• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من مقاصد الزواج في الإسلام

إعداد: سلوى النجار

من مقاصد الزواج في الإسلام
يقول الله سبحانه وتعالى في (سورة النحل/ 72): (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ). فالزواج من نعم الله الكبرى على الفرد والمجتمع، به يتحقق السكن، وفيه تتكامل منظومة الحقوق والواجبات. لقد شرع الله سبحانه وتعالى الزواج، وإرتضاه لعباده، وحثهم عليه ورغبهم فيه، وما ذلك إلا لمقاصد عظيمة وأهداف ومنافع جمة يحققها الزوج. ومن المؤكد أن معرفة تلك المقاصد والحكم والأهداف المرجوة من وراء الزواج تجعل الشبان والشابات أكثر إقبالاً على الزواج، وأشد حرصاً على إنجاحه، وأكثر وفاء بالالتزامات والواجبات التي تترتب عليه. وفي بيان جانب من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية، وتوضيح أهم الحقوق والواجبات المترتبة عليه، تتحدث مديرة حملة أهل القرآن العالمية، في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، إيمان إسماعيل.

وتستهل حديثها موضحة أن الزواج كنظام إجتماعي أسهم إسهاماً فعالاً في الحفاظ على كيان الفرد والمجتمع، فضلاً عن الحفاظ على الأنساب ووشائج القربى. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالزواج، وجعله الرابط بين امرأة والرجل على أسس من مودة ورحمة والوفاء والعطاء، وكذلك حث الرسول الكريم (ص) بسنته القولية والعملية على الزواج، ورغب فيه، ووجه المقبلين على الزواج نحو اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح الذي بصلاحه تصلح الزوجة والولد والمجتمع. ومن ذلك قوله (ص): "من رؤقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه" (رواه الطبراني والحاكم). وقوله (ص): "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزّوجلّ خيراً من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" (رواه إبن ماجة).

-        من مقاصد الزواج: جعل الله سبحانه وتعالى الزواج سبباً لإستمرار النسل، وتحقق المودة والرحمة والسكينة بين الرجل والمرأة، وبه تمتد الحياة موصولة بالأسر الأخرى من ذوي القربى والأصهار، وهو ما يترتب عليه الترابط والتواصل وتبادل المنافع والمصالح بين مختلف أفراد المجتمع.

وبالوقوف على مقاصد الزواج تُعرف مضار الانصراف عنه من انقراض النسل، وانطفاء مصابيح الحياة، وخراب المجتمع، ونبذ العفة وسوء المنقلب. ولعل من أخطر العلل التي تقف وراء الإعراض عن الزواج ضعف التربية الإسلامية في نفوس الناشئة، فإن التربية السوية تسهم إسهاماً فعالاً في الحرص على صون النفس وإعفافها، فيجمع الفرد جهده لإحصان نفسه ويجتهد في سبيل إعفافها حتى يتحقق له ذلك، مصداقاً لقول الله تعالى في (الآية 2 من سورة الطلاق): (... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجاً).

-        حفظاً للنسل وسنة الأنبياء والمرسلين: الزواج سنة الأنبياء والمرسلين لقول الله تعالى في (الآية 38 من سورة الرعد): (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً...). وقد قال رسول الله (ص): "أربع سُنن من سُنن المرسلين: الحياء، والتعطر، السواك والنكاح" (رواه الترمذي).

ومن أهم مقاصد الزواج أيضاً حفظ النسل وتوالد البشرية جيلاً بعد جيل، فتتكون المجتمعات البشرية، وتجتهد في سبيل إقامة الشريعة وإعلاء الدين وعمارة الكون وإصلاح الأرض، قال تعالى في (سورة الفرقان الآية 54): (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا). فإن الله سبحانه وتعالى خلق ابن آدم من ماء مهين، ثم جعل منه ذرية كثيرة نجعلهم أنساباً وأصهاراً متفرقين ومجتمعين. ولذا حث النبي (ص) على تكثير النسل، فقال (ص): "تزوجوا الولود الودود، فإني نكاثر بكم الأمم يوم القيامة" (رواه البيهقي). وليس المقصود هنا تكثير النسل لذاته فقط، ولكن المقصود تكثيره بصلاحه واستقامته وتربيته وتنشئته ليكون صالحاً مصلحاً في أمته، وقرة عين لوالديه، وذكراً طيباً لهما بعد وفاتهما بالعفاف عن الفواحش والرذائل.

-        سكن ومودة وعبادة: يقول الله سبحانه وتعالى في (سورة الروم الآية 21): (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وتظهر هذه الآية الكريمة عظمة الإسلام وتشريعاته في نظرته إلى الزواج من خلال الآيات والسور القرآنية التي تحث على الزواج كرباط مقدس يقوم على المودة والرحمة. كما يأمرنا الله تعالى في الآية الكريمة بالتفكر في الزواج لإدراك سر تشريعاته له، حيث بينت الآية الكريمة الهدف من الزواج، وهو السكن الدائم الذي يتحقق للزوجين مادامت الحياة مستمرة بينهما.

وحين نتأمل الحياة الزوجية في الكتاب والسُنّة نجد التشريع الكامل لأدق أمور الحياة كلها. فالفهم الصحيح للحياة الزوجية في الإسلام يوضح لنا أن الزواج الناجح حق وعبادة يمارسهما الزوجان في مؤسسة الأسرة وهي أساس المجتمع. ومن الأدلة الواردة والحقيقية في ان الزواج الناجح عبادة يثاب عليها المسلم حديث رسول الله (ص)، الذي أورده الإمام النووي في الأربعين، وجاء فيه عن أبي ذر، - رضي الله عنه – "أن ناساً من أصحاب رسول الله (ص) قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. فقال رسول الله (ص): "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ أن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة". فقالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال (ص): "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ كذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر" (رواه مسلم). وهكذا نجد أن الإسلام ينظر إلى القيام بحق العلاقة بين الزوجين على أنه عبادة يثاب عليها المسلم، بسبب حرصه على أن تكون العلاقة وفق قوانين وتشريعات الكتاب والسنة. وحينما يدرك الزوجان أن الحياة الزوجية كلها عبادة، حينئذ تنضبط الأسرة ويسودها الإنسجام والخضوع لأحكام الله تعالى.

-        إعفاف وإحصان: أنعم الله سبحانه وتعالى على أمة محمد (ص)، بالزواج ليكون دستوراً لكل فرد في المجتمع لقوله تعالى في (سورة الذاريات الآية 49): (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وقد جعل الله – سبحانه وتعالى –، الزواج سبيلاً لالتقاء الرجل والمرأة لقاء يكون فيه الإفضاء الكامل. فقد خلق الله في الرجل والمرأة غريزة وفطرة وجعل من الزواج طريقة شريفة ووسيلة عفيفة لإشباع هذه الغريزة، بما يضمن للنفس راحتها وللمجتمع حقوقه وللبشرية إستمرارها وسط أجواء من العفة والطهارة والمودة. فالزواج سبيل لحماية الفرد والمجتمع من السقوط في مهاوي الرذيلة، إذ يعين صاحبه على غض بصره وإحصان نفسه ويتضح ذلك من خلال وصية النبي (ص) للشباب بالزواج، وذلك في حديث ابن مسعود، قال رسول الله (ص): "يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه إغض للبصر وأحصن للفرج. ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" (متفق عليه).

ارسال التعليق

Top