• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

غذاؤك.. يؤثر في صحة جنينك

أسرة البلاغ

غذاؤك.. يؤثر في صحة جنينك

    يجمع الأطباء والمتخصصون على أن وضع الأُم أثناء الحمل، صحيّاً ونفسيّاً ومعنويّاً، ينعكس لاحقاً على وضع الطفل الصحي، وأيضاً الذهني والعقلي. وبما أنّ الغذاء أول دواء، تكتسب تغذيتك، سيدتي، أهمية كبرى أثناء الحمل. لكن، ما هي التأثيرات الحقيقية للإكثار من تناول الأسماك؟

    في الواقع، لا تبدأ أهمية تغذية الأُم مع بدء الحمل، ولا تنتهي بعد الولادة. فهي مهمة قبل الحمل أيضاً، وتظل كذلك بعده. لكنها، أثناء تلك الأشهر التسعة الحاسمة، تكون أكثر أهمية بشكل مباشر، وأشد تأثيراً في صحة الطفل، منذ ولادته وحتى لاحقاً. لذا، ينبغي إيلاء التغذية عناية كبيرة أثناء تلك الفترة، تفادياً لما قد يضر بسلامة الطفل، بدنياً وذهنياً.

    - دراسة دنماركية واسعة:

    لسنا هنا في صدد إجراء جرد شامل عن كل التفاصيل المتعلقة بأنواع التغذية أثناء الحمل، إنّما نتطرق إلى موضوع أثير مؤخراً: ما التأثير الحقيقي لتناول الأسماك أثناء الحمل؟ فمن بين البحوث الأخيرة في هذا الشأن، يشار إلى دراسة أجريت في الدنمارك عن فوائد الأسماك أثناء فترة الحمل. فالدراسة شملت زهاء 9 آلاف إمرأة حامل، من بينهنّ مجموعة نساء لم يتناولن، طوعاً، أسماكاً وأغذية بحر أثناء حملهنّ، ومجموعة أخرى من نساء معتادات على ذلك النوع من الغذاء، الغني بالسمك بالدرجة الأولى، وبأغذية البحر والرخويات بالدرجة الثانية. وقسمت كل من المجموعتين أيضاً إلى صنفين ثانويين، بحسب كثرة تناول تلك الأغذية، أو على العكس قلة تناولها، أو الإمتناع عنها تماماً.

    تبين أنّ الإمتناع عن السمك أثناء الحمل يشكل أهم عوامل:

    - الإسقاط.

    - الولادة المبكرة.

    - تأخر نمو الجنين.

    فمن بين أولئك اللائي لا يأكلن الأسماك بتاتاً، حصلت حالات ولادة سابقة لأوانها بنسبة 7.1 في المئة، بينما قلت النسبة إلى 1.9 في المئة عند الحوامل اللائي يتناولن السمك ما لا يقل عن مرة واحدة في الأسبوع، و0.8 في المئة لمن يتناولنه بضع مرّات في الأسبوع.

    - المستشفى اللندني ومؤسسه الفرنسي:

    وفي الدراسة، أخذ في عين الإعتبار عدم وجود عوامل أخرى من تلك التي تفاقم حالات الإسقاط والولادة المبكرة (مثل التدخين وتناول الكحول، اللذين كانا موضع دراسة أخرى، موازية، أثبتت أنهما أشد مصيبتين وطأة للحامل، ولهما تأثيرات سلبية تفوق بكثير مجرد الإمتناع عن أكل الأسماك). كما ينبغي الإشارة إلى أنّ السلوك الغذائي لأولئك النسوة الحوامل، المشمولات بالدراسة، كان أصلاً موجوداً على ذلك النحو، قبل الحمل، بمعنى آخر أنهنّ لم يرغمن على نهج أي منهج غذائي معيّن، إنما طرحت عليهنّ أسئلة لمعرفة عاداتهنّ الغذائية، بما فيها وتيرة تناول الأسماك.

    على الرغم من المؤشرات الإحصائية الواضحة المذكورة أعلاه، كانت دراسات أخرى، أجريت في بلدان أوروبية أخرى أظهرت نتائج مختلفة تماماً فبين العامين 1991 و1992، أجرى البروفيسور الفرنسي ميشيل أودان، المتخصص في التوليد والأمراض النسائية، بحثاً في مستشفاه "ويبس كروس هوسبيتال"، الذي أسسه في لندن. وشمل البحث 500 إمرأة في بدايات أسابيع الحمل، طلب منهنّ الإكثار من تناول الأسماك أثناء الحمل. وتمّ توكيد الدراسة بدراسات أخرى، أنجزت في المدينة الطبية الجامعية لمدينة "رين" (شمال غرب فرنسا)، وفي عيادة توليد معروفة في هولندا، ومستشفى لندني آخر.

    - احذري الأسماك الكبيرة:

    ومن الدراسات الأربع كلها، مجتمعة، تبيّن أن تناول الأُم الأسماك أثناء حملها ليس ذا أثر كبير، لا سلباً ولا إيجاباً. وظهر أيضاً أنّ الشيء الوحيد الملحوظ يتمثل في فارق طفيف جدّاً لمحيط جمجمة الطفل: 34.65 سنتيمتر (كمعدل) لمولودي آكلات السمك، مقابل 34.45 سنتيمتر (كمعدل) لمن ولدتهم أُمّهات لا يتناولن السمك.

    فهل يعني ذلك أن استنتاجات الدراسات الأربع متناقضة مع الدراسة المشار إليها سابقاً، نعني تلك التي أجريت مؤخراً في الدنمارك؟ على هذا السؤال، يرد البروفيسور ميشيل أودان نفسه بالقول: "كلا، ليس ثمة تناقض. فدراستهم صحيحة أيضاً، مع فارق واحد كبير: هو أنّ الدنماركيات معتادات على تناول السمك بانتظام بشكل عام، حتى قبل الحمل، فذلك جزء من العادات الغذائية في بلادهنّ. أمّا الفرنسيات والبريطانيات، فلسن متعودات على تناول الأسماك وأغذية البحر إلا من وقت إلى آخر، وفي مناسبات معيّنة، إذ لا يدخل تناول السمك في العادات الغذائية العامة، لاسيما في المدن الكبرى غير المطلة على البحر".

    يُستنتج من ذلك أن تغذية الأُم الشاملة، وليس فقط أثناء الحمل، هي الأكثر أهمية وتأثيراً في صحة الوليد الجديد.

    على صعيد آخر، لا يندر أن يحذر الإختصاصيون من تناول الأسماك الكبيرة. فمثلاً، في 2002، أصدرت "الوكالة الفرنسية للأمن الغذائي" مرسوماً يحذر الحوامل، وأيضاً الأُمّهات المرضعات، من مضار الأسماك كبيرة الحجم (مثل التونة، وسمك "أبو سيف" وسمك "المرجان المذهب" وسمك القرش، وأي سمكة كبيرة الحجم). ففي رأي متخصصي علوم البحار، من المنطقي الظن أنّ الأسماك الكبيرة تضم مواد ملوِّثة وسامّة (بسبب تزايد تلوث البحار) أكثر من الأسماك الصغيرة، ما ينعكس على صحة الإنسان، وبشكل خاص الأُمّهات الحوامل والمرضعات. ويستند ذلك الإستنتاج إلى تبريرين اثنين:

    أوّلاً: الأسماك الكبيرة أطول عمراً من الصغيرة، بالتالي تمتص المواد الملوِّثة المحلولة في مياه البحر لفترة أطول.

    ثانياً: تركيز المواد السامة والملوِّثة أعلى في لحم الأسماك الكبيرة بما أنّ هذه الأخيرة تبتلع الأسماك الأصغر منها، ومعها، في الوقت نفسه، ما التهمته تلك الأسماك الصغيرة من ملوِّثات وسموم. بعبارة أخرى، تحمل الأسماك الكبيرة سمومها وسموم الأسماك الأصغر في آن.

    - مرضان خطيران:

    إذن، بحسب تلك الدراسات والتحذيرات، إن أردت، سيدتي، لوليدك الجديد، مستقبلاً، أن يكون على صحة وعافية، فعليك الإكثار من تناول السمك من الآن، قبل التفكير في الحمل نفسه، وعليك أيضاً تفادي الأسماك الكبيرة، والإكتفاء بأسماك صغيرة أو متوسطة الحجم (مثل الهامور والسردين والزبيدي وسلطان إبراهيم، وما إلى ذلك).

    في الأحوال كلها، عدا عن الأسماك، ثمّة نصائح عامة تخص التغذية أثناء الحمل. فبعض الأغذية غير محبذة في تلك الفترة، ويمكن أن تسبب أمراضاً سُمِّية، أو تنقل مرضين خطيرين، يصيبان الحوامل، وهما: "داء المصورات الذيفانية" (بالإنجليزية toxoplasmosis وبالفرنسية toxoplasmose)، الذي تنقله عادة الحيوانات الأليفة ذات الشعر (مثل القطط والكلاب والأرانب)، و"داء ليستيريا Listeria" (المسمى أحياناً "داء الليستريات" أو "مرض الدوران"، بالفرنسية Listeriose)، وهو مرض جرثومي، ينتقل عبر الأغذية، ويصيب الحوامل، مؤدياً إلى أمراض أخرى (مثل داء ذات السحايا، وداء تعفن الدم)، ما يؤثر في سلامة الجنين، وأحياناً يهدد حياته.

    - نصائح عامة:

    تفادياً لتلك الأمراض، تُنصح المرأة الحامل بما يأتي:

    - تناول اللحوم مطبوخة طبخاً جيِّداً.

    - الإمتناع عن الأغذية النيئة، مثل سمك السالمون المدخَّن والكبة النيئة، والـ"سوشي" والـ"ساشيمي" (أكلات يابانية يدخل في تحضيرها السمك غير المطبوخ)، وأي مأكولات أخرى تضم لحوماً أو أسماكاً غير مطبوخة، وأجباناً مصنوعة من حليب غير مبستر.

    - نزع قشرة أنواع الأجبان التي تحتوي على قشرة.

    بطبيعة الحال، مثلما أشرنا إليه، لم تغفل الدراسات التطرق إلى موضوع المضار الجمة على صحة الجنين المتأتية من تدخين الحامل أو وشربها الكحول. وتثبت تلك الدراسات أن حالات الإسقاط عند المدخنات أو شارابات الكحول تتضاعف عشر مرات. كما لوحظ أن معدلات أطوال المولودين من أُمّهات يتعاطين التدخين أو الشرب، وأوزانهم، متدنية بشكل ملحوظ عن معدلات الأطوال والأوزان للأولاد من أُمّهات يمتنعن عن ذلك. في الأحوال كلها، فإنها حالات تنطبق على المجتمعات المعنية بتلك الدراسات، وليس مجتمعات منطقتنا، حيث ظاهرة التدخين أو الشرب، أو كلتاهما، شبه منعدمتين عند السيدات.

    إلى ذلك، تعدُّ القهوة من المشروبات الواجب نبذها أثناء الحمل. فمثلاً، ثبت من دراسة أجراها فريق من جامعة ميلانو (في إيطاليا)، يترأسه البروفيسور جانكارلو فراتيليني، أن تناول الحامل القهوة يرفع إحتمالات إسقاط الجنين ثلاث مرّات. لكن، حتى الآن، لم تجرَ دراسة جادة لمعرفة آلية تأثير الكافيين في نمو الجنين، إنّما يكتفي المتخصصون بملاحظة أنّ القهوة تؤثر سلباً في سلامة الجنين، من دون التوصل إلى إيجاد كيفية تولد ذلك التأثير.

ارسال التعليق

Top