الزوج: أعجبتني العروس من حيث الشكل، لكن عروسي كانت تحتاج إلى عمل كثير من حيث المضمون. وهذا يعني أنني عازم على أخذ عجينة خام لكي أتولى تشكيلها بنفسي. وقد لا تكون خاماً، لكنني كفيل بأن أصوغها وفق القالب الذي يناسبني. إنّ من الصعب، في أيامنا هذه، أن يقع الرجل على فتاة مغمضة العينين، لم تجلس في صفوف التلفزيون، ولم تمتلك جوالاً، ولم تتواصل مع الدنيا عبر "الأنترنت". لا بأس. إنها معارف قد تكون مفيدة وخبرات تسلحها تسليحاً ضرورياً. لكن توجيه تلك الخبرات وفق مزاجي وحصرها ضمن الحدود التي تروق لي.. هو مهمتي.
والحقيقة أنّ العروس لم تتمرد على محاولات قصقصة الريش الزائد في جناحيها. لقد اقتنعت بي وبأفكاري، أو هكذا بدا عليها، لكنني مازلت غير واثق بهزة الرأس التي تقول نعم، والعينين اللتين تقولان غير ذلك. والأمر الوحيد الذي أثق به هو أنني كنت ساذجاً حين تصورت أنني سأتزوج بساذجة. إنّ زوجتي تخفي ذكاء غير منظور وقدرة كبيرة على التلاءم والمسايرة. وهي ليست بالمرأة التي يمكن للرجل أن يشتري عقلها بالكلام المنمق أو الهدايا الثمينة أو الوعود الخلابة.
هل تعرفون تلك الوسائد الملونة الناعمة التي يبيعونها في متاجر العناية بالصحة وسلامة العمود الفقري؟ إنّ زوجتي تشبه تلك الوسادة الوردية التي تأخذ شكل الرأس الذي يوضع عليها أو المرفق الذي يستند إليها.. وسادة ناعمة ومريحة ومطواع، لكنها تتمدد وتعود إلى شكلها الأول حالما ترفع رأسك عنها. لذلك فأنا حائر معها، لأنها في الوقت ذاته مريحة وصلبة. بل في مخاتلة بحيث إنها لا تترك لي فرصة للقبض على هفوة من هفواتها أو انتقاد تقصير منها. لقد وقعت على زوجة تقوم بدورها على أكمل وجه وتعتني بنفسها وزوجها وبيتها لكنها لا تعود، في آخر النهار، إلى القمقم الذي أتمنى لو أحبسها فيه. ولن أزعم أنها مثل مارد خرج إلى النور وبات من الصعب حبسه من جديد. فأنا عندما عرفت زوجتي لم أجد أمامي مارداً حبيس قمقم، بل امرأة شابة مرتاحة داخل محيطها الاجتماعي ولا تعاني مشكلات نفسية: كائن حر لا جارية.
لا أفهم نفسي ولا أدري لماذا أشعر بغصة من تعرض لخدعة غامضة. إن زوجتي لا تخرج عن طوعي. لكنها، مع هذا، تغيظني بشخصيتها المكتملة التي لا تحتاج إلى لمساتي.
الزوجة: كان شرطي، قبل الموافقة على ارتباطي بزوجي، أن أجلس معه جلسة طويلة في بيت أهلي لكي أتعرف إلى شخصيته وأعرف أي نوع من الرجال هو. لقد تقدم لخطبتي أخرون، ولم أتراجع عن هذا الشرط مع أي منهم، مع فارق وحيد هو أنّ زوجي نجح في امتحان المقابلة الشفهية. لقد أعجتني صلابته وثقته بنفسه، لكنني شعرت بأنه، طوال الجلسة، كان يتأمل مظهري وكأنني عارضة أزياء يطمئن على مقاساتها وطولها ولون عينيها. لقد طرحت عليه عشرات الأسئلة من دون أن يسألني سؤالاً واحداً. لم يكن مهتماً بأن يعرف أفكاري.. فقد أعجبته البضاعة وراقت له مواصفاتها والباقي لا يهم. لا شك في أنه قال لنفسه: "سأربيها كما أشاء بعد الزواج".
لم أكن ضد أن يربيني. فقد أحببته منذ ذلك اللقاء الأول، وشعرت بأنني سأكون في مأمن معه. أما حبه للسيطرة ورغبته في الترويض فهما أفضل من الاقتران برجل ينحني أمامي ويسلمني قيادة. لذلك اجتهدت في أن أكون الزوجة المثالية التي تلبي طلباته وتهتم به وببيته وتراعي أحواله المالية وظروف أعماله. وكنت أتوقع أن يكون زوجي سعيداً بالمجهود الذي أبذله لكي أكون جديرة به. لكنني أشعر بأنّ زوجي لا يحب المفاجآت ولا المبادرات ويريد أن يكتب وحده سيناريو الفيلم، من المشهد الأول حتى كلمة "النهاية".
لم يفرح لأنني أجيد الحديث في المجتمعات ويمكنني، عند الحاجة، أن أعبر عن نفسي بلغة إنجليزية سليمة. وعندما سافرنا في شهر العسل، كان يتضايق حين أطلب شيئاً من نادل المطعم أو موظفة الاستقبال في الفندق، ويتصور تلك الأمور البسيطة نوعاً من التجاوز له، وعليّ أن أطلب كلّ شيء منه، وهو ينقل طلباتي ورغباتي إلى الآخرين. لقد أرادني خرساء لا تفك الحرف لكي يعلمها الكلام مثل طفلة تحبو وتنتظر أن يمد لها يده لكي تنهض واقفة.
مشكلة زوجي أنه تزوجني واقفة. ومشكلتي أنني لم أبرع في تمثيل دور المقعدة ولا الخرساء. إنه دور لا أحبه ولا يليق بي. مع هذا أبذل ما أستطيع لكي أترك له دفة القيادة، مادام ذلك يسعده. لا أريد أن أفشل في إسعاد الرجل الذي اخترت الاقتران به عن اقتناع. ليته يمنحني بعض الثقة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق