عندما تكونين حاملاً، من المهمّ أن تعتني بنفسك انفعاليّاً وبدنيّاً. حالتك الانفعالية يمكن أن تؤثّر على تطوّر دماغ طفلك الذي لم يُولد بعد. ستحتاجين إلى مسانَدة خاصّة إذا كنتِ حاملاً وكنتِ تشعرين بكرْب أو اكتئاب أو قلق.
ابتداءً من الأسبوع السابع، يمكن أن نجد كيميا ئيّات الأوبيود التي تحفِز على البهجة في مجرى دم الطفل الذي لم يُولَد بعد. ما أعظمها من بداية للحياة! على أنّنا نعرف أيضاً أنّه إذا تعرّضت الأمّ لكرب شديد متكرِّر في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، يمكن أن تنقل إلى دماغ الطفل الذي لم يُولد بعد، عبر المشيمة، مستويات عالية من كيماويّات الكرْب (الكورتيزول والغلوتاميت).
بيّنت بعض الأبحاث أنّ الأطفال الذين لم يُولدوا بعد، يمكن، إذا ما تعرَّضوا لمستويات عالية من كيماويّات الكرب، أن تقِلّ قُدرتهم على التعامل مع الكرْب في طفولتهم وفي ما بعد من مراحل حياتهم. المستويات العالية من الكرْب في فترة الحمْل هي واحد من العوامل التي يمكن أن تؤدّي إلى الاكتئاب وإمكان إدمان العقاقير في مستقبل الحياة. الطفل الذي يكون قد تعرَّض للكرْب قبل الولادة يمكن أن يكون طفلاً مضطرباً للغاية بعد الولادة، ويكون على الوالدين أن يَجهَدا لتنظيم حالات ألمه الانفعالي والبدني. إذا تلقّى طفل مكتئب الكثير من المواساة والتهدئة – من النوع الذي وصفناه– أن تتحسّن قُدرت على مواجهة الكرْب.
في بعض الحالات، الكثير من الكرب في أثناء الحمل أظهر أيضاً أنّه يترك أثراً في تطوُّر الحركة الجينية لكيماويّات وهرمونات انفعالية أساسية في الطفل الذي لم يُولَد بعد. هذا يعني أنّ بعض الجينات الأساسية لا تقوم بما يُفترَض أن تقوم به؛ لا تتحرّك إلى الموضع الصحيح في الدماغ. في الجنين الذكَر، على سبيل المثال، مستويات الكرْب العالية من الأُمّ يمكن أن تغيِّر حوافز هرمونات التستوستيرون والإستروجين. وقد بيّنَت الأبحاث التي أجرِيَت على أنواع أخرى من الثدييّات أنّ صغار الذكور قد تُوْلَد بدماغ أنثويّ، والذي قد يترك أثراً في القدرة الجنسيّة ومظاهرها في المستقبل.
"إذا كنتِ شديدة القلق أو الكرْب في أثناء الحمل، جرِّبي تدليك الرأس أو القدمَين".
تأمَّلي في ما يلي...
الطفل الذي لم يُولَد بعد يكون معرَّضاً لمستويات عالية من هرمونات كرْب أموميّة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، عندما تحدُث في الدماغ طَفرة نموّ كبيرة. احصُلي في هذه الفترة على قَدْر ما تستطيعين من راحة ومساندة انفعاليّة. تدليك الحوامل أثبتَ فعاليته في التخفيف من مستويات هرمونات القلق والكرْب.
الكُحول والأدوية والتدخين:
إذا كنتِ شديدة القلق أو الكرب في أثناء الحمل، خذي وقتَ راحة. تدليك الرأس أو القدمين فكرة حسنة. لا يُغريَنّك اللجوء إلى الكحول أو العقاقير (ما عدا العقاقير التي يصِفها الطبيب). اللجوء إلى المخدّرات، مثل الكوكايين، أو شُرب الكحول، يمكن أن يغيِّر تطوّر دماغ الطفل الذي لم يُولَد بعد. الكحول يرفع أيضاً مستوى الكورتيزول في الطفل الذي لم يُولَد بعد. أظهرَت الدراسات أنّ أطفال النساء المدمنات على الكحول يمكن أن يكون لهم عند ولادتهم جهاز استجابة للكرْب مفرط التفاعل.
"أُريد راحة"
الشعور بالتعب في أثناء الحمل يمكن أن يؤثّر على مَن عندك مِن أطفال. النشاطات اليوميّة، مثل العمل والتسوّق وزيارة الصديقات، يمكن أن تُتعِبك أكثر ممّا تتوقّعين وتجعَلك سريعة الغضب. حاولي أن تُقلّلي من المهامّ غير الضرورية، وحاولي أن توكِلي مهمّة التسوّق لزوجك أو لقريبة أو صديقة.
أشدُّ خطراً على الطفل الذي لم يُولَد بعد، منه في فترة تالية من الحمل. تتّفق معظم الدراسات حول الحمل على أنّ الطريقة الوحيدة لتجنُّب الخطر هي الابتعاد عن الكحول تماماً.
إذا دخّنتِ في أثناء الحمل، تُعرِّضين طفلك غير المتطوّر إلى أذى النيكوتين والقار وأوّل أكسيد الكربون.
تقلِّلين أيضاً مورد الأكسجين لطفلك. تُظهر الأبحاث أنّ التدخين في أثناء الحمل يمكن أيضاً أن يؤدّي إلى تغيُّر في بِنى بعض أجزاء دماغ الطفل وتغيُّر في عمل الدماغ، وهو ما يعرِّض الطفل إلى خطر تطوير اضطرابات في السلوك وصعوبات في التعلُّم. النساء الحوامل اللواتي يدخنّ أكثر من عشر سجائر في اليوم، يزداد عندهنّ خطر إنجاب طفل مضطرب السلوك. الأطفال الذي تدخّن أمّهاتهم في أثناء الحمل يتعرّضون أيضاً لخطر الإدمان على الكحول والمخدّرات، والاكتئاب في مستقبل الحياة. لذا سعي جاهدة لتمتنعي عن ذلك.
تبيّن الأبحاث أنّ الإرضاع ممتاز لمزاج الأُمّ لأنّه يهدّئ جهاز الاستجابة للكرب في دماغها. تشعر الأُم بالهدوء والاسترخاء، وهذا يساعدها في تهدئة طفلها. الإرضاع أيضاً يُعطي الطفل أحماضا دهنيّة متعدِّدة اللاإشباع ضرورية، والتي يمكن أن تعزِّز إنتاج كيماويّات أساسية في الدماغ، وهي الدوبامين والسيروتونين. على أنّ بعض الدراسات تبيِّن أنّ كلا الإرضاع والتغذية بالزجاجة، عندما تحملين الطفل مُلاصِقاً لجسمك الهادئ، يُخفض هرمونات الكرب، من غير فارق كبير بين الطريقتين.
الوقوع في حُبّ طفلك... أو عدم الوقوع:
إذا سارت الأمور على خير عند الولادة وبعدها، يفرِز دماغك على نحو طبيعي مستويات عالية من الأكسيتوسين. هذا يمكن أن يجعلك تشعرين بغِبطة عارمة، وأنّك وطفلك على وفاق عميق (وحبّ عميق) وأنّك خالية من الهموم. في حالة اكتئاب ما بعد الولادة، يحدث أن يتوقّف انسياب كيماويّات الترابط الممبكّرة، لكن تعود هذه الكيماويّات فتنساب بمساعدة مختصّين. إذا لم تُعالَج حالة اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن تؤثّر تأثيراً سيِّئاً على مستويات هرمونات الكرب عند الطفل، وعلى نومه وأكله وجهاز المناعة عنده. اكتئاب ما بعد الولادة يُصيب نحو أمّ واحدة من أصل عشر أمّهات، وينفع في العلاج أدوية مُضادّة للاكتئاب و/ أو استشارة طبيب نفسيّ، وذلك يُعيد كيماويّات الاستحثاث الإيجابية وموازَنة المِزاج إلى عملها المنتظم ويخفّض مستويات هرمونات الكرب.
صوَر أدمغة الأطفال الذين كانت أمّهاتهم يُكثرن من شرب الكحول في أثناء الحمل، تُري أنّ حجم المُخّ أصغر من المعتاد وأقلّ تلافيف. يمكن أن يتضرّر المُخَيخ (الذي يتحكّم بالتنسيق والحركة)، ويتضرّر جذع الدماغ (المسؤول عن عمليّات أساسية مثل التنفُّس ودرجة حرارة الجسم). دماغ الطفل المُصاب بمتلازمة الكحول الجنينيّ (FAS)، والتي يتسبّب بها إفراط الأمّ بشرب الكحول، لا يتطور على أكمل وجه، وينتِج عن ذلك صعوبات انفعاليّة وعقلية.
"تواصَلي مع طفلك الذي لم يُولَد بعد"
يمكن أن يكون للاحتفال بالحمل تأثير عميق ليس فقط عليك وعلى طفلك الذي لم يُولَد بعد، بل على سائر أفراد العائلة الآخرين. حِسُّك بحُسن الحال يصل إلى الناس من حولك. وعندما يُولَد طفلك، يغلِب أن يكون هادئاً وأسهل استقراراً.
المصدر: علم الأمومة والأبوة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق