• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الهادي (عليه السلام) وقيم الإيمان

عمار كاظم

الإمام الهادي (عليه السلام) وقيم الإيمان

ضارعت صفات الإمام الهادي (عليه السلام) صفات آبائه التي امتازوا بها على سائر الناس، فقد التقت به جميع عناصر الشرف والكرامة، وحوى جميع الفضائل والمآثر، وحسبه أنّه من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً. الإمامة هي لطف من ألطاف الله على عباده لا يمنحها تعالى إلّا لمن اختار من عباده ممن امتحن الله قلبه للإيمان، وزكّاه وطهّره من جميع أفانين الظلم والأباطيل، والإمامة شأن من شؤون الحياة الاسلامية لا تستغني عنها ولا تستقيم بدونها، لا لأنّها تدير الحياة الدينية فحسب، وإنّما تدير الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتضمن للأُمّة استقلالها وحرّيتها وتوفّر لها الأمن والرخاء والاستقرار. ولعلّ من أعمق الأسباب وأدقّها في الحاجة إلى الإمامة هو بسط القوى الروحية، ونشر الفضيلة والخير بين الناس، ومحاربة النزعات الفاسدة من الأنانية والغرور والطمع والحسد وغيرها من نزعات الشذوذ والانحراف، فجميع القوى الخيّرة في العالم تُبتنى على الإيمان بالله تعالى، فهو وحده الذي يصون العالم من ويلات الدمار وكوارث الحروب، وهو أقوى سلاح وأمنعه في الأرض، وقد اهتمّ الأئمة الطيّبون بهذه الظاهرة بصورة إيجابية وفعّالة، فرفعوا راية الإيمان عالية خفّاقة، وجاهدوا في سبيل الله جهاداً شاقاً وعسيراً، وقد خلفوا آثاراً مشرفة في الدعوة إلى الله.

تميز الأئمّة (عليهم السلام) بالإيمان العميق بالله، ففيه الدعوة إلى التفكر في خلق هذه الكائنات التي تدعو إلى حتمية الإيمان كما في الدعوة إلى التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، والتحذير من الاتصاف بالنزعات الشريرة التي تدعو إلى التأخر. وهذا ما نجده في الصحيفة السجادية، التي هي مصدر خصب من الإيمان، كما في سائر الأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) نجد الغذاء الروحي الذي يبعث على إشراق النفس وصفائها وتحريرها من آفات الجهل والغرور.

لقد أشاد الإمام الهادي (عليه السلام) بجهاد آبائه الأئمة الطاهرين في ميادين الإيمان والدعوة إلى الله في زيارته المسماة بـ(الجامعة)، فقد جاء فيها: «السلام على الدُّعاة إلى الله، والأدلاء على مرضاة الله، والمستقرين في أمر الله، والتامين في محبة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله...». وأضاف الإمام قائلاً: «فعظمتم جلاله -أي جلال الله- وأكبرتم شأنه، ومجّدتم كرمه، وأدمتم ذكره، ووكدتم ميثاقه، وأحكمتم عقد طاعته، ونصحتم له في السرّ والعلانية، ودعوتهم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حقّ جهاده، حتى أعلنتم دعوته وبيّنتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنّته وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلّمتم له القضاء، وصدقتم من رسله مَن مضى...».

وصوّرت هذه الفقرات الرائعة الدور النضالي الذي خاضه الأئمة الطيّبون في رفع كلمة التوحيد، والذبّ عن قيم الإيمان والإسلام، فقد قدّموا أرواحهم قرابين خالصة لوجه الله لا يبغون الأجر والجزاء إلّا من الله.

ظاهرة أخرى من صفات الإمام الهادي (عليه السلام) وهي الكرم والسخاء، فقد كان من أبسط الناس كفاً، وأنداهم يداً، وكان على غرار آبائه الذين يطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وكانوا يطعمون الطعام حتى لا يبقى لأهلهم طعامٌ، ويكسوهم حتى لا يبقى لهم كسوة، وقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) يطعم الناس ويكسوهم حتى لا يبقى لعياله شيء.

لقد عزف الإمام الهادي (عليه السلام) عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشة زاهدة إلى أقصى حد، لقد واظب على العبادة والورع والزهد، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة، وآثر طاعة الله على كلّ شيء، وقد كان منزله في مدينتيّ يثرب و(سُرّ مَن رأى) خالياً من كلّ أثاث.

لقد عاش على ضوء الحياة الكريمة التي عاشها آباؤه من الزهد في الدنيا، وعدم الاكتراث بأي شأن من شؤونها المادّية سوى ما يتصل بالحقّ، فقد كان جدّه الأعلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من أزهد الناس في الدنيا، وكانت زوجته سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد رفضت الدنيا فعاشت في بيت بسيط. على هذا الخط سار الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، فقد طلّقوا الدنيا وأعرضوا عن زينتها، واتصلوا بالله تعالى وعملوا كلّ ما يقربهم إليه زلفى.

ولا تقرأ سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلّا تجد البارز في سيرتهم الإقبال على الله والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه. أمّا الإمام الهادي (عليه السلام)، فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه وشدّة تحرُّجه في الدِّين، فلم يترك نافلة من النوافل إلّا أتى بها. شرح الله صدر الإمام الهادي (عليه السلام) للعلم، وأوسع قلبه للمعارف، فقد تفتّحت له أسرار الحقائق، وغوامض الأمور بغير طلب أو جهد، وقد تحدّث الناس عن سعة معارفه، إذ لم يكن هناك أحد يضارعه في ثرواته العلمية المذهلة التي شملت جميع أنواع العلوم من الحديث والفقه والفلسفة وعلم الكلام، وغيرها من سائر العلوم. وقد اتفق العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرّف في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية. كما كان الإمام الهادي (عليه السلام) يُكرِّم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويُقدِّمهم على بقية الناس لأنّهم مصدر النور في الأرض.. فهو إمام شامل الفضائل.. فسلام الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ارسال التعليق

Top