوليد؟

تبدأ قدرة الطفل على السمع في النمو قبل أن يولد، وقد لاحظ العلماء بواسطة الموجات الصوتية أن الجنين يتفاعل مع الأصوات العالية في الأسبوع (24) من الحمل.

ويستطيع الرضيع عند مولده أن يتعرف على أصوات معينة، ويستطيع في الشهر الرابع من عمره تحديد مصادر الأصوات.

ويؤكد الأطباء على أن الضوضاء الشديدة يمكن أن تتلف إذن الطفل، لأن أجزاءَها رقيقة للغاية. لذا يوصون الوالدين بحماية أطفالهم من الضوضاء العالية، ومنحهم فترات صمت بعيداً عن جهاز التلفاز والهاتف والضجة التي يحدثها إخوانهم.

 

تنمية مهارات الطفل السمعية:

ولدعم المهارات السمعية الخاصة بالطفل على الأم أن تتبع الإرشادات التالية:

عليها أن تحدثه باستمرار كما لو أنها تتحدث إلى من يفقه حديثها وتقرأ له الكتب والقصص (ويحبذ هنا أن تتلو عليه القرآن الكريم الأمر الذي يجعله يأنس بهذا الكتاب العظيم الذي يحمل القيم الرفيعة والسحر البلاغي والوقع الموسيقي الجميل على النفس)، وتنشد له الأناشيد (ويشمل ذلك أشعار المراثي والقصائد الحسينية التي تحمل قيم البطولة والإيثار والتضحية وهو ما يجب ترسيخه في الطفل).

وأن يقوم أحد الوالدين بقراءة كل ذلك بنفسه أي أن لا يستعينا بالأشرطة والمسجلات قدر الإمكان، لأن هذا الأمر يلعب دوراً مهماً في توثيق العلاقة بين الطفل والمقرئ كما أن أصوات الأشخاص البالغين تساعد في تحفيز دماغ الطفل، الأمر الذي يجعله أكثر استعداداً لتعلم اللغات في المستقبل.

كما وجدت الدراسات أن استماع الأطفال لإيقاع الكلمات التي تُنطق أمامهم يساعدهم في القراءة عند التحاقهم بالمدارس.

 

ماذا عن التذوق والشم؟

يعتقد العلماء بأنّ حاسة الشم تبدأ في النمو بصورة أكبر بعد ميلاد الطفل، فبعد أسبوع من ميلاده يستطيع الطفل أن يميِّز رائحة أمه، فحاسة الشم من الحواس المهمة لارتباط الطفل الرضيع بأمه.

كما بيَّنت إحدى الدراسات أنّ الطفل يشعر بالسرور إذا اشتم رائحة الليمون.

ومن ناحية أخرى يستطيع الطفل عند ميلاده أن يتذوَّق الطعم الحلو والمر والحامض، ولكنه يفضل الطعام الحلو أكثر من غيره.

كما يستطيع المولود حديثاً أن يتذوَّق طعم الملح، ويقول الأطباء "إذا قدمت لطفل حديث الولادة ماءً مالحاً فإنّه لن يستطيع أن يشربه كما يشرب الماء العادي". ويتوقع الباحثون بأن مستقبلات الملح تنمو في لسان الطفل بعد أربعة أشهر من ميلاده.

 

لمسة حنان:

اللمس من أولى الحواس التي تنمو لدى الطفل حديث الولادة، وتبدأ في العمل بعد الولادة مباشرة، ويستخدم الرضيع اللمس لمعرفة البيئة التي حوله، واللمسة الرقيقة من أحد الوالدين لا تهدهد الطفل فقط، بل تساعده على النمور. "فاللمسة التربوية – كما يقول الأطباء – ستطلق هرمونات النمو، والأطفال الذين يحرمون من هذه اللمسة يتوقف عندهم عمل الجينات التي تتفاعل مع هذه الهرمونات".

وبعبارة أخرى فإنّ هؤلاء الأطفال يتوقف نموهم، وسُجلت هذه الظاهرة في دور الأيتام التي يقل فيها عدد العاملين.

وأكثر من ذلك فإنّ التدليك الناعم للطفل أثبت فعاليته في تقليل مستوى الهرمون الذي يسبب الضغط المسمى كوتيزول. واكتشف باحثون بجامعة "منيسوتا" الأمريكية أنّ الأطفال الذين يتلقون تدليكاً بواقع مرتين في الأسبوع لمدة ستة أسابيع، سيكونون أقل حساسية ويستطيعون النوم بصورة أفضل من الأطفال الآخرين.

 

المصدر: كتاب فنُّ تربية الطفل

ارسال التعليق

Top