من خلال التدبُّر العميق في القرآن الكريم... يحتك الإنسان بمنهج سماوي ورسالة من قبل الباري عزّ وجل، فحينما يناقش الإنسان من هو أعلى منه مستوى، فإنّه بالطبع سوف ينمي فكره، فكيف إذا احتك الإنسان بآيات تعبر عن إرادة الله عزّ وجلّ، فالتدبر في القرآن والغوص في أعماق الآيات لاكتشاف أبعادها وخلفياتها، سوف يبني ذهن الإنسان بناءً سليماً، لذلك فإن من يتدبر عليه أن يسلك منهجاً صحيحاً حتى يستفيد استفادة تامة من الآيات القرآنية ويصل في النهاية إلى غرض السورة، ففي البداية يجب أن يبحث الإنسان عن الفكرة المحورية التي تطرحها السورة، فأية سورة يبدأ بها الإنسان عليه أن يقرأها كلها بتروٍ ويبحث عن محور السورة والذي تشير كافة الآيات إليه. مثلاً حينما تقرأ سورة الشعراء تجد بانّ محورها هو بيان الفرق بين رسالات السماء وثقافة الأرض وسوف تكتشف بانّ الآيات كلّها مشدودة لهذا المحور كانشداد الالكترونات نحو النواة في الذرة، وهذه هي الهدفية في التفكير فهذا المحور (الهدف) يكون الإطار الذي يمنع التفكير من التشتت.
- ثمّ يبدأ البحث عن كلّ آية على حدة لمعرفتها، وكيفية ربطها بالمحور، انّ هذا الربط بين الفكرة الجزئية بالفكرة المحورية بالطبع سوف يعمل على تنمية التفكير.
- وهكذا يسترسل الإنسان ليبحث سياق الآية أو أسلوب طرح الآيات هل هي تصوير أم مجادلة أم أمر نهي أم زجر؟ فالآيات لا تأتي بأسلوب واحد، عليك اكتشافها، ثمّ تتساءل لماذا يستخدم الله هذا الأسلوب؟ وما هو موقعه من الآية؟
- وأيضاً من منهج التدبُّر في القرآن هو أن يربط الإنسان الآيات السابقة باللاحقة ومن ثمّ يربطها بالواقع، وأخيراً بحث الأفكار الجزئية التي تطرحها الآية، شرط أن تقتبس الأفكار منها اقتباساً دون فرض رأي معيّن على الآيات، لأنّها محددة بأفكار مناسبة لموقعها، وإن كانت تنقصها أفكار لطرحها الله عزّ وجلّ.
إنّ هذا النوع من الملاحظة والربط والتساؤل وتأطير التدبُّر بالأفكار القرآنية دون أن تخرج من مفهوم الآية... كلّ ذلك إذا تقيد به الإنسان سوف يطور من تفكيره تطويراً كبيراً جدّاً، ولهذا نرى بأنّ القرآن يدعونا للتدبُّر فيه بمنتهى الصراحة.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمّد 24).
أيّها الإنسان تدبر في الآيات القرآنية واكسر أقفالها أو تخلص منها كي تتدبر عميقاً في القرآن، تخلص من قفل التكبر... قفل الحقد... قفل الأنانية... قفل الحسد... قفل الغرور... فلابدّ أوّلاً التخلص من هذه الأقفال والتي هي الصفات النفسية الدنيئة، حتى تتمتع بنفسية صافية تستوعب آيات الله.
ومن المهم جدّاً أن يربط الإنسان الآيات بالواقع معتمداً على التساؤل وطرح الأسئلة على الأحداث والواقع، لأنّ هذا الطرح يثير تفكير الإنسان ويجعله يفكر أكثر بالحدث من خلال ربطه بالآية القرآنية بشرط أن يكون السؤال دقيقاً ويدور في إطار الفكرة التي تستعرضها الآية.
فلو صادفتك الآية الكريمة: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد/ 25).
تفكر فيها وأثر التساؤلات المناسبة للآية؟
ماذا يربط الكتاب بالميزان وبالحديد؟
ما أثر وجود هذه العناصر الثلاث على المجتمع؟
كيف يكون في الحديد بأس شديد ومنافع للناس؟
وهكذا... تثير مثل هذه التساؤلات لكي تكتشف أعماق الآية وبالتالي تعمل على تنمية قدراتك الذهنية.
هكذا فإنّ التدبر المنهجي يساهم في تنمية تفكير الإنسان وبنائه.
وعلى العكس فإنّ التدبُّر الفوضوي في آيات الله يشتت تفكير الإنسان ويجعله يتخبط يميناً وشمالاً بآيات الله وبالنهاية تزداد عنده الرواسب النفسية والفكرية، انّ المسلمين إنما فقدوا اهتمامهم بكتاب الله عندما أصبح تفكيرهم سطحياً فأصبحوا ينظرون إلى كتاب الله بأنّه لا يلائم هذا الواضع المنظور، بينما لو تدبّروا في آياته لاستخرجوا منه ما يواكب كلّ العصور.
المصدر: كتاب سرّ النجاح في شخصيتك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق