• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وقل اعملوا...

وقل اعملوا...

قال تعالى:

(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 96-97).

 

المفتاح:

العملُ صورتُك ورصيدُك، وهو التعبير الحقيقي عن الإيمان، فارصد أعمالك لتعرف قيمتك ومكانتك يوم الحساب.

(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ)، أي ما تملكونه أيّها الناس من صحة أو مال أو قدرة أو موجودات في هذه الحياة الدنيا لا يبقى، كلّ الإمكانات تفنى وينتهي أجَلُها، فما لم يخسره الإنسان في الدنيا أثناء حياته، يتركه عند الموت، بالغاً ما بلغ، فلا يصحب معه أي شيء، ولا يستطيع أن يتصرف بأي شيء. لا تتعلقوا بما تملكونه أو تستحوذون عليه، فهو أمانةٌ بين أيديكم، أكرمكم الله تعالى بها، وأنعَمَ عليكم بها، فتعاملوا معها كعطيةٍ من الله تعالى ونعيمٍ تُسألون عنه يوم القيامة. يجمع الناس الملايين والمليارات.

(وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)، فهو الأوّل والآخر، وهو المحيي والمميت، بيده الملك، فما عنده يبقى. (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) (الرحمن/ 27)، فالله تعالى هو الخالد الباقي الأبدي السرمدي، الذي يبقى ويفنى كلُّ شيء.

(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، الأمر يحتاج إلى صبرٍ، بأن تصبر على المصيبة والخسائر، وتصبر على طاعة الله تعالى ليوفقك إليها، وتصبر في مواجهة المعصية ليعينك الله لعدم ارتكابها، ففي الحديث الشريف: "الصَّبْرُ ثلاثَةٌ: صَبْرٌ عندَ المُصيبَةِ، وصَبْرٌ على الطّاعَةِ، وصَبْرٌ عن المَعْصيَةِ". يجب التحلي بكلِّ أنواع الصبر من أجل الفوز، عندها (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). لنفترض أنّك تصدّقت بصدقة اليوم وغداً وبعد فترة وهكذا، فالله تعالى يجزيك عن كلِّ الصدقات بأجر الصدقة الأفضل. أو أنك كنت بارّاً بوالديك، وبمظاهر مختلفة في برِّك لهما، فالله تعالى يجزيك بأفضل برٍّ بررت به والديك، وينطبق هذا التفضُّل على العبادة والصلاة، فلو صلّيت خلال حياتك عشرة آلاف صلاة، وقمت بأفضل صلاة مثلاً في ليلة القدر أو ليلة الجمعة، فالله يعطيك عن كلِّ واحدة بأحسن صلاة صليتها، بأجرها ومكانتها. فالعمل الصالح له أجره وثوابه أضعافاً مضاعفة يوم القيامة، وبأحسن صُوَرِه، فضلاً عن فائدته في الدنيا.

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ). العملُ الصالحُ هو الأصل والأساس، وتكون المكافأةُ على أن يكون صالحاً وليس لمجرد العمل، أمّا الأعمال السيئة والمنحرفة والآثمة فعليها عقاب. وقد ربط الله العمل بالصلاح، من دون فرق بين أعمال الذكر والأنثى، فكلٌّ منهما يحاسب على أعماله بحسبها، ويكون المائزُ بينهما هو المائزُ نفسه بين الناس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، الحياةُ الطيبة حياةٌ مؤنسة وسعيدة، حياةٌ فيها طمأنينة ونعيم. اختلف المفسرون في معنى الحياة الطيِّبة، فقال بعضهم: الحياة الطيبة هي الحياة الطيبة في الدنيا، وقال البعض الآخر: الحياة الطيبة هي في عالم البرزخ، وقال ثالثهم: الحياة الطيبة هي في الآخرة، وبصرف النظر إذا ما كانت الحياة الطيبة في الدنيا أو البرزخ أو الآخرة، لأنها عندما تكون طيبة في أي حياة، فآثارها عظيمة على الإنسان، وإن كان الأرجح أن تكون الحياة الطيبة في الدنيا. فسَّر أمير المؤمنين عليّ (ع) قوله تعالى: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، فقال: "هي القناعة". القناعةُ نتيجةٌ يُصاحبها الحمد على كلّ شيء، والشكر لله تعالى دائماً بالرغم من الابتلاءات والصعوبات، وإلّا ماذا يفعل من لا يعجبه راتبه الشهري؟ وماذا يفعل من لا يستطيع أن يدفع من لا يعجبه راتبه الشهري؟ وماذا يفعل من لا يستطيع أن يدفع عنه المرارات والآلام والصدمات والمشاكل؟ القناعةُ بما قسم الله تعالى له تريحه على المستوى النفسي وتطمئنه، ثمّ يكون العطاء الجزيل: (لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

 

1-     العمل هو المقياس:

الأساس في حياتنا هو العمل، فإذا أردت أن تقيِّمَ نفسك وتعرفَ مقامك وما أنجزت، عدا عن الصلاة والصوم والأعمال العبادية، فانظر إلى أعمالك وآثارها. كما أفرحتَ من قلوبٍ بتصرفاتك؟ وما مدى إحسانك مع جيرانك وأقاربك؟ ومن ساعدت؟ وأين أديت خدمة اجتماعية تنفع الآخرين؟ فالعمل هو الأساس. حدثنا الله عزّ وجلّ عن نتائج العمل في يوم القيامة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8)، كلّ ما نراه من إيمان وكفر مبني على أساس العمل، وكلّ الحساب يوم القيامة على العمل، فيفوز أصحاب العمل الصالح، ويخسر أصحاب العمل الفاسد.

العملُ الصالحُ لمصلحتك، والعملُ السيِّئ ينعكس عليك، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصّلت/ 46). إذا أصلح شخص بين شخصين فهذا عمل صالح، ينعكس إيجاباً عليه، ويستفيد منه في الدنيا، فضلاً عن الشكر والأجر ممن أصلح بينهما، وله في الآخرة أجرٌ عظيم. والعكس صحيح، فالذي يرمي الفتنة بين شخصين ويخلف بينهما، ينظر إليه الناس كمفتنٍ فيتجنبونه، ويصبح منبوذاً في مجتمعه، ثمّ يُحاسب يوم القيامة حساباً عسيراً.

أحدُ أشكال معرفة الإنسان الصالح، نظرةُ الناس إليه، وما يتكلمون به عنه، فإذا ما أشادَ أهلُ الحي أو القرية أو البلد بصلاحه ومعروفه وإصلاحه بين الناس، وذكروه بالخير دائماً، فهو كذلك، وإذا ما أشاروا إليه بالسوء لظلمه وفساده ومنكره، وذكروه بالشرِّ دائماً، فهو إنسان فاسد. ففي وصية أمير المؤمنين عليّ (ع) لمالك الأشتر قوله (ع): "وإنّما يُستَدَلُّ على الصالحينَ، بما يُجرِي الله لهم على ألْسُنِ عباده، فَلْيَكُنْ أحَبَّ الذّخائِرِ إليك ذخيرَةُ العمل الصالح". فعملك هو الذي يشير إليك، وإذا أرادت أن تعرِّف نفسك فعرِّفها بعملك.

يؤثر السلوك الحسن في الآخرين، ويبرز الشخصية المؤمنة، فأمير المؤمنين عليّ (ع) يوصي ابنه الحسن (ع) بالتعامل مع الزملاء والإخوة بقوله: "احمِلْ نفْسَكَ مِن أخيكَ عندَ صَرْمِهِ على الصِّلَةِ، وعند صُدُودِهِ على اللُّطفِ والمقارَبة، وعند جمودِهِ على البَذْلِ، وعند تَباعُدِهِ على الدُّنُوّ". اتصل بأخيك عندما يقطعك، وكن لطيفاً معه إذا صدَّك، واعطِه إنْ لم يُعطِك، واقترب منه إذا ابتعد عنك.

وفي قول آخر له (ع): "ولا تكونَنَّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان. ولا يَكْبُرَنَّ عليك ظُلْمُ مَن ظَلَمَكَ، فإنّه يَسْعَى في مَضَرَّتِهِ ونَفْعِكَ، وليس جزاءُ مَن سَرَّكَ أن تَسُوءَهُ". فلا يفكرنَّ أحد بأنّ الإمكانات الموجودة لديه تجعله من أصحاب المقامات الرفيعة، بل العمل الصالح هو الذي يجعل الإنسان ذا مكانة ومقام.

يضرب الله تعالى لنا مثلاً عن قارون وزير المالية عند فرعون، وصاحب الأموال الكثيرة: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص/ 76)، كانت لقارون مفاتيح كثيرة، تحتاج إلى رجال أقوياء لحملها، وهي تدل على كثرة الخائن التي يمتلكها، وكثرة الأموال المودعة فيها، فقال له الناس: لا تفرح (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (النحل/ 96)، فالقيمة للعمل الصالح.

يؤكد أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّ العمل هو الأساس، ومما قاله لِرَجُلٍ سأله أن يَعِظَه: "لا تَكُنْ مِمَّن يَرْجُو الآخرة بغير عملٍ... يُحِبُّ الصالحين ولا يعمَلُ عملَهُمْ، ويُبْغِضُ المُذنبينَ وهو أحدُهُم.. يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله... يُقصِّرُ إذا عَمِلَ، ويُبالِغُ إذا سألَ... فهو بالقَوْلِ مُدِلٌّ، ومن العملِ مُقِلٌّ".

يربط الله تعالى الإيمان بالعمل دائماً: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرّعد/ 29)، فالإيمانُ بابُ العمل الصالح، ولا قيمة للإيمان من دون عملٍ صالح، والعبادة فرعُ الإيمان إلى العمل الصالح، فلا تنفع كثرة الصلاة من دون أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتؤدي إلى الأعمال الصالحة، ومع الإيمان والعمل الصالح يحصل الإنسان على الدرجات الرفيعة: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 132).

 

2-     الإيمان والعمل:

يعظ لقمان الحكيم ابنه في قوله تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/ 17-19). أقم الصلاة كأمرٍ عبادي يترجم إيمانك، ثمّ انطلق إلى الأمر بالمعروف والأعمال الصالحة، فالتلازم دائم بين الإيمان والعمل الصالح.

الهجرة من العمل الصالح، والجهاد في سبيل الله من العمل الصالح، وهما مرتبطان بالإيمان، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة/ 20).

ولقد أمرنا الله تعالى بالتركيز على العمل الذي تظهر آثاره في الخير: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105).

وعن الإمام الباقر (ع): "الإيمانُ ما استَقَرَّ في القَلْبِ وأفْضى به إلى الله عَزَّ وجلَّ، وصَدَّقَه العَمَلُ بالطاعَةِ لله والتَّسليمِ لأمرِه"، فلا نفع للطهارة والعبادة إذا لم تترجم أعمالاً مع الناس وبين الناس! فكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح.

العاملون في سبيل الله تعالى هم: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النّور/ 37-38).

لا ينفع العلم من دون عمل، جاء رجل إلى رسول الله (ص) قال: "ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم. قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل". فتعلَّم لترفع الجهل، واعمل لترفع حجة العلم، فإنّك مسؤول أن تُترجم العلم عملاً صالحاً في حياتك، فإذا لم تترجمه في واقع حياتك وفي العلاقة مع الناس، فلو قرأت خمسين كتاباً إسلامياً أو علمياً أو غير ذلك، ولو حصلت على شهادات في الفلسفة وعلم الاجتماع، ووصلت إلى أعلى المراتب في الحوزة العلمية، فلا معنى لكلِّ هذا العلم، إنْ لم يصاحبه العمل، بل سيكون وبالاً عليك لأنك ستسأل يوم القيامة: لماذا لم تعمل بما علمت؟

ليس العلم مطلوباً لنفسه بشكلٍ مجرَّد، بل للعمل الصالح، وهو يتحول إلى عبءٍ ثقيل ومسؤوليّةٍ كبيرة إذا ما أدّى إلى الفساد والانحراف، الذي ينتهي بصاحبه إلى جهنم، فعن أمير المؤمنين عليّ (ع): "خيرُ العلم ما أصلحتَ به رشادَك، وشرُّهُ ما أفسدتَ به معادَك".

 

3-  ضوابط العمل:

الضابطة العامة للعمل أن يكون صالحاً، يقول الرسول (ص): "ثلاثٌ مَن لم يَكُنَّ فيه لَمْ يَتِمَّ له عَمَلٌ: وَرَعٌ يَحْجُزُه عَن معاصي الله، وخُلُقٌ يُداري به الناسَ، وحِلْمٌ يَرُدُّ به جَهْلَ الجاهِلِ". فمن لا يتصف بهذه الصفات الثلاث لا يمكن أن يكون عمله صالحاً.

ومن ضوابط العمل، ما أوصى به نبيَّنا الأكرم (ص) أبا ذر الغفاري (رض): "يا أبا ذر، كُن بالعمل بالتقوى أشد اهتماماً منك بالعمل، فإنّه لا يقلّ عمل بالتقوى، وكيف يقل عمل يتقبل؟! يقول الله عزّ وجلّ: إنَّما يتقبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ"، فقبل أن تنظر إلى العمل، عليك أن تمتلك خلفية صحيحة، ومنطلقات سليمة، فقبل أن تفكِّر بأنّ حُسن الخُلُق مع الآخر جيد أم لا، فكِّر بأن تقوم به قربةً إلى الله تعالى وطاعة له، ليكون الدافع هو الإيمان والتقوى، ما يساعدك على تقويم عملك ليكون صحيحاً.

يقول أعظم البشر وأولهم وسيدهم رسول الله محمّد (ص): "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي"، فالتوجيهُ الإلهي منطلقُ العمل الصالح، وهو الذي يوصل إلى المستوى الأرقى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).

ويقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "من لم يصلح على أدب الله، لم يصلح على أدب نفسه". فالذي لا يتأدب بأدب الله تعالى بحسب توجيهاته من خلال دينه ورسله، ولا ينتفع بأي أدب في الدنيا، فلا أدب يعادل أو يقترب مما يؤدب به الربُّ عباده.

نحن بحاجة إلى أن نلتفت إلى أعمالنا، فكما تهتم بإقامة الصلاة الواجبة بإتقان، وكما تهتم بأداء الصوم الواجب الذي أمر به الله، وكما تهتم بالواجبات العبادية الأخرى وبالنوافل والمستحبات قربة إلى الله تعالى وطلباً للصواب من عنده، يجب أن تضع نصب عينيك سلوكك وأعمالك وتصرفاتك في كلِّ شؤون حياتك وفي مجتمعك، لأنّها الرصيد والسلوك المؤشر لسلامة الإيمان.

اعمل ليكون عملك متقناً، فعندما توفي إبراهيم ابن رسول الله (ص)، رأى النبيّ خللاً في قبره فسواه بيده، فتفاجأ البعض بهذا العمل لأنّ القبر جيد ولا يحتاج شيئاً، فقال (ص) مخاطباً أصحابه: "إذا عَمِلَ أحدُكُمْ عَمَلاً فَلْيُتْقِنْ"، لتكون مكافأتك أفضل.

 

المصدر: كتاب مفاتيح السعادة

ارسال التعليق

Top