• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ماذا فعلا بي

ماذا فعلا بي

 

كانت سعيدة فوق العادة وهي تضيفنا بنشاط، شعرت بنباهتها أنّ الفضول أصابني من حركاتها الدائبة النشطة، فالتفتت، وقالت: حسناً. لننطلق بالحديث. كانت الأجواء عاصفة رملية صيفية بشدة، وكلا الصغيرين الولد والبنت المسحوقين فقراً وقذارة يرتديان ملابس متهالكة، أقرب إلى أوصال من القماش، وهما ينزفان عرقاً من قيظ الصيف خلف الباب. فسألني الولد المسكين: اعذريني أيتها السيدة.. هل لديكم ما هو مهمل؟ ابتسمت بوجههما، ولم أتمكن أن أصارحهما بعدم وجود أشياء فائضة، وجدت نفسي فيهما، وكأنني أحدق في مرايا تعكس وضعنا عبر عينيهما الساهدتين الراجيتين، احترت بالإجابة بما يشبه التمتمة التي أظهرتني أحاول التخلص منهما وقلقة من هبوب الأتربة داخل المنزل. سقطت نظراتي على كعبيهما الصغيرين العاريين المحمرين المتشققين من المشي.. فقلت لهما: ادخلا لتشاركاني كأساً بارداً من اللبن مع التمر.. فرحت: إذ وجدت عندنا أكثر من اللبن والتمر يمكن أن إقدمه لهما، فكان هناك الخبز والجبن والخضراوات، فوجهت البنت البريئة طلباً بسؤال لي: هل يمكن أن نأخذ شيئاً من هذا إلى أهلنا؟. فرددت عليها بالإيجاب، وطلبت منهما أن ينظفا أقدامهما بعد غسل كفوفهما، فأجابني الصغير: ستتلف من جديد في الشارع.. اقتنعت برده، وتركتهما يأكلان بحرِّية، مستمتعين ببرودة البيت. لمحت البنت المسكينة تفحص التمر حبة حبة متذوقة الحبات في لسانها بحيرة، وسرعان ما سألتني: اعذريني سيدتي.. هل أنتم أثرياء؟. احترت من فضولها المحبب المثير، وقد مررت عيني نحو الأرائك التي توحي للخبير بأني أرتق تلك الشقوق بين الآونة والأخرى؛ كي أحفي الخلل فيها، ومثلها الستائر والأغطية وغير ذلك، والتي بات بعضها كالمزهريات، وقد اعتقد الكثيرون أنني اشتريتها بالأصل هكذا. فرددت على سؤالها البريء: ما الذي دفعك لهذا السؤال؟ فأجابت: أدوات المطبخ ألوانها متناسقة.. والتمر حباته متنوعة الأنواع.. منعت نفسي أن أجادلها؛ لأني شعرت بأنهما أخذا انطباعاً جيِّداً عني، وأقنعتهما أن يأخذا زوجي حذاء كنت قد قررت بيعهما كعادتي، راقبتهما مسرورة، وهما يلملمان أكياسهما مما أخذاه مني وقد أخفيا الحذاءين دون أن يلبساهما.. وكانت كلمات البنت الصغيرة تذوب كالثلج في فكري الساخن، لتجعلني لأوّل مرّة في حياتي أدقق في أدوات المطبخ.. ذهبت لإضافة البطاطا إلى التشريب. الذي نادراً ما أضيف له لحما، وبدأت خلطه كعادتي، ولكن هذه المرة بحماسة شعرت بجدران البيت والسقف الذي يحميني وعائلتي من العواصف، هناك صدى زوجي السالم وهو في عمل يسد بالمقدور حاجاتنا.. ضجة أطفالي يمكن أن يبنوا مستقبلهم بتوفيق الله أيضاً.. ماذا فعل بي هذان الصغيران.. وأنا أمسح آثار قدميهما على سطح المطبخ، قررت إبقاء آثار بقع أكلهما على قماش المنضدة؛ كيما تذكرني دوماً بأننا أثرياء.

ارسال التعليق

Top