يقول تعالى: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة/ 69). العمل الصالح مقولة واسعة تشمل كلّ أنواع البرّ والأعمال الخيرة والمفيدة، سواء كانت للفرد أو للمجتمع، بما في ذلك كسب العيش الحلال، وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله». وقد يكون العمل الصالح: كلمة طيِّبة، أو إصلاح بين الناس، أو دعوة إلى الله ورسوله ودينه، أو إرشاد لمحتار، أو مساعدة لمحتاج، أو إشاعة العلم ونشره، أو الحثّ على الخير، أو تعليم مهنة، أو مشاركة في إعمار مسجد، أو إعماره بحضور الصلاة والدُّعاء، أو خُلق حسن مع الأهل والأولاد، أو إشاعة السلام بين الناس... إلخ. العمل الصالح هو نتاج لنيّة الإنسان الصالحة وما يحمله من خير وبركة ونور في قلبه، فإذا ما ترجم الإنسان ما يحمله في داخله إلى سلوك خارجي، ازداد نوراً وتألقاً وامتلأ قلبه نضرة وسروراً، لأنّه سيعيش لحظة الصدق مع ذاته، ويشعر بالأمن من نفسه ومعها، فلا يعيش الازدواجية التي تمزّق النفس شطرين يحارب أحدهما الآخر، بل يكون الظاهر والباطن عنده سواء متحابين ومتعايشين ومتناصرين.
وللعمل الصالح قيمته الخاصّة عند الله، عندما يرتكز على قاعدة العقيدة التي تجعل منه شيئاً ثابتاً في النفس، وحركةً فاعلةً في العقل والروح والشعور، لتصبح طبيعته ممتدةً بامتداد الروح الذي أوحى به، والفكر الذي انطلق منه، والآفاق التي عاش فيها، لأنّ هناك فرقاً بين العمل الذي ينطلق من عادةٍ ذاتية أو من تقليدٍ اجتماعي، أو من مزاجٍ شخصي، أو من حالةٍ فكريةٍ طارئةٍ لا عمق روحي لها في شخصية الإنسان الفكرية، وبين العمل الذي ينطلق من قاعدةٍ فكريةٍ واسعةٍ شاملةٍ، تتكامل فيها الأعمال، وتتوزّع فيها الأدوار وتغذي بعضها بالمعاني التي يحملها البعض الآخر.
يعطينا السياق القرآني دلالة بلاغية عالية المضامين، وهي تبيّن الفارق الكبير بين تأثير القول، وتأثير العمل في النفوس وفي أرض الواقع، وإنّ تأثير العمل أوقع في النفس من تأثير القول المجرد، لذلك علينا أن نأخذ درساً قرآنياً مهمّاً، أن لا يختلف قولنا عن عملنا، بل يكون عملنا ترجماناً لقولنا، وقولُنا ترجماناً لعملنا، ولا نقول ما لا نعمل، بل نعمل ما نقول. لذلك كان قرين الإيمان في القرآن الكريم العمل الصالح، وفي جميع آياته البيِّنات، كما قرين حسن العبادات بحسن المعاملات في القرآن الكريم أيضاً، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الكهف/ 30). وعن الإمام الباقر (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الرُّوم/ 44). قال (علیه السلام): «إنّ العمل الصالح يذهب إلى الجنّة ويمهد لصاحبه، كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثمّ قرأ الآية».
فقد عاتب القرآن الكريم الذين آمنوا بعتاب شديد، وفيه تهديد وتشديد، عندما يختلف قولهم عن فعلهم فإنّها انتقاص في الشخصية، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3). وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «للمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق