في موسم العطل الصيفية، ومع كثرة الأسفار الجوية، يتعرض الكثيرون للعديد من الاضطرابات الصحية التي يمكن أن تفسد عليهم عطلتهم. ما هي سبل الوقاية التي يمكن اتباعها لتمرير أيام السفر على خير؟
الكثيرون لا يعرفون، بل ويستغربون عندما يسمعون أن إمكانية الإصابة بعدوى مرضية تتضاعف مرات عدة أثناء السفر على ارتفاع آلاف الأمتار داخل الطائرة. أما سبب ذلك فيعود إلى وجود أعداد كبيرة من الناس داخل مكان واحد مغلق، يتميز بانخفاض نسبة الرطوبة فيه، وبارتفاع أعداد وأنواع الجراثيم التي تصول وتجول من دون رادع. ويقول الدكتور مارك جيندرو، المتخصص في طب الطوارئ والصحة الجوية في جامعة تافتس الأميركية، إنّ الرطوبة المنخفضة داخل الطائرة تجفف الأنف والفم، ما يجعلنا أكثر عرضة لالتقاط الفيروسات. ومن جهته يقول البروفيسور شارلز جيربا، أستاذ علوم الجراثيم البيئية في جامعة أريزونا الأميركية إنّ هذا الجفاف يزيد من صعوبة مقاومتنا للجراثيم المنتشرة في أنحاء الطائرة. وكان جيربا قد أجرى مؤخراً تجربة تم فيها فحص صواني الطعام المثبتة على الجوانب الخلفية لمقاعد الطائرة، فوجد عليها جراثيم إنفلونزا ومكورات عنقودية وغيرها. أما دورة المياه في الطائرة فتحتوي، كما أظهرت تجارب جيربا، على أعداد من الجراثيم الخطيرة، مثل أي – كولي، تفوق تلك الموجودة في أي مرحاض عام في المطاعم والمطارات والمكاتب.
غير أنّ السفر على متن "مصنع" الجراثيم هذا لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض. فهناك نصائح عدة يمكن تطبيقها قبل الرحلة، وأثناءها، ونحن منحشرون على مقعد داخل الطائرة، بين شخص يسعل إلى يميننا، وطفل يرشح أنفه إلى يسارنا.
1- تعزيز المناعة:
تقول طبيبة أمراض الأنف والأذن والحنجرة الأميركية الدكتورة سيزيل هادون، إن واحداً من أهم الأشياء التي يمكننا القيام بها للحفاظ على صحتنا أثناء السفر هي الحصول على قدر كافٍ من النوم، خاصة ليلاً، خلال الأسبوع الذي يسبق السفر. كذلك فإن تناول أقراص مكملة مقوية للمناعة، مثل خلاصة البلسان (Elderberry)، أو الجنسنغ قبل أيام عدة من السفر، يمكن أن يساعد على التخفيف من إمكانية إصابتنا بأمراض الجهاز التنفسي المعدية. ويقول جيندرو إن حوالي 99 في المئة من حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي تنتج عن لمسنا الأسطح أو الأشياء العامة الملوثة بالرذاذ المتصاعد أثناء السعال، وبالإفرازات المخاطية للمصابين بالرشح والإنفلونزا. ومن جهتها تنصح المتخصصة الأميركية في الطب الطبيعي المتكامل ماري سوندرز، بتناول قرص مكمل يحتوي على ما بين 2000 و4000 وحدة دولية من فيتامين D يومياً خلال فترة السفر. وعلى متن الطائرة يمكننا تعزيز مناعتنا عن طريق تناول 1000 ملغ من فيتامين C الفوار في كوب من الماء.
2- احتساء كمية وافرة من الماء:
يؤدي انخفاض مستويات الرطوبة داخل الطائرة إلى جفاف الفم والأنف والعينين. وتقول هادون إنّه كلما كانت "مراكز الحواس الحدودية" هذه رطبة، زادت قدرتنا على طرد الكائنات المسببة للأمراض التي تقترب منا. ومن المفيد استخدام قطرة خاصة لترطيب العينين، وأخرى لترطيب تجويف الأنف قبل وأثناء السفر. ويستحسن نزع العدسات اللاصقة أثناء السفر والاستعاضة عنها بالنظارات العادية لتفادي أي جفاف زائد، أو تهيج في العينين. وتنصح المتخصصة الأميركية في التغذية آشلي كوف، بشرب ليترين من الماء على الأقل قبل يوم السفر، ومثلها يوم السفر، وفي اليوم الذي يليه. كذلك من المفيد تناول البوتاسيوم الذي يعزز قدرة خلايا الجسم على امتصاص الماء. لذلك من المفيد أن نشرب ماء جوز الهند إذا توافر، فهو غني جدّاً بالبوتاسيوم، وإذا لم يتوافر يمكن تناول موزة، أو قرص من الفيتامينات المكملة التي تحتوي على البوتاسيوم.
3- شن حرب ضد الجراثيم:
من الطبيعي أمام العدد الهائل من الجراثيم التي تنتظرنا داخل الطائرة، أن نعمل على مكافحة أكبر قدر منها. وأسهل طريقة للقيام بذلك هي استخدام المحارم المعقمة لمسح الصينية المثبتة بظهر المقعد أمامنا، مقابض المقعد، ومفتاح الضوء والهواء، وكل ما سنقوم بلمسه واستخدامه حولنا. كما يمكن وضع بضع قطرات من المعقم السائل على منديل ومسح الأشياء المذكورة به. ومن الضروري تنظيف اليدين بالسائل المعقم هذا قبل تناول الطعام، وبعد استخدام مرحاض الطائرة. ويعلق جيندرو قائلاً إن غسل اليدين بالماء والصابون فاعل ضد الجراثيم، غير أننا قد نلتقط عدداً أكبر من الجراثيم من مغسلة حمام الطائرة. وهو ينصح بالامتناع عن لمس الوجه باليدين، وبتشغيل مفتاح التهوية الموجودة فوق الرأس، بحيث يوجه هواءه بشكل موازٍ لوجهنا. فإذا ما عطس أو سعل أحدهم بالقرب مناً، فسيساعد التيار الهوائي على منع سيل الجراثيم من الهبوط على وجهنا، ونقل العدوى إلينا. من جهة ثانية، وإذا كان في وسعنا، الاختيار، فالأفضل أن نجلس في المقاعد الموجودة في مقدمة الطائرة، لأنّها تتمتع بدرجة أفضل من التهوية.
4- حسن اختيار المأكولات والمشروبات:
معظم ما تقدمه الطائرات على متنها هو عبارة عن أطعمة ومشروبات يجب تفاديها. فالمشروبات الغنية بالكافيين تسهم في زيادة جفاف الجسم، وكذلك الصوديوم الموجود بكثرة في الفستق المملح الذي يقدم مع المشروبات، وهو فضلاً عن ذلك يسبب النفخة. وتقول كوف إنّ السكر الموجود في المشروبات والحلويات يضعف الجهاز المناعي عن طريق توفير الغذاء للجراثيم الضارة التي تقتات عليه، كما أنّه يزيد من حموضة البيئة الداخلية للجهاز الهضمي ما يوفر الظروف المناسبة لتكاثر هذه الجراثيم. وتقول سوندرز إنّه عوضاً عن السكر يجب أن نتناول أطعمة تساعد على جعل البيئة الداخلية للأمعاء قلوية، مثل الخضار والعدس واللوز. كذلك فإنّها تنصح بتذويب نصف ملعقة من بيكربونات الصودا (المستخدمة في تحضير المخبوزات) في كوب من الماء وشربه يومياً، قبل يومين من السفر ويومين بعده، وذلك للمساعدة على هيمنة البيئة القلوية داخل الجسم.
ومن جهتها تنصح المتخصصة الفرنسية في العلاجات الطبيعية ناديا فولف، بأخذ حفنة من الفواكه المجففة (المشمش، الزبيب، التين والخوخ) معنا على الطائرة. فهي غنية جدّاً بالبوتاسيوم، وتمدنا بالطاقة وتساعد على استقرار إيقاع ضربات القلب. وتشير إلى أن شدة الحرارة خلال الصيف تؤثر سلباً في القلب والأوعية الدموية. ولتعزيز الطاقة تنصح فولف بتدليك المنطقة الواقعة بين السبابة والإصبع الثانية على راحة اليد كل صباح.
من جهة ثانية تشير كوف إلى أهمية التخفيف من الأكل في يوم السفر بالطائرة. فالإفراط في الأكل يجهد الجهاز الهضمي، ويسبب النفخة والانزعاج. وتفضل كوف أن يأخذ المسافر معه وجبة صحية يتناولها على متن الطائرة عوضاً عن الوجبات غير الصحية التي تقدمها شركات الطيران. ويقول فيللي إن علينا تفادي المشروبات الغازية والأطعمة التي تزيد من عملية التخمر في الأمعاء، مثل البقوليات المجففة والملفوف أثناء السفر. ويضيف أنّ السفر على متن الطائرة يزيد قليلاً من المشاكل الهضمية. فكون الضغط الجوي على متن الطائرة أقل مما هو عليه على الأرض، فإنّ الغازات المعوية تميل إلى التمدد والانتشار.
5- التعامل مع الضغط:
الأشخاص الذين يعيشون في المدن الساحلية (على مستوى سطح البحر) قد يعانون أكثر من غيرهم، من عوارض ناتجة عن تفاوت الضغط الحاصل عند إقلاع الطائرة وهبوطها، مثل: الغثيان، آلام الرأس، وانسداد الأذنين. وينصح المتخصص الأميركي في العلاجات الطبيعية الدكتور أندرو باركر، بالتخفيف من تأثير تفاوت الضغط داخل الطائرة عن طريق البقاء متيقظين أثناء إقلاع وهبوط الطائرة. فإذا كان المسافر غافياً، فإن عملية البلع لديه لا تتم بشكل طبيعي، ولن يكون قادراً على تخفيف الضغط عن أذنيه. وتقول هادون إنّ الكثيرين يلجؤون إلى تناول مضادات الهيستامين لتفادي انسداد الأذنين. غير أن ذلك، كما تؤكد، لن يخفف الضغط عن الأذنين أو عن القناة السمعية، وقد يسبب جفاف الأنف، ما يزيد من تعريضه للجراثيم. وعوضاً عن مضادات الهيستامين، تنصح هادون بمضغ العلكة الخالية من السكر لفتح القناة السمعية وتخفيف الضغط عن الأذنين أثناء الإقلاع والهبوط. وينصح فيللي باللجوء إلى الطريقة التي يستخدمها الغطاسون للتخفيف من تأثير تفاوت الضغط في الأذنين، وهي تتمثل في سد الأنف بالإصبعين، والزفير بقوة من الأنف، ما يؤدي إلى توازن الضغط داخل الأذنين. ويمكن لمن يعاني الغثيان أن يلجأ إلى الزنجبيل الذي يحتوي على مادتين كيميائيتين طبيعيتين، هما جينجيرول وشوجول، تسهمان في التخفيف من نشاط المركز المسؤول عن التقيؤ في الدماغ. ويمكن تناول الزنجبيل على شكل مسحوق الجذور المجففة، وذلك بكمية تتراوح بين 250 ملليغراماً وغرام واحد عن طريق إضافته إلى اللبن مثلاً، وذلك قبل ساعة من موعد السفر. ويمكن تكرار تناوله كل أربع ساعات حتى زوال العوارض. كذلك يمكن تناول الزنجبيل على شكل نقيع، وذلك عن طريق وضع قطعة وزنها 5 غرامات من جذور الزنجبيل الطازج المبشور في إبريق يحتوي على ما يتراوح بين 150 و250 ملل من الماء المغلي، وتركها منقوعة لمدة 10 دقائق أو ربع ساعة، ثمّ يشرب النقيع يعد تصفيته. وللتخفيف من الطعم اللاذع للزنجبيل، يمكن إضافة القليل من عصير الحامض ونصف ملعقة من العسل إليه.
6- تفادي الجلوس الطويل:
الجلوس لمدة طويلة في مكان ضيق، مثلما هي الحال داخل الطائرة، يزيد من إمكانية الإصابة بانسداد أحد الأوعية الدموية. فعدم الحركة لفترة طويلة يؤدي إلى ركود الدم في الأوعية الدموية، ما يزيد من إمكانية تشكل الجلطات الدموية. وينصح المتخصص الأميركي في الوقاية من أمراض القلب، الدكتور أرثر أجاتستون، المسافرين على متن الطائرات بوقاية أنفسهم من تشكل الجلطات الدموية أثناء الرحلة، عن طريق رفع وإنزال كعبي قدميهم أثناء الجلوس من وقت إلى آخر مرات عدة خلال الرحلة. كذلك يجب أن يمشوا بضع مرات جيئة وذهاباً في ممر الطائرة، ويتفادوا ارتداء الملابس الضيقة. ويضيف أجاتستون أنّه يجب على الشخص الذي يشعر بالألم في بطة ساقه عند رفع وإنزال كعبي قدميه أن يستشير طبيباً عند الوصول.
ومن جهته ينصح فيللي، بارتداء الجوارب الخاصة التي تباع في الصيدليات والتي تساعد على تفادي انتفاخ الساقين نتيجة الجلوس الطويل، وتساعد على مكافحة تشكل الجلطات في أوعية الساقين الدموية. وهو ينصح أيضاً باحتساء كوب من الماء كل ساعة من ساعات الطيران.
وينصح المتخصصون في العلاج بالأعشاب بتناول أقراص من خلاصة عشبة الجينكو بيلوبا، قبل يوم السفر وخلاله وبعده. وتقول فولف إن هذه العشبة تخفف من مشاكل الدورة الدموية. كذلك فإنّها تنصح، خلال السفر، بتدليك نقاط محددة على بطة الساق لتنشيط الدورة الدموية. وتقع هذه النقاط على الجانب الخلفي من بطة الساق على ارتفاع 20 سنتيمتراً تقريباً عن عظمة الكاحل الخلفية.
7- التخفيف من عوارض التعب والغثيان:
يمكن الاستعانة بالزيوت العطرية، وخاصة زيت النعناع البستاني متعدد الفوائد للتخفيف من التوعك والتعب. إذ يمكن وضع قطرتين من هذا الزيت على منديل وتنشق رائحته للتخلص من الغثيان. ولمكافحة آلام الرأس، يمكن تدليك الجبهة والصدغين بقطرة من هذا الزيت العطري. ولتبديد الإحساس بالتعب، يمكن غمس عود تنظيف الأسنان في قارورة الزيت واستخراج مسحة صغيرة جدّاً منه نضعها على يدنا ونلحسها. ويجب تفادي ذلك بالنسبة إلى الأطفال والحوامل. ولمكافحة الغثيان أيضاً، ينصح المتخصصون في العلاجات الطبيعية باللجوء إلى الزنجبيل المعروف بقدرته على التخفيف من عوارض اضطرابات الجهاز الهضمي لاسيما الغثيان. وتنصح فولف بتدليك المنطقة الواقعة على ارتفاع 5 سنتيمترات عن طية الرسغين في الجانب الداخلي من الذراع. وللتخفيف من الاضطرابات الهضمية الأخرى، التي ينتج معظمها عن التوتر الذي يرتبط بالسفر، يمكن تدليك البطن بمزيج من زيت الحبق العطري وذلك بإضافة 5 قطرات من هذا الأخير إلى 10 ملل من زيت الزيتون واستخدام المزيج لتدليك البطن بحركات دائرية في اتجاه حركة عقرب الساعة. ومن شأن ذلك أن يخفف من التشنجات. ويفيد هذا التدليك أيضاً في التخفيف من آلام وتشنجات أي مناطق مؤلمة أخرى في الجسم. ولا ينصح باستخدام هذا الزيت لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 7 سنوات ولدى الحوامل.
ارسال التعليق