• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عاقبة الصبر

عمار كاظم

عاقبة الصبر

الصبر هو أُمُّ الفضائل، وأصل مكارم الأخلاق، ومنه تتفرّع المحامد، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10)، (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (القصص/ 54). فالصبر، هو كفُّ النفس عن الجزع عند حلول مكروه، وقيل إنّه امتناع النفس عن الشكوى على الجزع المستور، والمراد من الشكوى هنا الشكوى إلى المخلوق، وأما الشكوى عند الخالق المتعالي وإظهار الجزع والفزع أمام قدسيته فلا تتنافى مع الصبر. والصبر يفيد في تربية النفس وتقوية الإرادة وصقل الشخصية، وينمي قدرة الإنسان على الجلد والتحمل وتقبل نوائب الدهر وصعاب الحياة، فهو مما يستعين به الإنسان لقوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة/ 45) ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 200). فالإنسان المؤمن الصابر يتحمل مصائب الدهر وكوارث الحياة ويتقبلها بصدر رحب ولا يضعف أو ينهار أمامها، لأنّ كلّ ما يصيبه في هذه الحياة الدنيا إنما هو إبتلاء من الله تعالى ليعلم الصابرين من عباده كما في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد/ 31).

للصبر نتائج كثيرة، أهمها: ترويض النفس وتربيتها، فالإنسان إذا صبر حيناً من الوقت على المفاجآت المزعجة ونوائب الدهر، وعلى مشاق العبادات والمناسك، وعلى مرارة ترك الملذات النفسية امتثالاً لأوامر وليّ النعم، وتحمل الصعاب مهما كانت شديدة ومؤلمة، اعتادت النفس شيئاً فشيئاً وتروضت، وتخلت عن التمرد، وتذللت صعوبة تحمل المشاق عليها، وحصلت للنفس ملكة راسخة نورانية، بها يتجاوز الإنسان مقام الصبر ليبلغ المقامات الأخرى الشامخة. بل إنّ الصبر على المعصية يبعث على تقوى النفس، والصبر على الطاعة، والصبر على البلايا يوجب الرضا بالقضاء الإلهي، وكلّ ذلك من المقامات الشامخة لأهل الإيمان بل لأهل العرفان.

على أنّ الصبر لا ينبغي أن يفهم منه الخضوع والاستكانة والاستسلام والكسل والتراخي، وإنما الصبر الصحي هو الصبر الإيجابي المرتبط بالمثابرة والجد والاجتهاد والإصرار على تحقيق الأهداف الإيجابية والصالحة. فالشخص الصابر يتمتع بالمثابرة والثبات وقوة الإرادة والعزيمة وعلو الهمة كما في قوله تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الأنفال/ 65).

والله وعد الصابرين أنّه معهم (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46) وعلق النصرة على الصبر، قال تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران/ 125). وجمع للصابرين أموراً لم يجمعها لغيرهم فقال: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 157).

فعاقبة الصبر هي الخير في هذه الدنيا، ويبعث على الأجر والثواب في يوم الآخرة، قال الإمام الصادق (ع): «من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد»، وقال أيضاً (ع): «إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبر مطل عليه، ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه المكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه».

ارسال التعليق

Top