• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التفاؤل مبعث الأمل والحياة

التفاؤل مبعث الأمل والحياة
  ◄من التفاؤل ينبع الأمل، ومن الأمل يولد العمل، ومن العمل تنبعث الحياة.

فالتفاؤل شعاع من السماء يهبط على قلوب الأطفال فيدفعهم إلى التحرك واللعب.. وينزل على أفئدة الرجال فيدفعهم إلى الجدّ والمثابرة.. ويدخل قلوب الأُمّهات فيحملن، ويلدن، ويرضعن.. إنّه بذرة الحياة في كلّ نشاط إنساني.

وصاحب التفاؤل مشرق القلب والعقل والضمير، لأنّه يرى دائماً الجانب الجميل ونقاط الضوء والألوان البيضاء، وبهذه الروحية يعرف الطريق إلى امتلاك الحقيقة، بينما المتشائم لا يرى إلّا الظلام الحالك، فلا يتقدّم إلى أمام، ولا يرى الحقائق.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ في كلّ مرافق الحياة جانبان: إيجابي وسلبي، فإنّ المتفائل يرى الأوّل فيكرّسه ويرى الثاني فيتجنبه، وحسب المثل الياباني: فإنّ المتفائل يرى حتى في الماء الآسن لوناً من الجمال، ونبعاً للمتعة والسعادة.. بينما المتشائم يرى حتى في الأزاهير والورود الباسمة لوناً من البكاء والنحيب.

فالمتفائل حينما يكون أمام كأس نصفه ماء فإنّه ينظر إلى الجانب الممتلئ منه، بينما المتشائم يرى النصف الفارغ فقط.. والمتفائل يرى في نبتة الورد زهراً يحيط به بعض الشوك، بينما المتشائم لا يرى إلّا شوكاً يحيط بالزهرة.. والمتفائل يرى في ظلام الليل طلوع الفجر، والمتشائم يرى في ضوء النهار ظلام الليل.

إنّ النقطة السوداء على صفحة بيضاء هي مركز الرؤية لدى المتشائم.. بينما الصفحة البيضاء هي مساحة مفتوحة لدى المتفائل.

والمتفائل يرى أيّ بصيص للضوء مهما كان قليلاً، بينما المتشائم حتى لو يرى الضوء فإنّه يبحث عن الظلام الذي حوله.

والمتفائل إذا تعرَّض لعقبات في طريقه فإنّه سيبحث عن مخرج منها.. بينما المتشائم يفترض عقبات لا دليل على وجودها.

ولأنّ الإنسان هو خلاصة أفكاره، ولأنّ أي إنجاز هو نتيجة للتصورات الداخلية التي تعتمل في هذا الإنسان، فإنّ التفاؤل يساوي النجاح في الحياة، والتشاؤم يساوي الفشل فيها.

إذن.. هناك عنصران يتحكّمان في نمط تفكير الإنسان ومواقفه!

أوّلهما: التفاؤل، ويقوده إلى بحر العمل والحيوية.

وثانيهما: التشاؤم، ويجرّه إلى ظلمات اليأس والقنوط، وهما كنهرين تجري بهما المياه باتجاهين متعاكسين؛ أحدهما يسير باتجاه القمم العالية، والآخر يهبط إلى درجات الانحطاط، والإنسان مخيّر في أي نهر يضع مركبه، وعندما يختار، فإنّ النهر سيتكفل بإيصاله إلى هدفه، فمن ركب نهر التفاؤل انفتح العالم أمامه، ومن سار في طريق التشاؤم انغلقت عليه منافذ الحياة وتصور أنها النهاية المظلمة.

النهاية أمرها بيد الله تعالى، ومادام في الإنسان رمق من الحياة، فإنّ الأبواب تبقى مشرعة أمامه، فلماذا يتصور المتشائم إذن أنّ الحياة أوصدت أبوابها عليه؟

الخلل ليس أمراً حتمياً في الحياة، ولا في الظروف، وإنّما في النفس التي تنظر إلى الأشياء بطريقة سلبية وتفسّر الحوادث بتشاؤم، وبطبيعة الحال فإنّ هذه السلبية تنعكس على تصرفات الإنسان وأفعاله وقراراته.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ في كلّ موقف نواجهه، وكلّ شخص نلتقيه، وكلّ خطوة نخطوها، وكلّ مكان نذهب إليه، وكلّ حفلة نحضرها، وكلّ اقتراح نقدمه، وكلّ عمل نقدم عليه، وكلّ مؤتمر نشارك فيه.. في كلّ ذلك هناك مزيج من أمور سلبية وأخرى إيجابية، أي من المفيد والضار، والخير والشر، والمضيء والمظلم، والطيِّب والخبيث؛ عند ذاك ينبغي أن نأخذ الأمر الحسن والمفيد والخير والمضيء من بينها.. ونترك أضدادها، وبذلك نعيش حياة ملؤها السعادة والهناء.

إنّ توجيه النفس إلى التفاؤل أو التشاؤم هو بيدك أنت وفي قبضتك، فأنت الذي توجّه نظرك إلى الجانب المشرق من أمور الحياة أو إلى الجانب المعتّم منه، تماماً كما لو دخلت غرفةً ووجدت على طرف منها قد أُلصقت صور مناظر جميلة وعلى طرف آخر صور مقززة للنفس، فإنّ توجيه النظر إلى أيٍّ منهما إنما هو بيدك أنت.

ومعلوم أنك حينما تشاهد المناظر الخلّابة فإنّ نفسك، ستنشرح وقلبك ينفتح، وعقلك يستنير..

ولكن حينما توجِّه نظرك نحو المناظر البشعة فإنّ نفسك ستنقبض، وقلبك يضيق.

لقد كان التحكم بالنظر ملئ إرادتك، فأنت الذي وجهت نظراتك، ولكن نتائج ذلك كانت خارجة عن إرادتك. أي أنّ المقدمات كانت بيدك أما نتائجها فلا تكون كذلك.

إنّ طريقة الأطفال في تعاملهم مع الأشياء غالباً ما تكون أقرب إلى الصواب، ألا ترى كيف أنّ أحدهم إذا دخل إلى مكان فإنّه سيتوجّه بشكل غريزي إلى ما يمكن أن يلعب معه، ويتسلى به، ويرتاح إليه، وفي المقابل فإنّه سيتخلى عما لا يحقق له هذا الهدف.

حاول أن تتعلم هذا الدرس من الأطفال، فإذا دخلت إلى مكانٍ ما، وجّه نظرك إلى الجانب المشرق والجميل فسرعان ما تتمتّع به، وترتاح إليه، فمنطقة الشروق في النفس البشرية هي التي تتحوّل إلى طاقة متراكمة لتحقيق أفضل الأعمال وأبدعها.

وإذا كنّا نجد صعوبة في تطبيق هذا الأسلوب في الحياة، فعلينا – على الأقل – أن نتظاهر بالنجاح والسعادة على طريقة "تفأّلوا بالخير تجدوه" أو على طريقة ذلك الحكيم الزنجي حين سُئل: لماذا تبدو عليك السعادة دائماً؟

فأجاب: "إن لم أكن سعيداً، فسأكون أكثر شقاءً ممّا أنا عليه الآن..".►

 

المصدر: كتاب كيف تتربع على القمة؟

ارسال التعليق

Top