• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دروس في الجاذبيّة

دروس في الجاذبيّة

لعلّ أبرز ما تحتاجين إليه كي تتقدّمي في حياتك الاجتماعية والمهنية هو تعلّم بعض المبادئ الأساسية عن الجاذبيّة...

الفتنة، السحر، الكاريزما.. سمّيها ما شئت إلّا أنّ الجاذبية تبقى سمة يتمتّع بها بعض الأشخاص دون سواهم، فيلفتون الأنظار إليهم أينما حلّوا، ويستحوذون على انتباه الجميع، ويستأثرون باهتمام أيّ حشد من الناس سواء أكان صغيراً أم غفيراً، ويستلمون دقّة الحديث بسهولة وراحة تامّة.

إلّا أنّ الكاريزما تتخطّى مسألة التحلّي بالثقة بالنفس والقدرة على التحدّث أمام جمع من الغرباء، وقد تكمن في رغبة هؤلاء الغرباء في الاستماع إليك ومعرفة المزيد عنك. صدّقي أو لا تصدّقي، لكن يمكنك أن تتعلّمي كيفيّة اكتساب هذه السمة. فبالرغم من أنّ بعض الأشخاص يتمتّعون بالجاذبية بالفطرة، إلّا أنّه ثمّة العديد من الخطوات السهلة التي من شأنها أن تساعدك على تعزيز جاذبيتك واستخدامها لصالحك.

 

أهمية الجاذبية:

إنّ التحلّي بالجاذبية ليس مهارة تقتصر على العاملين في مجال المبيعات فحسب، فقد تستفيدين من الصفات التي تميّز الشخصية الجذّابة في حياتك اليومية. كما أنّ التسلّح ببعض سمات الجاذبية الأساسية مثل الثقة بالنفس، وحسن الإصغاء، وإجادة لغة الجسد، قد يساعدك على لفت أنظار الآخرين والتأثير فيهم بغض النظر عن الظروف.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الجاذبية مفيدة للغاية في المواقع القيادية، سواء كنت تنتمين إلى لجنة مدرسية لجمع التبرّعات أو تديرين مشروعاً ضخماً. وترى ويندي جوكوم، الخبيرة في شؤون القيادة والتواصل، أنّ الكاريزما جزء لا يتجزأ من الصفات القيادية بغض النظر عن شخصيّة الفرد وأسلوبه في إدارة الأمور.

وقد تعني كلمة الجاذبية أشياء مختلفة، فإنّ أخذنا بعين الاعتبار شخصيّتين قياديتين مثل نيلسون مانديلا وريتشارد برانسون، لوجدنا أنّهما يتمتّعان بالكاريزما، لكن بطريقتين مختلفتين. إذ أنّ الكاريزما هي عبارة عن الصفات الفريدة التي تميّز شخصاً ما كالقوّة والتواضع أو أيّ ميزة أخرى تخوّله التأثير في الآخرين وإلهامهم.

 

وصفة الجاذبية:

تقول كلير هال، المستشارة في الأمور الحياتية، إنّ الثقة بالنفس هي جوهر الجاذبية، إذ أنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بالكاريزما غالباً ما يكونون واثقين من أنفسهم ومرتاحين في تصرّفاتهم، ما يُشعر الآخرين بالراحة في حضورهم.

وتنصحك هال بأن تختاري شخصية تتمتّع بالكاريزما كخطوة أولى لتنمية هذه الصفة لديك. ويمكنك طبعاً اختيار شخصيّة مشهورة، لكن حاولي أن تنتقي شخصاً تعرفينه لأنّه سيشكّل مثالاً حقيقياً وملموساً بالنسبة إليك، ثمّ قومي بمراقبة طريقة تصرّفه وتواصله مع الآخرين. وستلاحظين أنّ أصحاب الشخصيات اللافتة غالباً ما يكونون مستمعين جيِّدين، إذ تُعتبر صفة الإصغاء من المقوّمات الثلاث الرئيسة للتحلي بالكاريزما وفقاً لرونالد ريجيو، الأستاذ الأميركي المحاضر في جامعة "كليرمونت ماك كينا"، والذي يُعتبر من الباحثين القلائل الذين شدّدوا على أهمية هذه الصفة غير الملموسة.

وتقول هال، إنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بالكاريزما لا يتباهون بشخصياتهم اللافتة طوال الوقت، بل يتيحون للآخرين فرصة التحدّث عن أنفسهم من دون أن يبدوا آراءهم الخاصّة على الدوام.

أمّا الصفتان الأخريان الأساسيّتان للتمتّع بالجاذبية أو الكاريزما بحسب ريجيو، فهما القدرة على تحريك المشاعر وتجييشها بسهولة تامّة، والقدرة على التأقلم بحنكة مع مختلف المجموعات والأجواء.

ويقول ريجيو إنّ هذه الصفات الثلاث تظهر بوضوح عند الشخصيات التي تتمتّع بالجاذبية من خلال لغة الجسد. لذا انتبهي جيداً إلى كيفية تفاعل الشخص الذي يتمتّع بالكاريزما مع الآخرين عند إصغائه إليهم، إذ ينخرط في المحادثة ويُظهر اهتماماً بما يُقال، فيومئ برأسه ويبتسم ويشجّع الشخص الآخر من خلال استخدام بعض العبارات مثل "نعم" و"بالطبع". ويُعتبر تقليد لغة الجسد التي يستخدمها الشخص الآخر وحركاته من أصعب المهارات التي يتقنها الشخص الذي يتمتّع بالكاريزما.

وتؤكّد هال أنّ التقليد الدقيق لحركات جسم الشخص الذي تتكلّمين معه يُعتبر من المقوّمات الرئيسية للتمتّع بشخصيّة جذّابة، إذ يساعدك على التواصل مع الشخص الآخر والانسجام معه، فينشأ رابط مميّز بينكما.

كما تُعدّ الإيجابية والابتسامة الحقيقية الدافئة من الميزات الجوهرية للشخصية الجذّابة، لأنّها تعبّر عن مدى ارتياحك وانفتاحك على الآخرين واستعدادك للاندماج في بيئتهم. كما أنّ هذه السمات تُشعر الآخرين على الفور بالراحة في حضورك، وتجعلهم يرغبون في قضاء الوقت معك. وتشدّد جوكوم على أنّ احترام الآخرين والتعاطف معهم والإصغاء إليهم والنظر إلى الأمور من وجهة نظرهم تُعتبر جميعها من الخصائص التي تجعل الآخرين يرغبون في الاستماع إليك.

 

طريقة التطبيق:

بعد أن تعرّفت إلى المبادئ الأساسية للتحلّي بالكاريزما والجاذبية، كيف يمكنك استخدام هذه المهارات من دون أن يبدو الأمر كما لو أنّك تحاولين بجهد، ومن دون أن تظهري كإنسانة متصنّعة ومتباهية؟ سيكون من الصعب في البداية أن تتذكّري كافّة الصفات الأساسية التي ستساعدك على جذب أنظار الآخرين والاستحواذ على اهتمامهم إذ يتطلّب تكوين الشخصية الجذابة الكثير من التمرين. لذا جرّبي أوّلاً بعض التقنيات مع صديقاتك وقريباتك، كالانخراط بدهاء معهنّ في المحادثة والانتباه إلى ردّات أفعالهنّ. وفي حال وجدت نفسك في موقف حقيقي، سيكون من المفيد أن تستعيني بصفات الشخصية التي تتمتّع بالكاريزما والتي تحاولين الاحتذاء بها من دون أن يتعارض ذلك مع شخصيّتك الطبيعية. فعلى سبيل المثال، إن كنت شخصيّة خجولة، يمكنك أن تبدأي بالتحدّث إلى شخص جديد لأنّك لن تشعري بالارتياح إن بادرت على الفور بالتصرّف كما لو أنّك محور الاهتمام. وتذكّري أنّه بالرغم من أهمية الاستمرار في تطوير مهاراتك، إلّا أنّه من الضروري أن تتصرّفي على سجيّتك وأن تكوني طبيعية وصادقة. وهذا ما تصفه هال بالتفرّد والأصالة، إذ أنّ الناس ينجذبون إلى الشخص الحقيقي وغير المصطنع. كما أنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بالكاريزما يعرفون طبيعة شخصيّاتهم جيداً وهم متصالحون مع أنفسهم، ويدركون جيداً غاياتهم. وبالرغم من أنّ بعض الأشخاص يُبدون حذرهم من أن يسيء الآخرون تفسير ثقتهم بأنفسهم ويعتبرونها نوعاً من الغرور والغطرسة، إلّا أنّ الثقة بالنفس والتحلّي بالجاذبية لا يعنيان بالضرورة أنّ الآخرين سيعتبرونك إنسانة متذاكية. فإن كنت فعلاً تهتمين بتنمية صفة الجاذبية في شخصيتك، من المستحيل أن يُفسّر الآخرون مجهودك على أنّه تكبّر.

 

وفي حال بدأت تلمسين نتائج إيجابية من استعمال مهارات الجاذبية، عليك ألّا تبالغي في محاولة سرقة الأضواء ذلك أنّ التباهي يُظهرك كشخص بغيض ويُبعد الناس عنك. لذا حاولي أن تتقرّبي من الآخرين وأن تشاركيهم أفكارك.

جاذبية علميّة:

هل يعتمد مقياس الجاذبية على نظرتك الشخصية؟ إذ قد تجدين أحياناً أنّ شخصاً ما يتمتّع بشخصية لافتة في الوقت الذي لا ترى فيه صديقتك أيّ صفة مميزة! ليس وفقاً للخبير الأميركي أليكس بينتلند، المختصّ في علوم الكومبيوتر، فقد اخترع جهازاً يمكنه اكتشاف الإشارات التي تدلّ على الشخصية الجذّابة وقياس مدى فعالية هذه الإشارات أثناء استخدامها. ويوازي حجم هذا الجهاز الثوري حجم هاتف الـ"آي فون"، وهو يضمّ نظام استشعار بالأشعة ما دون الحمراء ومذياعاً صغيراً لتعقّب أنماط الأحاديث وحركات الجسم، كما يمكنه دراسة عنصر التفرّد الذي يميّز الشخصية الجذّابة. وقد وجدت دراسات استخدمت هذا الجهاز، أنّ الأشخاص الذين يستعملون لا شعورياً الحركات والتعابير التي يربطها الباحثون بالكاريزما، هم أكثر نجاحاً في التعبير عن رأي ما، أو تقديم فكرة عمل جديدة، أو التفاوض للحصول على علاوة.

ارسال التعليق

Top