• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

زوج عصبي صائم وزوجة مسرفة

رنا إبراهيم

زوج عصبي صائم وزوجة مسرفة

من المفترض أن تغلب صبغة الألفة والمحبة والرحمة على شهر رمضان المبارك، لاسيّما على أجواء العائلة المسلمة، وأن يكون الشهر الفضيل بلسماً يستثمره كلا الزوجين في محاولة لتحسين علاقتهما بالتودد والألفة والتسامح، ولكن أضحى شهر رمضان المبارك في بعض المنازل وكأنه موجة عارمة من الغضب والصراع العدائي، فالزوج عصبي المزاج، والزوجة مبذرة ومسرفة وغير مبالية وترهق زوجها بطلباتها التي لا تنتهي. عن عصبية "هو" وإسراف "هي" التقينا بعدد من الأزواج والزوجات.

كانت البداية مع أمل الجاموس، وهي متزوجة منذ ثلاثة أشهر فقط، وتعاني عصبية زوجها قبل الإفطار. تقول: زوجي يتسم بشخصية مرحة ومسلية، وهذا ما كنت أظن، ولكني اكتشفت أنّه في رمضان شديد العصبية، حيث يعود عصراً إلى المنزل بمزاج سيئ، وربما السبب الرئيسي لعصبيته هو حرارة الطقس التي لا تطاق، إضافةً إلى طول النهار، لذلك عند عودته إلى المنزل أتجنب الحديث معه، حتى لا تتطور عصبيته إلى مشكلات زوجية. ولكن بعد الإفطار يعود إلى مزاجه الذي اعتدته. وتقول أمل إنّ زوجها في إجازة نهاية الأسبوع ينهي يوم صيامه بمزاج جيد على العكس من أيام العمل، لذلك تتجنب في غير الإجازة دعوة أهلها وأصدقائها إلى الإفطار، أو قبول الدعوات منهم، تجنباً لأي ردة فعل غير متوقعة من زوجها!

من جانبه يقول سامر البحصي: في رمضان أحاول نوعاً من التظاهر بهدوء الأعصاب، ولكن أحياناً أصل إلى درجة الضجر، لاسيما حين تبدأ زوجتي الحديث معي ومناقشتي في بعض الأمور الخاصة بالمنزل والأولاد. وتشتد عصبيتي عند عودتي من العمل، حيث حرارة الطقس والزحام المروري، وهذا بدوره يؤدي إلى التعب والضجر. وبالنسبة إلى زوجتي فهي نوعاً ما مبذرة في أمور المنزل، ولكن هذا الأمر لا يثير عصبيتي كثيراً، كونها تعمل وتنفق من راتبها الخاص على التزاماتها، ونحن في النهاية متفقان على ميزانية المنزل.

 

زوجي بركان!

"زوجي عصبي الطباع، وفي رمضان هو بركان".. هكذا تصف إلينا مزاج زوجها في شهر الصيام، وتقول: زوجي عصبي المزاج في الحياة العادية ولكنه طيب، وفي رمضان تزداد عصبيته منذ الساعات الأولى من الصيام كونه مدخناً، وهذا بدوره يؤدي إلى "نرفزته" لأتفه الأسباب. وأتذكر أنّه في رمضان الماضي، حيث كان أوّل رمضان نقضيه معاً، خفت عليه كثيراً لأنّه وصل إلى درجة الصراخ لأقل الأسباب، لاسيّما حين يعود من عمله، ما أدى إلى تفاقم المشكلات بيننا، لذلك نصحته هذا العام بأخذ إجازة من العمل، ولكن لم يختلف الأمر كثيراً، حيث مازال متمسكاً بمزاجه السيئ وضيق الصدر قبل الإفطار. من جانبه، يقول زوجها حازم إبراهيم إنّه لا يستطيع السيطرة على أعصابه في رمضان، وخاصةً في الساعات الأخيرة من اليوم الطويل، لذلك يتجنب الحديث مع زوجته في تلك الأثناء، وإذا طلبت منه إحضار شيء للمنزل فإنّه يعتذر.. يقول: زوجتي ليست مسرفة، ولكن تظهر إسرافها عند دعوة الأهل والأصدقاء، هنا تبدأ طلباتها التي لا تنتهي؛ ما يؤدي إلى تعكير مزاجي، وأكثر شيء يضايقني هو طلباتها التي تأتي في وقت متأخر، لذلك نصحتها عدة مرات بضرورة تحديد طلباتها قبل موعد "العزومة" بأيام.

 

حماتي سبب مأساتي!

مهند عوض، عريس جديد، يقول إنّ زوجته مسرفة في جميع الأحوال، وشهر رمضان زادها إسرافاً كونها لا تطبخ في المنزل، وتعتمد على أكل المطاعم وطبخ والدتها. في المقابل تعمل على شراء الحلويات والهدايا لوالدتها كونها يومياً تجهز لنا طعام الإفطار، وهذا بدوره يشكّل عليه ضغطاً مادياً ونفسياً، ويقول: مشكلاتنا في رمضان لا تنتهي يومياً، بسبب سوء إدارة زوجتي لميزانية المنزل، فمنذ الأيام الأولى من رمضان وأنا مثل ماكينة السحب الآلي وسائق التاكسي، أصطحب زوجتي إلى المطاعم، وأوصلها إلى أفخم محال الحلويات والهدايا من أجل إحضار ما طاب لها ولوالدتها، تعويضاً عن طعام الإفطار الذي تطبخه لنا.

بينما يعاني فادي محمّد في فترة صيامه الصداع الدائم، وهذا الأمر ينعكس على حالته العصبية.. يقول: أنا مصاب بالشقيقة، وهو مرض يلازمني يومياً في فترة الصيام، لذلك أعترف بأني "أعصّب" لأقل الأسباب. أما بالنسبة إلى زوجتي فهي فعلاً مسرفة إلى أبعد الحدود، ولكن طلباتها تبدأ بعد الإفطار، كونها متفهمة لطبيعة مزاجي الصعب. وعلى رغم ذلك تزعجني طلباتها، وتجعلني أصاب بالصداع والعصبية من جديد.. يضيف فادي: طلبات زوجتي لا تنتهي، فهي "تتلكك" كلّ يوم بطلب جديد، فتارةً تريد الذهاب إلى السوبرماركت، وتارةً أخرى لشراء ملابس العيد، عدا بحثها الدائم عن البازارات التي تقام في رمضان، ففي مساء كلّ يوم تخلق مشواراً للتسوق!

 

فن التعامل مع الزوج العصبي:

يقدِّم الخبير التنموي عبدالله العطر، استراتيجية التعامل مع الزوج العصبي.. يقول: يجب ألا نعود أنفسنا تظليل المظاهر السلبية للسلوك؛ بمعنى إذا كان الزوج عصبياً فعلى الزوجة عدم إهمال عصبيته، لأنّ إهمالها يزيد منها ويضاعفها، لذلك على الزوجة تجهيز رسالة للرد عليه، فمن الممكن أن تؤخر الزوجة ردة فعلها، ولكن حذار من إهمال عصبية الزوج، لأنّ الجهاز العصبي سوف يستمر في تخزين ردة الفعل، ومن الممكن أن يتسبب أدنى خطأ في تحويل العصبية إلى "مصيدة للأخطاء"، لذلك على الزوجة تحديد الرسالة الواردة من العصبية، ومنها محاولة تعديل عصبية أو مزاج زوجها، وذلك بالرد على رسالته برسالة مقابلة بمستوى أقل منها حدة.

 

الإسراف سبب رئيسي للعصبية:

يؤكِّد الدكتور يوسف شراب أنّ تبذير المرأة وإسرافها في الشهر الفضيل، من أهم أسباب عصبية الرجل، ويقول: على الزوجة أن تكون مقدرة ومتفهمة لطبيعة مزاج زوجها في رمضان، وأن تكون على وعي بأسباب عصبيته، وأن تلتمس له الأعذار، وتبدأ بنفسها؛ فإما تأجيل شراء احتياجاتها، أو التقليل من كمية الشراء، أو التنازل عن شراء السلع الباهظة الثمن. والمرأة القنوع هي التي تخطط لميزانية منزلها مع زوجها، حيث تبدأ تحديد الاحتياجات وفقاً لأولويات معينة، ويجب عليها عدم إثقال ميزانية الزوج بأكثر من أمر، كشراء احتياجات رمضان والعيد في الوقت نفسه.

 

أسباب عصبية الأزواج:

يشير الدكتور يوسف محمّد شراب، المتخصص في علم الاجتماع بمركز دعم اتخاذ القرار في القيادة العامة لشرطة دبي، إلى أنّ رمضان هو شهر الهدى والتقى والإيمان ومكارم الأخلاق، والعصبية ليست لها علاقة برمضان، ولكنها صفة مفتعلة ويجب عدم ربطها بشهر رمضان. ويحدد أسباب عصبية الأزواج في رمضان في عدة نقاط، وهي:

-         قد يفاجأ بعض الأزواج بطلبات نسائهنّ خلال الشهر الفضيل، وبعضهم إمكاناتهم المادية لا تسمح بالإسراف، وهذا بدوره يؤدي إلى العصبية.

-         عدم التفاهم بين الزوجين على أمور عامة وأخرى أيضاً مرتبطة بالأحوال المادية؛ ما يجعل الزوج شديد العصبية.

-         طبيعة شهر رمضان في فصل الصيف، وما يقابله من حرارة الطقس وطول ساعات النهار.

-         عدم أخذ الوقت الكافي من النوم.

-         ضغوط العمل والزحام المروري.

-         التدخين له دور مؤثر في مزاج الرجل، كون الجسم يكون قد تعود وجود كمية معينة من النيكوتين في الدم.

 

لماذا هن مبذرات؟

سؤال يجيب عنه الخبير التنموي عبدالله العطر، فيقول: وراء كلّ سلوك سلبي مجموعة من الرسائل، فإذا كان إسراف الزوجة مرتبطاً بحدث، كتفكير الرجل في الزواج بأخرى، فهو سلوك مؤقت. أما إذا كان عادة في نفس الزوجة، فهنا على الزوج اتخاذ التدابير اللازمة لصد إسرافها، ومن ذلك تحديد مبلغ محدد لمصروف الشهر. وعلى الزوج أيضاً أن يكون قدوة في الإنفاق، حتى تتشبه به الزوجة وتقلده، وأن يقدم للزوجة أسباب الاعتدال والإدخار في الدخل المادي، وأن يربطه ذلك بحلم مستقبلي يعود بالفائدة على الجميع، كشراء منزل، أو من أجل تعليم الأبناء، وغير ذلك.

ويضيف: الإسراف في شهر رمضان غالباً ما يكون مرتبطاً بشراء الطعام، وغالباً ما تكون الزوجة معذورة في ذلك، كونها لا تعرف ذوق الرجل على مائدة الإفطار، فتضطر إلى طبخ أصناف متعددة، لذلك على الزوج إخبارها بأصناف الطعام التي يفضلها. في المقابل تعمل بعض الزوجات، حتى وإن حدد الزوج نوع الطعام، على طبخ كميات كبيرة منه، وهذا بحد ذاته يعتبر إسرافاً ويؤدي إلى عصبية الزوج.

 

ارسال التعليق

Top