لعل أبرز الأمراض التي تصيب النساء، بعد توقّف الحيض، هو ترقّق العظام الذي اتّخذ في السنوات الأخيرة قدراً كبيراً من إهتمام العلماء والجسم الطبي، مما يشير إلى أنّه مشكلة عالمية من الناحيتين الطبية والإقتصادية. وهو نقص تدريجي في الأملاح المعدنية والكالسيوم في العظام، يترافق مع توقّف الحيض والتقدّم في السن، ما يؤدّي إلى فقد نسيجها وبنيانها، فتغدو هشّة رقيقة تسهل إصابتها بالكسور، وذلك لدى تعرّض المرأة لسقوط أو إنزلاق بسيط.
تشير الإحصائيات إلى أنّ المرأة يمكن أن تفقد لغاية 20% من كثافة عظامها خلال السنوات السبع الأولى التي تلي مرحلة توقّف الحيض. ولسوء الحظ، لا يمكن إعادة بناء ما فقد من نسيج العظام! فضلاً عن ذلك، يتقوّس العمود الفقري مع مرور الزمن وتقصر قامة المرأة أحياناً بحدود 10 إلى 20 سنتيمتراً، ويختلّ التوازن في طول الأطراف والصدر، مع ما يرافق هذه الحالة من أوجاع متنقّلة في عظام الجسم ومفاصله وظهور انحناءات إجبارية في السير أو الجلوس، ممّا يفقد المرأة أحياناً توازنها في السير. ويعرّض فقدان هذا التوازن المسنّات بكثرة إلى كسور في الورك، بالإضافة إلى كسور أخرى، ويسبّب لهنّ كثيراً من التعقيدات إلى حدّ تعرّض المرأة للإحدوداب أحياناً، وذلك إما نتيجة العمليات الجراحية العظيمة أو تسمّرهنّ في الفراش لأشهر طويلة بدون حراك!
- بالأرقام...
من الصعب تقدير عدد المصابين بهذا المرض في العالم، لأن أعراضه ليست واضحة ولا يمكن تحديدها ما لم يحدث كسر. لذا، أطلق عليه إسم "اللص الصامت". فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية حوالي 250 مليوناً، من بينهم 25 مليوناً على على الأقل مصابين بدرجة معيّنة من ترفّق العظام. ولكن بشكل عام، يلاحظ ما يلي:
* إنّ 4 من بين كل 10 نساء يتعرّضن لكسور في العظام في حياتهنّ بشكل عام، وفي الورك والعمود الفقري بشكل خاص.
* إنّ إمرأةً واحدةً بين اثنتين، ورجلاً من بين كل 5 رجال ممّن تجاوزوا سن الخامسة والستين، معرّضون لكسر في العظام.
* يتعرّض أكثر من 40% من النساء لكسر في الورك بعد بلوغهنّ السبعين من أعمارهنّ وأكثر من 65% بعد بلوغهنّ سن التسعين.
ويكفي إلقاء نظرة على عدد الكسور التي تصاب بها النساء سنوياً في العالم لتقدير أهمية هذه المشكلة من الناحية الإقتصادية على الأقل، وهي كما يلي: في فرنسا 55000 حالة كسر في الورك، وفي إنكلترا 42230 حالة، وفي الولايات المتحدة الأميركية 23000 حالة. ولم تتوافر بين أيدينا إحصاءات عن عدد الكسور عند النساء العربيات المصابات بهذا المرض حتى اليوم!
- النساء أكثر من الرجال:
يصيب ترقّق العظام النساء أكثر من الرجال، لسببين:
1- لأنَّ عظام النساء رقيقة أكثر وأقلّ كثافة من عظام الرجال.
2- لأنّ النساء بعد بلوغهنّ منتصف العمر وإنقطاع الحيض، ينخفض لديهنّ بشكل ذريع إفراز هرمون "الإستروجين"، ما يعدم عملية تخزين مادة الكالسيوم والأملاح المعدنية في العظام.
- التشخيص:
يمكن تشخيص ترقّق العظم عبر قياس كثافة العظم، بواسطة جهاز عضوي (Bone densitometer)، يعمل على الأشعة السينية بمساعدة الكومبيوتر، علماً أن كمية الإشعاع التي يبثّها هذا الجهاز قليلة للغاية وغير ضارّة. ويوصى بقياس كثافة العظام عند المرأة خلال منتصف العمر كل 3 سنوات، حسب قول الإختصاصي في الأمراض النسائية الدكتور سبيرو فاخوري.
- العلاج البديل:
بالمقابل، يشير باحثون إلى أنّ الدمج بين إستعمال دواء يهدف إلى بناء العظام والهرمونات البديلة، يعمل بشكل أفضل على تقوية عظام السيدات المسنات والمعرّضات للإصابة بترقّق العظام، مقارنة مع إستخدام أي منهما بمفرده. وقد شملت دراسة استغرقت 5 سنوات في المركز الطبي في جامعة "بطرسبورج" 373 سيدة تتراوح وأعمارهنّ بين 65 و90 سنة، يعاني ثلثهنّ من المرض المذكور، فيما النسبة الباقية تعاني من أعراض أولية للإصابة. وكتبت نشرة "إتحاد الأطباء الأميركيين" أن كثافة العظام زادت بنسبة أكبر بين اللواتي أعطين دواء "فوزاماكس" مثلاً مقارنة باللواتي تناولن علاجاً بالهرمون، إلا أن أفضل النتائج تحقّقت لمن تلقين العلاجين معاً. وبعد ثلاث سنوات، إزدادت كثافة عظام العمود الفقري بنسبة 12% للواتي أعطين العلاجين معاً. وبشكل عام، يقلِّل هذا الأسلوب العلاجي مخاطر الكسور بنسبة تتراوح بين 8 و10، مقارنة مع إستعمال كل منهما بشكل منفرد. كما أثارت الدراسات والبحوث الصادرة سابقاً، المخاوف من إستعمال الهرمونات البديلة، مشيرة إلى أنّ الإستخدام الطويل الأمد لهذه الهرمونات، يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي والجلطة وأمراض القلب، لكن اتّضح أنّ الهرمونات تقلّل من ترقّق العظام أو تمنع دورها وتقلّل إحتمالات الإصابة بالكسور. وفي هذا الإطار، قالت الطبيبة سوزان جرينسبان التي أعدّت هذه الدراسة بأنّ أكثر المستفيدات من نتائج هذه الأبحاث هنّ من لم يستجبن للمعالجة بأحد الأسلوبين. وأضافت أنّ المجموعة الأخرى المستفيدة، تشمل السيدات اللواتي يعانين من حالة حادّة من ترقّق العظام ويحتجن لتحسّن سريع في أقصر وقت. ويجري البحث حالياً عن إكتشاف طرق جديدة لجبر الكسور لدى المصابات بالمرض.
- للوقاية...
تتلخّص الوقاية من ترقّق العظام، في:
* التعويض الهرموني (الإستروجين) في جرعات ملائمة لإحتياجات المرأة ولسنوات طويلة. وتجدر الإشارة إلى أن هرمون "الإستروجين" لا يعيد كثافة العظام إلى سابق عهدها إذا حدث فيها تغيير وتبديل جذري من ترقّق وفراغ، لكنه يمنع مستقبلاً فقدان مزيد من الكالسيوم والأملاح المعدنية. وهو يؤخذ عن طريق الفم أو التحاميل المهبلية أو لصقات توضع على جلد الذراع أو الفخذ أو بخّاخ في الأنف.
* "مياكلسيك كالسيتونين"، وهي مادة هرمونية تفرزها الغدة الدرقية الموجودة في مقدمة الرقبة، مهمّتها تخزين الفوسفور ومادة الكالسيوم في الجسم، ومراقبة توازنهما.
* "النيدرونات"، وهو مستحضر للوقاية من ترقّق العظام يعمل على زيادة كمية النسيج العظمي.
* الكالسيوم: عنصر معدني فعّال وضروري لبناء وتكوين العظام، يتوافر بكميّات كبيرة في الأجبان والألبان، ويوصف عن طريق الأدوية مع "الفلوران" بمعدل 500 ملليغرام يومياً.
* فيتامين "دي": ضروري للجسم حيث يوصف مع الكالسيوم لمعالجة هذا الداء.
- 5 خطوات هامة:
1- ليكن غذاؤك غنياً بالكالسيوم (الألبان والأجبان والسردين والسمك مع الزيت) للحفاظ على عظام قوية. وفي حال الإصابة بترقّق العظام، يجب أن تزيد كمية الكالسيوم في الوجبات الغذائية من 100 ملليغرام في اليوم إلى 1500 ملليغرام، وذلك من خلال تناول كوب من الحليب الخالي من الدسم وكوبين من اللبن و30 غراماً من الجبن وملعقتين كبيرتين من اللبنة.
2- ممارسة التمرينات الرياضية.
3- الإمتناع عن التدخين، نظراً إلى أنّ هذا الأخير يزيد من مخاطر الإصابة بترقّق العظام، إذ يعمل على زيادة الإضطرابات في الجسم بسبب إنخفاض هرمون "الإستروجين" خلال مرحلة توقّف التبويض، ممّا يعني إزدياد الحالة سوءاً.
4- ممارسة بعض الهوايات تحت أشعّة الشمس.
5- الإبتعاد عن تناول المشروبات الكحولية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق