د. علي الحرجان/ أخصائي الطب النفسي
◄قد تبدو المشاعر متداخلة ومركبة لمن يخضن تجربة الأُمومة لأوّل مرة، حيث أنّ تلك اللحظة التي تستقبل فيها الأُم مولودها الأوّل تُعدّ لحظة مثيرة وتجربة غنية تختلط فيها المشاعر ما بين الترقّب والخوف والقلق، فمشاعر الخوف والقلق تلازم أي إنسان مقبل على تجربة أو مرحلة جديدة في حياته، ولذلك فإنّ هذه المخاوف تبلغ ذروتها مع الحال البكر، فغسيل ملابس المولود، ومواعيد نومه، ورضاعته وتغذيته كلّ ذلك من دواعي القلق والاكتئاب لدى الأُم الجديدة، فبعدما كانت هي المدللة عند والديها وزوجها أصبحت الآن هي المسؤولة عن رعاية وليدها الجديد، وهذه المخاوف عادةً ما تزول بعد مضي وقت يسير من وجود هذا الوليد، كما أنّ الأُم الجديدة سريعاً ما تتكيف فطرياً مع ضيفها الجديد لأنّها ستعلم أنّها بفطرتها أوّلاً ثمّ بحبّها وحرصها على طفلها ستتقن كلّ هذه الأمور بالعمل والمعرفة، وأقصد بالعلم معرفة المرأة بواجبات ووظائف الأُمومة، وأقصد بالعمل تطبيق المرأة لهذه الواجبات والوظائف.
الأُمومة تبدأ باختيار الزوج:
إنّ مسؤولية الأُمومة تبدأ باختبارها وقبولها لوالد أبنائها، فالمرأة التي تُسيء في اختيار وقبول زوجها، تُسيء إلى نفسها وإلى أولادها، حيث أنّ التي ترتضي زوجاً سيِّئ الخلق وتُسبّب أزمة نفسية لأولادها لأنّهم سوف يعيشون ويواجهون المجتمع بأبٍ لا يُشَرّف مما يؤدي إلى اختلال في التركيبة الوظيفية والتكيّف الأسري بشكل عام، وكذلك اختلال الصحّة النفسية للأولاد، وكثيراً ما تنشأ حالة من الاضطراب الوجداني في هذه الأسرة.
الأُمومة قبل الولادة:
على المرأة أن تعي أنّها تبدأ مسؤوليتها عن حضانة طفلها ساعة تحمله جنيناً في رحمها، وليس ساعة ولادته طفلاً، فهذه الحقيقة تعتبر معلومة أساسية لابدّ أن تتوقف عندها كلّ امرأة، لأنّها إذا قامت بفعل كلّ ما يجب عليها فستحقق موقعها في هذه المرحلة بشكل طيّب بتوفيرها لجنينها كلّ سُبل الأمان والسكينة والصحّة والعافية، فلا تدخين، ولا عصبية، ولا صياح، ولا حركة زائدة، ولا غير ذلك من الأمور التي أثبت العلم التجريبي أنّها تؤثِّر بالسلب على الجنين، تأثيراً عميقاً ومُمتداً.
الرضاعة الطبيعية أقصر السُّبل للأُمومة الناجحة:
على المرأة أن تعي أنّ إرضاعها لطفلها رضاعة طبيعية لن توفر له فقط كلّ العناصر الغذائية اللازمة لنموه نمواً صحّياً رائعاً، بل إنّها تُكسبَه السكينة والأمان والطمأنينة وتنشأ بينه وبينها وشائج الارتباط والحبّ، الألفة، والسعادة، وهذا ما أثبته أيضاً العلم وحثّ عليه فلا يحقّ للمرأة أن تحرم ابنها من حقّه الطبيعي في الرضاعة ما لم يكن هناك عذراً طبي شرعي تحت دعوى المحافظة على الجسد أو غيره من الدعاوى المستوردة، وتفوض إناءً من البلاستيك ينتقص من أُمومتها، فتخسر طفلاً هادئاً نفسياً غير مضطرب، طفلاً ترى في عينه قمة الشوق إليها في كلّ وقت وحين، ولا يوازي هاتين الخسارتين وغيرهما أي مكسب زائف يطنطن بها من هنا أو من هناك.
الاحتضان والتربية:
على الأُم أن تعي أنّ وظيفتها الأساسية بعد عبور هذه المراحل التي ذكرت هي الاحتضان والتربية، والاحتضان معناه الاحتواء النفسي، معناه الصدر الذي يحنو عليه عند البكاء، ومعناه الأُذن التي تسمَع للمشكلات والحوادث، معناه العين التي تَشُعُ حُبّاً وشَفقةً بتلقائية على الدوام، معناه اليد التي تربت وتنهض به من العثرة، معناه اللسان الذي يَشُد من الأزر ويُعمِّق الثقة في الذات، معناه الوجود النفسي وعدم الغياب أو الافتقاد، معناه الدفء والحبّ، معناه الحماية والذود، معناه الإيثار وإرادة الخير، معناه الفرح لما يسر، والحزن لما يسوء معناه التواصل والمشاركة، معناه كلّ ذلك وغيره.
التركيز في تنفيذ مشاعر الأُمومة:
إنّ هذه المشاعر وإن كانت فطرية إلّا أنّها تحتاج للتركيز في بذلها حتى لا يفلت منها شيء، وعلى قدر إحاطة كلّ امرأة بها على قدر ما يكون تحقيقها للأُمومة المتعلقة بها فهناك بعض الأُمّهات لا يسمعن لأبنائهنّ، وعلاقتهنّ بهم علاقة توجيهية فقط، افعل هذا ولا تفعل ذاك، هذا صواب وذاك خطأ، وعلى نحو ذلك، وهناك أُمّهات غائبات حسيّاً ونفسياً عن أولادهنّ، ووكّلن غيرهنّ للقيام بدورهنّ في الاحتضان، ذلك الدور الذي يستحيل أن تُحسنه غيرها، ومنه فإنّ دور المرأة كأُم لابدّ أن يُفهم على معناه الواسع، فليست المسؤولية مقصورة على تهيئة الطعام والشراب، وتنظيف وتنظيم البيت، وحاجات كلّ طرف في البيت، إنما المسؤولية الأولى والأساسية هي الإشباع النفسي بصورته التي ذكرت، والذي به تستحق الأُم ما تستحقه من تكريم الدين لها، وَحضِّه على جميل رعايتها وحُسن برِّها والشكر لها.
في دروب الأُمومة:
* اغرقي طفلك بوابل من الكلام والمناغاة والمناجاة منذ الأيام الأولى وحتى كافة مراحل طفولته، فإنّ هذا من شأنه مساعدته في الطلاقة في التعبير، وتعلّم الكلام.
* اشعري طفلك بفهمك له كما تشعرينه بحنانك، وعبّري عن استجابتك له، ولا تشعريه بالضيق والتذمر، وكوني أنموذج في السكينة والهدوء.
* اغمري مولودك بالثناء، وكافئيه على إنجازاته في التعلّم ببسماتك وترانيمك وإيماءاتك.
* يجب الاتفاق مسبقاً على أساليب تربية موحدة قدر المستطاع بينك وبين والده.
* لا تعكّري صفو حياة طفلك حتى في أيام عمره الأولى بالخلافات الحادة بينك وبين والده، فهذا يزعزع شعوره بالأمان.
* اقرئي كثيراً في التربية الحديثة والأساليب التربوية العميقة، واحرصي على حضور الدورات التدريبية التربوية، وتذكّري أنّك بحاجة دائمة لتطوير مهاراتك لإسعاد طفلكِ.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق