أسرة
1- أي بُنيّ!
كُن هاشّاً، باشّاً، بسّاماً.. ما استطعت!
- الأُسوة:
قال رسول الله (ص): "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالِكُم، فالقوهُم بطلاقَةِ الوَجْهِ، وحُسنِ البِشر"!
ونقل عنه أكثر الناس معرفةً به، أخوه وابنُ عمّه (علي بن أبي طالب (ع))، أنّه قال: "إنّ اللهَ يَبغضُ المُعَبِّسَ في وجه إخوانِه"!
وكان (ص) يرى أنّ البشاشةَ علاجٌ للحقد، فيقول: "حُسنُ البِشرِ يُذهِبُ بالسخيمة"!
وهذه بعضُ شهادات أبنائه (ص):
1- يقول الإمام الباقر (ع): "كان من رأفته (ص) لأُمّته مُداعبتهُ لهم، كي لا يبلغ بأحدِهم منه التعظيم حتى لا ينظر إليه"!
2- ويقول الإمام الصادق (ع): "لقد كانَ رسول الله (ص) يُداعِبُ الرجُلَ يُريدُ أن يُسِرّه"!
ومثلُ هذا قول الإمام علي (ع): "كان رسول الله (ص) يُسِرُّ الرجل من أصحابه إذا رآهُ مغموماً، بالمُداعبة"!
وكان (ص) يُميِّز بين (المؤمن) وبين (المنافق) من خلال بشاشة الأوّل وعبوس الثاني، فيقول: "المؤمنُ دَعِبٌ لَعِبٌ، والمُنافِقُ قَطِبٌ وغَضِب".
- التأسِّي:
أي بُنيّ!
لقد كان العربُ إذا مدحوا أحداً، قالوا عنه: هو ضحوك السنِّ، بسّامُ الثنيّاتِ، هشٌّ إلى الضيفِ!!
وإذا ذمّوا أحداً، قالوا عنه: هو عبوسُ الوجه، جهيمُ الُمحيّا، كريهُ المنظرِ، حامضُ الوجنةِ، كأنّما نُضِّح وجهُهُ بالخلِّ، أو أُسعطَ خيشومَه بالخردَل!!
أي بُنيّ!
إنّ أوّل ما يُطالعك من شخصٍ وهو مُقبلٌ عليكَ وجههُ، فإذا كان مُبتسماً عرفت أنّه مرتاحٌ سعيدٌ، وأنّه سيُريحك ويُسعدك، وإذا كان متجهِّماً، أدركتَ أنّه يحملُ لكَ الهموم والسموم علاوة على ما لديكَ منهما.
أي بُنيّ!
طالِع الآخرين بوجهٍ بسّام، فالإبتسامةُ تحيّةٌ شفّافةٌ تسبقُ التحية، هي فراشة تطيرُ من وجهكَ لتحطّ على زهرةِ قلبِ مَن تُقبِلُ عليه، فيستحيلُ لقاؤكما إلى روضة!
وقد لا يكون لديك ما تُقدِّمهُ لأخيكَ من مالٍ أو خدمة أو معونةٍ أو مساعدةٍ، لكنّ طلاقة الوجه وحُسن البِشْر والكلمة الطيِّبة يُخفِّفان من همّه إن لم يُزيلاه، فتكون قد سلّيته إن لم تقدر على أن تُسرّه.
أي بُنيّ!
البعض عوّد نفسه أن يبتسم في كل الأحوال، أن يُغالِب القهر بابتسامته، أن لا يعينَ الكآبة على نفسه.. يذوِّبها بابتسامةٍ منتزعةٍ تتعالى على الموقف الحزين، واللّحظة الكئيبة.
إنّها ليست ابتسامةُ البلاهة والسفاهة.. إنّها ابتسامةُ القدرة على التغلغل بين الغيوم لينساب الشعاع ولو بصيصاً!!
أي بُنيّ!
في علم النفس اليوم يتحدّثون عن (سحر الشخصية)، وأنّ العلماء يقرِّرون أن في الإمكان الإتصال من دون سلك بأبعد الناس، وإن كلّ كائن إنساني قد وُهِبَ خاصّة (إشعاعيّة) تختلف سطوعاً وخموداً حسب درجة نشاطه النفسي، كما تختلف نتائجها وأصداؤها حسب دقّة توجيهها.
أي بُنيّ!
كان رسول الله (ص) يمزحُ مع أصحابه، حيث يقول: "إنِّي لأمزَحُ ولا أقولُ إلا حقّاً".
أي بُنيّ!
كلُّ مَن يقول لك إنّ على الإنسان المؤمن أن يكون صارمَ الوجه، جامد القَسَمات حتى يبدو كيِّساً، فلا تُصدِّقه، فالعبوسُ – يا ولدي – ليس من شِيَم المؤمنين، إنّه من صفات المُنافقين، وإنِّي لأربأُ بِكَ أن تكون لك من صفاتهم التي يبغضها الله، صفة.
عوِّد – أي بُنيّ – عضلات وجهكَ على الإنبساط والبشاشة، فذلك أقلُّ كُلفةً من التجهم، وصدق مَن قال: "البشاشةُ حباله المودّة"!
تريدُ أن تكون صيّاداً ماهراً (تصطادُ القلوب).. لتكن ابتسامتك المُشرقةُ النقيّة، هي (الشبكة)!!
2- أي بُنيّ!
كُن المبادر إلى التحية والسلام.. ما استطعت!
- الأُسوة:
كان رسول الله (ص) يبدأ مَن لَقِيَهُ بالسلام، ويُسلِّم على الصغير والكبير، وإذا لقي مسلماً بدأ بالمُصافحة، وكان يرفض تحيّة أهل الجاهلية، فيقول: "لقد أبدَلَنا اللهُ خيراً من ذلك تحيّةَ أهل الجنّة: السلام عليكم"!
وكان (ص) يقول: "السلامٌ تحيّةٌ لملّتنا، وأمانٌ لذمّتنا"!
وكان (ص) يوصي، فيقول: "إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرّقوا بالإستغفار".
وكان (ص) يؤكِّد: "إنّ من موجبات المغفرة، بذلُ السلام وحُسنُ الكلام".
وكان (ص) يرى أنّ أشدّ البخل هو البخل بالتحية والسلام، فيقول: "إنّ أبخل الناس مَن بخل بالسلام".
وكان (ص) يعتبر المبادئ بالسلام بريئاً من التكبّر، فيقول: "البادئُ بالسلام بريءٌ من الكِبر".
وكان (ص) يحثّ على الإكثار من السلام ونشره، فيقول: "أفشِ السلام يكثرُ خيرُ بيتك".
وكان (ص) يدعو إلى نشر السلام على نطاق العالم كلّه، فيقول: "لا أخبركم بخيرِ أخلاقِ أهل الدنيا والآخرة؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
فقال: إفشاء السلام في العالم"!
وكان (ص) يُثمِّن المُبادرة في التحية، فيقول: "السلام تطوّعٌ، والردُّ فريضةً"[1].
- التأسِّي:
أي بُنيّ!
أتعرف عن أي براعم الخير والبركة تتفتّح التحية؟
إنّها رسولك الذي يُعبِّر عن شخصيّتك.. أنت تُسلِّم، هذا يعني أنّك مُسالم، أنتَ تُسلِّم.. سلامك رسالةُ تطمين وأمان للآخر، وربّما كان فاتحة عهدٍ لتعارفٍ وتآلف، أو زيادة معرفةٍ وأُلفة.
أي بُنيّ!
المُبادرة إلى السلام تعبيرٌ عن روحية الكرام، وعن روحيّة التواضع، وعن روحية الحب، وعن روحية الصفاء.
تحيّةٌ تُلقيها على أخيك أو جارك أو زميلك أو على جمع من الناس، تجلبُ لك كلّ ذلك.. ترسمك في أذهان المُسلَّم عليهم: كريماً، متواضعاً، مُحِبّاً، مُخلِصاً ودوداً.
أي بُنيّ!
لا كلام قبل السلام.. فالسلام إيذانٌ بأنّ الطريق سالكةٌ آمنة، فلا يسبق كلامُكَ سلامَك.. إنّه افتتاحيّةٌ محبّبةٌ تجعل ما بعدها منتظراً ومُرحّباً به.
إنّك إذا ألقيت التحية على جماعة سبقوك إلى المكان أو الاجتماع، فذلك يعني أنّ بإمكانك أن تلتحق بالجمع بلا ريبة، وأن تنخرط معهم بلا تردّد.
أي بُنيّ!
إنّ تحيّة الإسلام: (السلامُ عليكم) تدريبٌ عملي على أخلاق الجنّة، لا لكي نتقنها هناك، بل لأن مِنَ الرائع الممتع حقّاً أن تمارس جنتك من الآن. تخيّل وأنت في حضن النعيم الأبدي والملائكة يطلّون عليك بـ(سلامٌ عليكم)!
أيّة نغمة أحلى، وأيّة نبرة أعذَب من ملاكٍ يلقي عليك التحيّة؟
أيّ سرور يُداخلك وأنتَ ترفلُ بين أجنحة السلام؟!
دَع جناح السلام يُرفرف على مَن حولك.. كُن الملاك الذي يُلقي على الآخرين التحية!
أي بُنيّ!
والتحية ليست كلاماً دائماً، فقد تكون التحية هديةً تبعث إلى مَن تحبّ، أو رسالة وأنتَ مسافر، أو كلمة طيِّبة، أو ابتسامة عذبة بوجهٍ بريء.
ألم تُحيِّ تلك الجاريةُ الإمام الحسن (ع) بباقة ريحان، فحيّاها بأحسن منها بأن أعتقها!
أي بُنيّ!
رُدَّ التحية بمثلها..
لكنّك وأنتَ تعملُ على أن تتأسَّ بنبيِّك حيِّ بأحسن منها!
أمّا ترى لو أنّك أهديتَ شخصاً قلماً وأهداكَ كتاباً، كانت هديّته أهنأ لنفسك، واقرَّ لعينك؟!
[1]- قال الإمام علي (ع): "السلامُ سبعونَ حسنة، تسعةٌ وستّون للمُبتدئ وواحدة للرّاد".
ارسال التعليق