• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كمالات الإمام زين العابدين (ع) الإنسانية

عمار كاظم

كمالات الإمام زين العابدين (ع) الإنسانية

الإمام زين العابدين (عليه السلام) هو الإمام الَّذي ملأ الواقع الإسلاميّ في مرحلته علماً وروحانيّةً ومنهجاً وحركةً في المجالات الّتي كان الإسلام يواجهها ويتحرَّك فيها في ذلك العهد، هو مؤسس مدرسة الإسلام الفكرية وباني صرح الإسلام العلمي الشامخ. كان الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) الإنسان الّذي عاش لله، ومع الله، وفي سبيل الله، وفي خدمة دين الله، وفي النّصح لعباد الله، وبذلك كانت إمامته إمامة حقٍّ وصدقٍ وعدل.

في كلمةٍ له: «إنَّ المعرفة بكمال دين المسلم»، فهو يعتبر الكلام مسؤوليَّة، وأنَّ الله أعطاه نعمة اللّسان من أجل أن يحرّكه في حاجاته وقضاياه وما يتّصل بحياته، سواء كان ذلك مرتبطاً بحياته الشَّخصيَّة في مسؤوليَّاته عن نفسه، أو بحياته العامّة في مسؤوليَّاته عن مجتمعه. أمّا الكلام الَّذي لا يتَّصل بمسؤوليَّته الخاصَّة ولا العامَّة، فإنّه يشعر بأنَّ إطلاقه في هذا المجال لن يؤدّي به إلى خير، ولن يحقِّق له أيّة نتيجة ترضي الله، بل قد يوقعه في مشاكل في دينه ودنياه، ولذلك، فإنّ المؤمن يقف من أجل أن ينظِّم كلماته لتكون الكلمات الّتي تتّصل بمسؤوليّته، أمّا ما لا يتّصل بهذا الجانب فهو لغو، والمؤمن يوفِّر على نفسه وعلى غيره مثل هذا اللّغو الّذي يعدّ من فضول الكلام الَّذي لا فائدة منه.

«وقلّة مرائه»، والمراء هو الجدل في مقام الخصومة، فليس من شأنه أن يخاصم النّاس في الأمور الصّغيرة أو التّافهة، أو التي تبعث على النـّزاع والضّغينة، فكلّ ما عنده أن يجادل بالحقّ، وبالّتي هي أحسن، وليثبت حقّاً ويدفع باطلاً. فالمراء ليس من خلق المؤمن، لأنَّ للجدال نتائج سلبيَّة على مستوى حياته وحياة الناس، وربما يقود الإنسان إلى كثيرٍ مما يغضب ربّه ويدمّر حياته. ولذلك تراه قليل المراء، لأنّه لا يماري ولا يجادل إلا عندما تكون هناك ضرورات للإسلام وللحياة ولنفسه، فهو منفتحٌ على النّاس، ولا يدخل في جدالٍ إلا إذا كان هناك ما يفرض ذلك كمسؤوليَّة.

«وحلمه»، فمن كمال دين الإنسان المؤمن، أن يكون واسع الصَّدر، بحيث لا يثور عندما يُثار، ولا يتعقَّد عندما تطلق الكلمة السلبيّة في مواجهته، ولا يجابه الإساءة بالإساءة، بل يحاول أن يعطي للموقف حلمه، حتى يستطيع أن يتفادى المشكلة من خلال سعة الصَّدر التي تواجه الإنسان المسيء، بما يجعله يشعر بسقوطه النّفسيّ من خلال إساءته. وقد حدّثنا الله سبحانه وتعالى عن هذه الصّفة بقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199). وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) (الفرقان/ 63).

إنَّ الحلم يمثّل الأفق الرّحب الّذي يعيشه الإنسان أمام سلبيّات الآخرين، ليجعلهم يقفون وجهاً لوجهٍ أمام سلبيّاتهم، ليتراجعوا من خلال ذلك. والإمام (عليه السلام) يركّز هذه المسألة على أساس واقعيّ يحتاط فيه لبعض الحالات الّتي ربما يستغلّها المجرمون أو المسيئون،ـ ليتمادوا في إجرامهم أو إساءاتهم عندما يسكت الآخرون عنهم، فيقول الإمام (عليه السلام) فيما روي عنه في (رسالة الحقوق): «وحقّ من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو عنه يضرّه انتصرت».

فعندما ترى أنَّ العفو عن المسيء، وأنَّ موقف الحلم، يجعله ممن تأخذه العزَّة بالإثم، ويتصوَّر أنَّ الّذين يعفون ضعفاء أمامه، وأنَّه يملك القوَّة الّتي تتيح له التّمادي في الإساءة إلى الآخرين، مما يعود عليه سلباً في نهاية المطاف، فإنَّ عليك أن تأخذ بحقِّك في ذلك.

ارسال التعليق

Top