• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مرتكزات وعي المرأة

عمار كاظم

مرتكزات وعي المرأة

الله سبحانه وتعالى عندما تحدّث عن نشأة الخلق قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء/ 1). وعندما أطلق المسؤولية في الحياة، لم يفرّق بين امرأة ورجل، قال عزّوجلّ: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران/ 195). وقال أيضاً في مجال ثوابه: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 35).

لقد استطاعت المرأة تأكيد موقعها الفاعل في مواقفها الثابتة المرتكزة على قاعدة الفكر والإيمان، وهو ما نلاحظه من خلال بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة، في نشأتها العقلية والثقافية والاجتماعية، وهذا ما حدّثنا الله عنه في شخصية مريم وامرأة فرعون، وما حدّثنا التّاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى أُم المؤمنين، وفاطمة الزهراء وزينب ابنة عليّ (عليهما السلام)... فإنّ المواقف التي تمثّلت في حياة أولئك النسوة العظيمات، تؤكِّد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي عاشت في حياتهنَّ على مستوى حركة القوّة في الفكر والمسؤولية والمواجهة للتحدّيات المحيطة بهنّ في الساحة العامّة. وقد لا يملك الإنسان أن يفرِّق بينهنّ وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهنّ بأيّ ميزة عقلية أو إيمانية في القضايا المشتركة.

لابدّ للمرأة من أن يكون لها وعيها الثقافي في كلِّ ما يمكن أن تأخذ به من أسباب الثقافة، ووعيها السياسي في كلّ ما يمكن أن تأخذ به من أسباب السياسة، ووعيها الاجتماعي في كلّ ما يمكن أن تأخذ به من أسباب المعرفة الاجتماعية أو الحركة الاجتماعية، حتى تستطيع أن تكون العنصر الفاعل في حركة المجتمع، وحتى تستطيع أن تكون الإنسانة التي تتحرّك إيجاباً في خطّ المجتمع، كما هو الرجل كذلك.

وإذا كان الإسلام يفرض بعض الضوابط الأخلاقية في حركة المرأة في نفسها، وفي حركتها في الحياة، وحركتها مع الإنسان الآخر، باعتبار أنّ الإسلام ينطلق من قاعدة أخلاقية فيما يحمي الإنسان من نفسه، وفيما يحمي الإنسان من الإنسان الآخر، فإنّ ذلك ليس مفروضاً على المرأة فحسب، ولكنّه مفروض على الرجل أيضاً.

من الضروري التزام المرأة والرجل بالمنهج الأخلاقي في سلوكهما في الحياة، فإنّ المنهج الأخلاقي ليس ضريبةً على المرأة، بل هو للمرأة وللرجل معاً، فقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»، هو للمرأة وللرجل معاً، فإذا كانت المرأة مسؤولةً عن العفّة، فإنّ الرّجل أيضاً مسؤول عن العفّة، وإذا كانت المرأة مسؤولة عن حفظ نفسها من الانحراف، فإنّ الرّجل مسؤول عن حفظ نفسه من الانحراف، فليس هناك فرقٌ في الجانب الأخلاقي لدى المرأة والرجل.

في حركة الحياة، يتكامل الرجل والمرأة في مسألة بناء المعرفة الإنسانية، وبناء حركة الإنسان، وبناء روحية الإنسان، أن نتطلّع إلى الله، فلا يشغلنا التطلع إلى الله عن التطلّع إلى الناس، وأن نتطلّع إلى الناس فلا يشغلنا التطلّع إلى الناس عن التطلع إلى الحياة، إنّ كلّ أُفق يمكن له أن يفتح لنا أُفقاً آخر. أحبّوا الله لتحبّوا خلقه، وأحبّوا الناس لتحبّوا الحياة: «الخلق كلّهم عيال الله فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله».

ارسال التعليق

Top