كارمن العسيلي
يُولَد حوالي 100 ألف طفل مصاب بالثلاسيميا سنوياً في العالم أجمع. ويُعتبر هذا المرض من أكثر الأمراض الوراثية شيوعاً بين الأطفال.
تمكَّن عدد كبير من الدول من القضاء على مرض الثلاسيميا، أو الحد من حالات الإصابة به عن طريق الفحص الطبي قبل الزواج.
فما هو الثلاسيميا؟ هل هو مرض مميت؟ هل ثمة طريقة لتفادي الإصابة به؟ ما طُرق علاجه؟ وهل علاجه مكلف؟ إنها الأسئلة التي يطرحها الأهل عادة لدى سماعهم خبر إصابة أحد أطفالهم بالثلاسيميا.
في الواقع، الثلاسيميا مرض وراثي، أي أنه لا ينتقل إلا عبر الجينات من الأهل إلى الأبناء. ولكي يظهر المرض وتبدأ مضاعفاته، يجب أن يجتمع في جسم الطفل المصاب مورّثان، واحد من الأب وآخر من الأم، يحملان سمة المرض. في حال ورث الطفل مورثاً واحداً، يُقال عندها إنه يحمل مرض الثلاسيميا، أي انّه لن يعاني أعراض المرض ولن يحتاج إلى علاج.
- الأعراض:
الثلاسيميا عبارة عن خلل جيني يؤثر في عملية انتاج الهيموغلوبين، المادة البروتينية الموجودة في كل خلايا كريات الدم الحمراء التي تزود أنسجة الجسم بالأوكسجين. عندما تقل هذه المادة يعاني المصاب من:
- فقر دم.
- تكسر سريع في خلايا الدم الحمراء.
- نقص في كمية الأوكسجين التي تغذي أنسجة الجسم.
الطفل المصاب بالثلاسيميا يظهر طبيعياً عند الولادة ولكن في الأشهر الأولى من العمر تظهر الأعراض التالية:
- شحوب شديد في الجلد مع فقر دم.
- ضعف الشهية.
- قلة الطاقة والنشاط.
- تضخم الطحال.
وإذا لم يعالج بطريقة صحيحة، تظهر بعد ذلك الأعراض التالية:
- التأخر في النمو الجسمي والجنسي.
- بروز ونتوء بعض عظام الوجه.
- هشاشة العظام.
- تجمُّع الحديد في مختلف أنحاء الجسم، وحدوث تلف في عضلة القلب، والكبد والبنكرياس والغدد الصماء في الجسم كافة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ مرض الثلاسيميا لا يؤثر في النمو العقلي والذهني لأولئك الأطفال.
- أنواع الثلاسيميا:
يحتوي الهيموغلوبين على سلسلتين مختلفتين من البروتين: سلسلة ألفا وسلسلة بيتا، واعتماداً على السلسلة المصابة بالخلل يسمَّى المرض. لهذا يقال إنّ الطفل مصاب إما بثلاسيميا ألفا أو ثلاسيميا بيتا.
1- ثلاسيميا ألفا:
هناك أربعة مورثات مسؤولة عن تصنيع السلسلة البروتينية ألفا (مورثان من الأب ومورثان من الأم). الطفل الذي يحمل مورثاً واحداً مشوهاً يطلق عليه اسم "حامل الثلاسيميا" ولا تظهر عليه أي أعراض مرضية. أما الطفل الذي يحمل مورثين مشوهين فيصاب بالثلاسيميا ألفا الصغرى ويُعتبر من حاملي المرض. أما أعراض هذا النوع من المرض فهو فقر دم بسيط. في حال كان الطفل يحمل ثلاثة مورثات مصابة، فسوف يعاني فقراً في الدم من متوسط إلى حاد. أما الأطفال الصغار الذين يحملون أربعة مورثات مشوهة، غالباً ما يموتون قبل أو بُعيد ولادتهم.
2- ثلاسيميا بيتا:
يتولى مورثان مسؤولية تصنيع السلسلة البروتينية بيتا، (مورّث من الأب ومورّث من الأم). تحدث الإصابة بثلاسيميا بيتا عندما يكون المورثان أو أحدهما مشوهاً أو غائباً. في حال طال التشوه مورثاً واحداً، فإنّ الطفل سوف يعاني فقراً في الدم (متوسطاً). أما في حال تشوه المورثان فإنّ الطفل قد يعاني فقراً في الدم (حاداً).
كما سبق وأشرنا، تؤثر الثلاسيميا في عملية إنتاج كريات الدم الحمراء السليمة، ويؤدّي نقص الهيموغلوبين إلى عملية تدمير واسعة لهذه الكريات، فيحاول الجسم التعويض عن هذا النقص، من خلال إنتاج المزيد من كريات الدم الحمراء المصابة بالخلل. وكنتيجة لذلك فإنّ مرضَى الثلاسيميا غالباً ما يعانون نقصاً في عدد كريات الدم الحمراء، ما يؤثر في عملية نقل الأوكسجين إلى أنسجة الجسم كافة.
- العلاج:
يتوجب على مريض الثلاسيميا إجراء عملية نقل دم كل ثلاثة أسابيع، ليتمكن من العيش والنمو بشكل طبيعي، لكن هذا الإجراء العلاجي يجعل الحديد يتراكم في أعضائه الداخلية، لاسيّما القلب والكبد والنخاع العظمي وأعضاء أُخرى، ما يؤدي إلى توقفها عن العمل. لهذا فإنّ أغلبية مرضَى الثلاسيميا يموتون في العقد الثاني من العمر نتيجة فشل الكبد أو القلب في تأدية وظيفته. من هنا وجب على كل طفل مريض أن يتلقى علاجاً لمنع تراكم الحديد في جسمه، حيث يأخذ حقنة من دواء "ديسفرال" كل اثنتي عشرة ساعة أو يتناول الدواء على شكل حبوب عن طريق الفم لمرة واحدة في اليوم طيلة العمر. وعلى الرغم من أنّ ابتكار أقراص الدواء قد خفف كثيراً من معاناة أطفال الثلاسيميا، إلا أنّ له آثاراً جانبية عدة. لا يستطيع مريض الثلاسيميا وقف تناول دواء "الديسفرال" لأنه بفعله ذلك يقضي على حياته.
- أمل في الشفاء:
في الماضي، كان الطفل المصاب بالثلاسيميا يستمر في عملية نقل دمه بشكل منتظم إلى حين مماته، وعادة تحصل الوفاة في العقد الثاني من العمر. ولكن مؤخراً، أدت عملية زرع النخاع العظمي إلى الشفاء من المرض نهائياً، حيث يتم استبدال النخاع العظمي المصاب بنخاع عظمي سليم من متبرع مطابق للمريض، من حيث نوع أنسجته، وعادة يكون الأخ أو الأخت. بعد نجاح العملية يتمكن الطفل من إنتاج الهيموغلوبين الطبيعي، ويستغني بالتالي عن عملية نقل الدم المرهقة. لكن هذا النوع من العلاج مكلف جداً ويحتوي على مخاطر عدة. إذ لا تزال نسبة الوفاة مرتفعة فيه، كما أنه ليس من السهل دوماً العثور على متبرع مطابق.
· كيف تجنب طفلك الإصابة بالثلاسيميا؟
يستطيع الأهل تجنيب أطفالهم الإصابة بالمرض، عن طريق خضوعهم لفحص ما قبل الزواج، حيث تؤخذ عينة من دم أحد الزوجين المستقبليين للتأكيد من خلوها من مورّث الثلاسيميا. في حال تبيَّن أنه يحمل المورث المرض المشوه، يتم إخضاع الشريك الآخر للفحص للتأكد من أنه لا يحمل مورث المرض. فإذا ثبت خلوه من السمة الجينية المسببة للمرض، فهذا يؤشر إلى عدم إمكانية إنجاب طفل مريض. باختصار إذا تبين أنّ أحد الوالدين فقط يحمل السمة، أو كان كلاهما خاليين من السمة الجينية، ففي إمكانهما إتمام الزواج من دون الخوف على صحة أطفالهما المستقبليين.
أما في حال تبين أنّ كلا الوالدين المستقبليين يحملان سمة الثلاسيميا، فينصحان بعدم الزواج أو اختيار شريك آخر لا يحمل سمة المرض، لأنه في حال قررا الزواج، فهناك احتمال يصل إلى 25 في المئة في كل عملية حمل، أن يولد لهما طفل مصاب بالمرض.
ارسال التعليق