• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا تتزوج مثقفة.. مطبخها فارغ ومكتبتها عامرة

تحقيق: سعيد شلش

لا تتزوج مثقفة.. مطبخها فارغ ومكتبتها عامرة

◄لا تتزوّج مثقفة.. مطبخها فارغ، ومكتبتها عامرة.. تقرأ وتقرأ، فهي تعشق الإطلاع والمعرفة.. ستقلب الطاولة على مفاهيمك.. تبخل بالوقت لتصرفه في القراءة.

دعوة أطلقها كاتب سعودي أثارت موجة من ردود الأفعال في الأوساط الرجالية والنسوية.. دعوة ردّت عليها عشرات المقالات والتعليقات بأقلام نسوية، عنوانها الرئيس: "تزوَّج مثقفة، سيعرف أولادك في سن الثلاث ما تعرفه أنت في سن الثلاثين.. المرأة المثقفة تملك طُرقاً خاصّة بها في صنع الأشياء، سينظر المارة إلى حبال غسيلها بحيرة كبيرة كمن يُحلل (موناليزا دافنشي).. ستسمح لطفلك أن يرسم على حيطان غرفته، ستسمح لك أنت أن ترسم على حيطانها ولن تكترث للألوان التي استخدمت أو الأشكال التي رسمت.. ستفرح بأنّها كانت عوناً لك في رحلة إبداعك".

ما بين دعوة "لا تتزوّج مثقفة" و"تزوَّج مثقفة"، نطرح القضية هنا للنقاش مع الرجال والنساء، وأهل الاختصاص.. والبداية مع مقال الكاتب فهد الأحمري، الذي نشره في صحيفة (الوطن) السعودية.

 

* فهد الأحمري: "رفوف مطبخها مؤلفات، وأدراجه دفاتر"

يقول الأحمري في مقاله: "لا تتزوّج امرأة تقرأ، مطبخها فارغ ومكتبتها عامرة، أوانيها كُتُب وكتبها أوانٍ، رفوف المطبخ مؤلفات وأدراجه دفاتر، تملأ عقلك وبطنك خاوية، تعرف تقرأ ولا تعرف تطبخ، "تفشلك" عند الضيوف "المطاليق".

لا تتزوّج امرأة تقرأ لأنّها ستغلق التلفزيون وتحرمك المسلسلات والأفلام وتسرد لك قصة بيت المتنبي الذي أودى بحياته، وتحكي لك كيف قتلت سقراط فلسفته، وتُصوِّر لك شجاعته وهو يؤثر تجرّع السم بأمر المحكمة على أن يرتد عن آرائه.

لا تتزوّج امرأة تقرأ، لأنّها قد تهمل شكلها وتعمل عقلها، زينتها الفكر السابح وعطرها أسئلة فلسفية تسرح بخيالك إلى الميتافيزيقيا وعلم رياضة العقل".

ويواصل: "لا تتزوّج امرأة تقرأ، حتى لو كانت بلا شهادة، فالشهادة عند الكثير مجرد تحصيل قوت لا علم، تحصيل لقب ومفخرة من دون فكر إبداعي ولا قول مسدد، لهذا يقول سقراط: تكلّم حتى أراك".. لا تتزوّج امرأة تُفكِّر.. لأنّها ستشغلك بجدلية الديالكتيك ومباحث الأنطولوجيا والأبستمولوجيا وقيم الأكسيولوجيا، ستخطفك لعصور أرسطو ثمّ النهضة والتنوير حتى تهبط بك في مطارات بيرتراند راسل والجابري والمسيري والغذامي".

 

* سلمى العالم: "المثقفة تُساهم في خلق جيلٍ واعٍ ومثقف"

ترى سلمى العالم (صحافية): "إنّه بالنسبة إلى الرجل العربي فهو يختلف باختلاف المنشأ الذي ترعرع فيه، فبعض الرجال يرغبون في الارتباط بزوجة مثقفة ومُتعلِّمة تحرص على تربية الأبناء، بحكم أنّه قد تَعلَّم واكتسب الكثير من حوله بنفسه وتمنّى لو أنّ أُمّه مُتعلِّمة لتتكفّل بتلقينه العلم، بينما البعض الآخر يرى أنّه كلّما كانت المرأة مُتعلِّمة ومثقفة كانت سليطة اللسان وقوية الشخصية، ولا تطيع زوجها ولا تتقن الاهتمام ببيتها".

وتضيف العالم: "طبعاً أنا لا أتفق مع رأي الكاتب، مع احترامي الشديد له، لسبب وهو أنّ الزواج عبارة عن تأسيس مملكة أسرية نخلق بها جيل جديد، ولا يمكن خلق جيلٍ واعٍ ومثقف من أُم "غير مثقفة وجاهلة". وفي رأيي، أجد أنّ الجهل لم يعد جهل القراءة الكتابة، إنما جهل التكنولوجيا والتعامل مع التقدّم والتطوّر الحاصل في ظل الكثير من التحديات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي نعيشها".

وترد سلمى على مقولة "إنّ المثقفة لا تجد الوقت لبيتها"، بقولها: "إنّ المطبخ ليس بالأمر الصعب.. إذا وُجِد الحبّ والود والاهتمام بين الزوجين، بالتأكيد ستسعى الزوجة إلى تقديم ما يحبّ زوجها من مأكولات شهية، وإن كانت مثقفة، فذلك لا يمنع".

 

* زينب البحراني: "أنانية بعض الذكور هي التي تدفعهم لترديد هذا الكلام"

ترى الكاتبة والروائية السعودية زينب علي البحراني: "إنّ تلك الادّعاءات التي تُصوِّر "المرأة المثقفة" على أنّها "كائن عجيب" قادم من عالم آخر، تثير دهشة ممزوجة بالسخرية في نفس أي امرأة مثقفة، إذ لابدّ أن يكون مُروِّجوها من ذوي الوعي المنخفض، أو عديمي الخبرة بالمرأة خصوصاً والحياة البشرية بوجه عام، أو العنصرين المتسلطين الذين يريدان احتكار كلّ أشكال المعرفة الراقية والتفوق لجنس واحد كي يستعبد الجنس الآخر ويسخره في سبيل خدمته وتنفيذ طلباتهه من دون جدل". وتضيف: "المرأة المثقفة مثل أي امرأة ناجحة في أي مجال علمي أو عملي آخر، نجاحها الثقافي جانب من جوانب حياتها، ومهما اتّسعت مساحته وتنامى شغفها به فسيكون للغريزة الأنثوية بكلّ ما تحتويه من مشاعر، أماكن يستحيل أن يحتلها أي اهتمام آخر".

وتقول البحراني: "أنانية بعض الذكور ممّن يريدون شراء تلك المرأة وتعليبها في آلة تجميد إلى الأبد مكتفين بتجنيدها لخدمتهم فقط هي التي تدفعهم لترويج تلك الصور، والطريف في الأمر (أو بمصطلح أكثر دقة: السخيف في الأمر)، أنّ الكثير ممّن يُروِّجون لها يتعمّدون في البداية الزواج بامرأة ذات اهتمامات فكرية بسيطة، وبعد فترة وجيزة يبدأون تشغيل أسطوانة شكاواهم من عدم قدرتها على مجاراة أسلوب تفكيرهم ونمط حياتهم".

 

* ياسمين منصور: "يتهرّب منها لأنّها تعرف حقوقها وواجباتها"

تختلف ياسمين منصور (صيدلانية) مع ما طرحه الكاتب، وتقول: "إنّ الرجل العربي يتهرّب بالفعل من الزواج بفتاة عربية مثقفة، لأنّها تعرف حقوقها وواجباتها، وهي امرأة ذكية تجيد الاهتمام ببيتها؛ ولكن العيب ليس في المرأة، بل في الرجل الذي يخاف من هذه المواصفات، ويعتقد أنّها ستكون نقمة عليه وليس نعمة".

وتُرجع ياسمين عدم رغبة كثير من الرجال للارتباط بالمرأة المثقفة إلى "كراهية الرجل للمثقفة والذكية أو الناجحة". وتوضح: "إنّ المجتمع العربي لا يزال مجتمعاً ذكورياً، فهو لا يرى أنّه لابدّ أن يُفكِّر بدلاً من زوجته ويتحدّث نيابة عنها، ويُخطِّط لها حياتها ومستقبلها، ويحل مشاكلها الخاصّة والعامّة إلى آخره".

وتشير ياسمين إلى "أنّ المرأة المثقفة هي مكسب لزوجها وأولادها ومجتمعها، لأنّها تملك درجة عالية من الوعي وتُربِّي أولادها بطريقة أفضل من المرأة غير المثقفة، ولهذه النقطة أهميّتها في الزمن الذي نعيشه وما يحفل به من تحدّيات في عملية التربية، وهو ما يجعل الارتباط بها ضرورة".

 

* نانيس جمعة: "مَن يرفض المثقفة لديه إحساس بالدونيّة"

"أنا اعتقد أنّ الذي أطلق الدعوة طبّاخ وليس كاتب، حتى الطبّاخ هذه الأيام أصبح يتمتّع بالثقافة على الأقل في مجاله من أجل أن يتطوّر ويستمر وينجح".

هذا ما تراه نانيس جمعة (مذيعة)، وتقول: "لماذا كلّ هذه السخرية من المرأة المثقفة؟ هل يريدها شغّالة في المنزل لا همّ لها سوى الوقوف في المطبخ؟ أمثال هؤلاء لا يحبّون التعامل مع عقل المرأة، هم لا يريدونها ذكية ومثقفة، هم يريدونها مجرد شيء في المنزل".

وتشير جمعة إلى "أنّ الذي يطلق مثل هذه الدعوات، لديه شعور بالدونيّة ولا يرتاح للمرأة المثقفة، وإلّا ما كان قد طرح هذه القضية بهذه الطريقة على الملأ، ومن دون إدراك منه لأهميّة أن تكون المرأة مثقفة، وأهميّة ذلك في تربية أبنائها، خاصّة في زمن مواقع التواصل الاجتماعي والتحدّيات التي باتت تُهدِّد عملية التربية".

 

ما الذي يقوله الرجال حول هذه القضية؟ هل هناك إشكالية بالفعل في ارتباط الرجل بامرأة مثقفة؟

 

* محمّد الكعبي: "المثقف يريدها مثقفة والعادي يريدها عادية"

يقول محمّد الكعبي (موظّف): "إنّ الرجل المثقف يبحث عن الارتباط بامرأة مثقفة، والرجل العادي يُفضِّل الارتباط بامرأة عادية"، موضحاً ذلك بالقول: "إنّ هناك بالفعل نوعية من الرجال يخافون من الارتباط بامرأة مثقفة، لأنّها تملك درجة عالية من الذكاء والوعي، وقادرة على فهم حقوقها وواجباتها العائلية".

ويضيف الكعبي: "أيضاً هناك نوعية أخرى من الرجال لا ترى في المرأة سوى أنوثتها ورقّتها، وتأتي رغباته العقلية أو الفكرية مع المرأة في المرتبة الأخيرة من طموحه منها، وهذه الإشكالية هي سبب نفور الرجل من المثقفة وخوفه من الذكية، والارتباط بهذه النوعية من النساء".

وينصح محمّد الكعبي الرجل بضرورة "ألّا يطلب الكمال، فالكمال لله وحده، ويكفي أنّه يجد في هذه المرأة المثقفة سنداً له في الحياة، وعقلاً مخلصاً يمكن الرجوع إليه، إنسانة تفهمه بسرعة وتدرك ماذا يريد من دون جهد منه، تساعده في تربية أبنائهما تربية واعية، امرأة واثقة بنفسها وقادرة على تحقيق التوازن بين اهتماماتها وبيتها على عكس ما يتصوّر بعض الرجال".

 

* د. علي الجبوري: "أعرف مثقفات ناجحات أُسرياً وفارغات فاشلات"

"أعرف زوجات مثقفات وناجحات جدّاً في تربية أبنائهنّ ويتمتعن باستقرار زوجي، في مقابل زوجات غير مثقفات ولكنهنّ مهملات في تربية أبنائهنّ، ويقضين أوقات فراغهنّ فيما لا يعود بالنفع على أُسرهن"، بهذه الكلمات يُعبِّر الدكتور علي الجبوري (طبيب أسنان) عن وجهة نظره.

ويضيف الدكتور الجبوري: "أنا شخصياً عندما تزوَجت لم أضع في اعتباري مقدار ثقافة الزوجة أو درجة تعليمها.. كنت أبحث عن الشخص نفسه الذي أختاره لنعيش حياتنا معاً، فالثقافة مسألة نسبية وتختلف من شخصية إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر".

ويشير الدكتور علي الجبوري إلى "أنّ مفهوم المرأة المثقفة نفسه مطاط وغير واضح"، متسائلاً: "هل المقصود بها المرأة التي تقرأ كثيراً؟ أم المرأة الحاصلة على الدكتوراه وتقضي جزءاً كبيراً من وقتها بين المعمل والمكتبات؟ أم المرأة التي تتمتع بثقافة متنوّعة تشمل الحياة بوجه عام؟".

ويضيف الدكتور الجبوري: "في كلّ الأحوال المهم الشخص نفسه لا مستوى ثقافته، بل التكافؤ الزوجي بين الطرفين، لأنّ هذا هو الذي يحقق الاستقرار في الحياة الزوجية".

 

* د. نادر ياغي: "ضعيف الشخصية يتأثّر إذا ما كانت ثقافتها أعلى منه"

"دي عامله نفسها مثقفة"، عبارة تتردد كثيراً على ألسنة بعض الرجال، فهل يعني هذا أنّ الرجل لا يرتاح إلى المرأة المثقفة؟ وهل ارتباط الزوج بزوجة أعلى منه في مستوى الثقافة يؤثر سلباً في صحّته النفسية؟

سؤال يجيب عنه الدكتور نادر ياغي (الاختصاصي النفسي): "الرجل ضعيف الشخصية، فهو الذي يتأثر نفسياً في حال ما إذا كانت متعالية عليه بدرجة ثقافتها العالية مثلاً.. أمّا الرجل قوي الشخصية، فإنّه يتدارك نقاط الضعف ويعمل على تقويتها، ويكون داخله إيمان قوي بأنّه يستطيع، فإذا كانت زوجته فنانة تشكيلية فإنّه يستطيع أن يقرأ في الفن التشكيلي، وهذا مجرد مثال أسوقه لكي أؤكد على أنّ الرجل قادر على سد هذا الجانب".

ويوضح الدكتور ياغي: "إنّ التكافؤ الزوجي لا يتحقق بنسبة 100%، فليس بالضرورة أن تكون درجة ثقافة الزوج هي درجة ثقافة الزوجة نفسها، فالتشابه الكامل بين الزوجين يصيب الحياة الزوجية بالملل، فمن المهم أن تكون هناك فوارق بدرجة ما، فلا يُعقل أن تتزوّج امرأة حاصلة على دكتوراه بزوج حاصل على مؤهل متوسط.. الفوارق البسيطة جيِّدة وتجعل الحياة الزوجية سعيدة".

 

* د. أشرف أمين: "تتعالى على زوجها، خاصّة إذا كان أقل ثقافة منها"

هل الزوجة المثقفة من الممكن أن تكون مصدر إزعاج لزوجها؟ وهل يمكن أن يؤدّي فارق الثقافة بين الزوجين إلى وقوع الانفصال؟ سؤال طرحته على الدكتور أشرف أمين (المحكم الأسري/ محامٍ)، فأجاب قائلاً: "في حالة ما إذا شعر الزوج بأنّ زوجته تتعالى عليه بسبب ثقافتها الأعلى منه، فإنّ هذا كفيل بحدوث المشاكل بينهما وقد يقع الطلاق".

أمّا الأفضل، فهو "أن تكون ثقافة الزوج أعلى من زوجته لتحقيق التكافؤ الزوجي، فالرجل هو صاحب القرار في المنزل وتقع عليه مسؤولية اتخاذ قرارات مصيرية في حياة أسرته، ولهذا فإنّ ثقافة الرجل ضرورية".

الحالة المثالية التي يراها الدكتور أشرف أمين، هي: "أن يكون الزوج والزوجة بالمستوى الثقافي نفسه، لأنّ التواصل بينهما سيكون أفضل بكثير مما لو كانت الزوجة مثقفة والزوج لا يتمتّع بالقدر نفسه من الثقافة، لأنّ الزوجة في هذه الحالة قد تسيء إلى زوجها، سواء أكان عن قصد أم من دون قصد، ما يجعل الرجل يشعر بالغضب ويتعامل معها على أنّها تتعمّد إحساسه بأنّها أكثر ثقافة منه".►

ارسال التعليق

Top