• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مواجهة الخلافات الزوجية

د. محمد بن لطفي الصباغ

مواجهة الخلافات الزوجية

سلامة الأسرة، وأمنها، واستقرارها أمر مطلوب لسعادة أفرادها، ولقيام المجتمع الفاضل.

فهي حصن لا يزال – على الرغم من الكيد العظيم له – الأمر الكبير في إمداد الأُمّة بالعناصر المؤمنة الصالحة، ولذا كان من الواجب على قادة الفكر الحرص على هذا الحصن وتوجيهه وتوعيته.

وهناك أمور عدة تتصل بسلامة الأسرة يغفل عنها كثير من الصالحات والصالحين من الآباء والأُمّهات، وأحب أن تعالج هذه الأمور بصراحة وصدق، وموضوعية.

·       فمن هذه الأمور الخلاف بين الأبوين:

في كثير من الأحيان يتصرف الوالدان أمام الأولاد تصرفات ظناً منهما أنّ الأطفال لا يفهمون ولا يدركون، وهذا خطأ محض، فالطفل قد لا يستطيع أن ينطق ولكنه يفهم كثيراً مما يقال، ويترك ذلك في نفسه أعمق الآثار. ولذلك يجب ألا يعلم الأولاد بشيء من الخلاف بين الأبوين مهما كان سن هؤلاء الأولاد.

إنّ الحياة الزوجية مهما كانت ناجحة وموفقة لابدّ أن يكون فيها شيء من الخلاف؛ لأنّ العقول ليست متطابقة، وكذلك الأمزجة ليست واحدة.

وهذا الخلاف يجب أن يُحتوى ولا يُصَعَّد، وإن كان لا مفر من مناقشة أسباب الخلاف فلتناقش بروح الود والاحتمال، وليكن ذلك بعيداً عن الأولاد، ما استطاع الزوجان إلى ذلك سبيلاً، وامتناعهما عن المناقشة والمخاصمة أمام الأولاد يحقق مصالح كثيرة منها:

·       سلامة نفسيات الأطفال، والإبقاء على براءتها السوية.

·       بقاء هيبة الوالدين في نفوسهم، ودوام محبتهما.

·       المساعدة على سرعة حل الإشكال، والوصول إلى حل مرضِ بعد أن يهدأ كلٌّ منهما، ذلك لأنّ المتشاجرين عندما يريد كلٌّ منهما ألا يعلم بشجارهما أحد، يسارع كلٌّ منهما إلى طي الموضوع، وخفض الصوت، والإيجاز في الكلام.

إنّ إدراك الأبوين هذه الحقيقة ينبغي أن يبدأ مع بداية الحياة الزوجية وقبل أن يأتي الأولاد.

أما من فاته القطار ففرط في هذا الموضوع، وكان يعلن خلافه مع زوجته أمام الأولاد فليتعظ من الماضي، وليعدل نهجه فيما بقي من عمر هذه الحياة الزوجية، وليتق الله في نفسه، وزوجه، وأولاده.

إننا نحرق أعصابنا بالمجان! نثور، ونشتعل، ونؤذي أعصابنا وأجسامنا، ونحطم أولادنا! ونعقد حياتنا الزوجية تعقيداً شديداً عندما نخالف هذه الحقيقة.

قد تخطئ الزوجة خطأ جسيماً، لكن ليس من مصلحة الزوج أن يوجه إليها كلاماً شديداً، ولا أن يقرعها ويوبخها أمام أولادها، وكذلك يجب أن يكون موقف الزوجة أيضاً.

ذلك لأن من سنة الله في خلقه أنّ الإنسان يكون ميالاً مع من يبدو أنّه مظلوم مضطهد، فسيقف الأولاد إلى جانب من يحسبونه مظلوماً من الأبوين.

والأولاد عندما يرون أمهم تقابل بالعنف والشدة من أبيهم يميلون إليها، ويغمرونها بحنان تعويضاً عما لاقت.. وعندما يعيشون هذا المشهد المؤلم المؤثر، ولا يستطيعون أن يردوا على أبيهم، يكرهونه من أعماقهم، ويحقدون عليه، ولا يكون ذلك في مصلحته.

هذا ما دلت عليه الخبرة، وهذا ما انتهت إليه تجربة علماء النفس والتربية.

إذن فليكن العتاب والكلام الشديد – إن لم يكن بدّ منه – في خلوة لا يصل إلى أسماع الأولاد شيء منها، وإذا راعى أحد الزوجين شعور صاحبه فلم يوجه إليه العتب، واللوم، أو التوبيخ أمام أولادهما وجب على الآخر أن يكون هذا موضع تقديره.

ينبغي في لحظة من لحظات الصفاء أن توضع أسس بين الزوجين لمواجهة المشكلات ساعة الانفعال، كأن يتفقا على أمور من مثل:

·       أن يحتمل كلٌّ صاحبه. ·       أن لا يقابل أحدهما الانفعال بمثله. ·       أن يعترف المخطئ بخطئه ولا يكابر.

·       أن لا يدوم الهجران بينهما أكثر من ساعات، ولا يجوز أن يصل إلى يوم وليلة.

·       ألا يتكرر العتاب في مسألة واحدة إلا على سبيل الندرة.

·       ألا يدخل أحد منهما إنساناً بينهما لا أهلاً ولا صديقاً، ولا ولداً.

إنّ هذا الاتفاق الذي يحسن أن يكون مكتوباً قد يكون له تأثير نافع في الحد من الخلافات الزوجية، لا سيما إن كانت هناك رغبة في استمرار الحياة المشتركة بينهما من قِبَل الطرفين.

ولنتذكر أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأن من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، وأن كلم اللسان أنكى من كلم السنان، وأن عثرة الرجل تقال، وعثرة اللسان ربما لا تقال.

ولنذكِّر بهذه الأحاديث الصحيحة المشهورة: قال (ص): "لا تغضب".

وقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

وقال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر".

ارسال التعليق

Top