في مستهل شهر رمضان الكريم نستعيد وصف رسول الله محمد (ص) للقرآن حيث يقول فيما رواه الترمذي: "كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن إبتغى الهدى في غيره أضله الله.. هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) (الجن/ 1-2)، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم".
هذا القرآن: هو كلام الله المعجز المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بوساطة جبريل (ع)، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختتم بسورة الناس.
وفي فضائل القرآن وعلومه قال الله – سبحانه وتعالى – في سورة فاطر: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) (فاطر/ 29).
وفي شأن تدبر القرآن وفهمه قال الله في سورة محمد: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد/ 24).
وقال الله في سورة الأعراف: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف/ 204)، توجيهاً وتعليماً لأمة القرآن في أدب مجلس القرآن.
وفيما رواه البخاري وغيره عن رسول الله (ص) في شأن القرآن: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وقوله فيما رواه الحاكم: "إنّ هذا القرآن مأدبة الله؛ فتعلموا من مأدبته ما استطعتم".
وها نحن في شهر القرآن.. ينبغي أن نتواصى بتلاوته وبالعمل به.
ذلك أن من لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأ القرآن ولم يتدبر معانيه فقد هجره، ومن قرأه وتدبره ولم يعمل بما فيه فقد هجره.
ذلك ما يشير إليه قول الله – سبحانه – في سورة الفرقان: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان/ 30).
وإنّه لحق على كل مسلم ومسلمة تلاوة القرآن وترتيله، وحفظ بعض آياته بمقدار ما يؤدي به صلواته على الأقل، ففي سورة المزمل قوله سبحانه: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) (المزمل/ 4).
وفي سورة الإسراء قوله: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا) (الإسراء/ 106).
والترتيل: تفخيم ألفاظه، والإبانة عن حروفه، وأن يسكت بين النفس والنفس حتى يرجع إليه نفسه.
ومن هداه الله إلى التلاوة – عليه أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل.
وعلى المسلم حين يتلو القرآن أن يأخذ نفسه وأهله بما فيه من أحكام، تلك هي المسؤولية التي حملها الله للمسلمين في قوله – تعالى – في سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6).
وقوله – سبحانه – في سورة طه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) (طه/ 132).
وفي شأن الأولاد حدد رسول الله (ص) المسؤولية في قوله الذي رواه أحمد وأبو داود: "مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر سنين".
ولا شك أن تعليم الصلاة يقتضي تعليم الطهارة على نحو ما جاء به القرآن في سورة المائدة وما جرت به أحاديث رسول الله (ص).
والطهارة لازمة عند مس المصحف بحمله أو التلاوة فيه عند جمهور الفقهاء على ما يشير إليه قول الله – سبحانه – في سورة الواقعة: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة/ 77-80).
وإستثنى الجمهور من هذا الصبيان الذين يتعلمون القرآن ومعلمهم، فأجازوا له المس على غير وضوء. وقد إستحب العلماء الطهارة لتلاوة القرآن من غير مس المصحف، طهارة كطهارة الصلاة والتزين بالملابس، كما يتجمل للقاء الناس؛ إذ تلاوة القرآن مناجاة لله بكلامه فكأنّه في الصلاة، كما يستحب إستقبال القبلة حال التلاوة، والتعوذ قبل القراءة والنطق بالبسملة وعند بدء كل سورة جمعاً بين أقوال الأئمة في شأنها.
ويحرم على الجنب والحائض والنفساء تلاوة القرآن ومس المصحف وحمله.
ولقد روى البيهقي في دلائل النبوة أنّ النبي (ص) كان يدعو عند ختم القرآن بقوله: "اللّهمّ إرحمني بالقرآن وإجعله لي أماناً ونوراً وهدى ورحمة، اللّهمّ ذكرني منه ما نسيت، وعلمني منه ما جهلت، وإرزقني تلاوته آناء الليل، وإجعله لي حجة يا رب العالمين".
المصدر: كتاب (منهج الإسلام في التربية والإصلاح)
ارسال التعليق