يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 45-46). يحثّ القرآن الكريم في هذه الآية على الاستعانة بالصّبر والصلاة للتغلّب على الأهواء الشخصية والميول النفسية. ثم يؤكّد أنّ هذه الاستعانة ثقيلة ولا ينهض بعبئها إلّا الخاشعون: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، وهم الذين آمنوا أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون. لأنّ الإيمان بلقاء الله والرجوع إليه، يُحيي في قلب الإنسان حالة الخشوع والخشية والإحساس بالمسؤولية. وهذه أحد الآثار المهمّة للإيمان بالرجوع إلى الله، حيث تجعل هذه التربية الفرد ماثلاً دوماً أمام مشهد المحكمة الإلهية الكبرى، فتدفعه إلى النهوض بالمسؤوليات الشرعية الملقاة على عاتقه، وإلى إحقاق الحقّ والعدل دوماً، فلا يظلم نفسه ولا الآخرين. ولقاء الله تعالى ليس المقصود منه اللقاء الحسي، كلقاء أفراد البشر مع بعضهم بعضاً، لأنّ الله ليس بجسم، ولا يُرى بالعَين، بل المقصود منه اللقاء المعنوي، والرؤية القلبية، بمعنى مشاهدة آثار قدرة الله وعظمته تعالى، وحضوره عزّوجلّ الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه مطلقاً. وهذه الحالة تحصل نتيجة الطّهر والتقوى، والعبادة وتهذيب النفس في هذه الدنيا، وتخليتها من الأهواء والصفات الذميمة. وفي هذه الآية المباركة يأمر الله تعالى الإنسان بالاستعانة بالصبر والصلاة للتغلب على الصعاب والمشاكل التي سوف تواجهه في هذه الحياة، خصوصاً تلك المتعلّقة بنفسه الأمّارة بالسوء. فهو أحوج ما يكون عند منازلتها إلى المعين الذي يعينه، ويساعده في معركته القاسية معها. وتشير الآية بشكل صريح وواضح إلى أنّ دواء الإنسان يكمن في أمرين هما الصبر والصلاة، وتأمره بالاستعانة بهما لأنّهما خير معين عند الشدائد وفي النوائب. فالصبر هو حالة الصمود والاستقامة والثبات في مواجهة المشاكل، والصلاة هي وسيلة الارتباط بالله حيث السند القويّ المكين. الصبر ضد الشكاية والجزع، وهو قوّة تحمّل الإنسان وثباته، وعدم اضطرابه عند مقاومته لأهواء النفس وشهواتها، أو عند إتيانه بالعبادات والطاعات وانتهائه عن المعاصي والمخالفات، أو عند تعرّضه لأنواع الشدائد ونزول المصائب عليه. فلا يجزع ولا يشتكي ولا يأتي بالأفعال والحركات غير الملائمة. بل يثبت ويتحمّل ويقاوم إلى أن تنجلي ظلمة المحنة، أو يكتب له النصر على عدوّه، فيؤتيه الله تعالى أجره مرّتين جزاءً بما صبر: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (القصص/ 54). فالصبر لا يعني تحمّل الشقاء، وقبول الذلّة والاستسلام للعوامل الخارجية، بل على العكس، الصبر يعني القدرة على التحمُّل والمقاومة، والثبات أمام جميع المشاكل، والصمود أمام الحوادث المرة، وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع، لأجل بلوغ الأهداف الإلهية العليا والغايات الإنسانية السامية. فالصبر وقوة التحمُّل من أهمّ الأدوات التي تعين الإنسان وتساعده في مسيرته نحو الحقّ تعالى، وارتقائه في مراتب الكمال الإنساني. وعلى المؤمن الصادق أن يكون صابراً ومتحمّلاً أمام الأحداث والحالات المختلفة التي سوف يمرّ بها، فلا يهن ولا يضعف ولا يجزع أمامها، بل يكون كالجبل الراسخ، فلا يدع لتكامله مجالاً للتوقّف والمسامحة والغفلة (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصّلت/ 30). فالصبر إذاً، شرط أساسي للفوز برضا الله تعالى والقرب منه، والذي يتجلّى بأبهى صوره عندما يتّخذه الله تعالى وليّاً له وخليفةً، وهادياً بأمره.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق