هو محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، خامس أئمّة أهل البيت، كنيته أبو جعفر، ومن أشهر ألقابه باقر علوم النبيين، أبوه الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وأُمّه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليها السلام). كان (عليه السلام) محطَّ إعجاب علماء الإسلام كافّةً، وموضع تقديرهم واحترامهم، وروى عنه كثيرون من كبار المحدّثين والحافظين من كلّ الفِرَق. إنّ دراسة حياة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من الأُمور التي نحسّ ويحسّ كثير من المسلمين بضرورة العمل على تحقيقها بدقّة ووضوح، لأنّ لها صلة كبيرة بالجانب العقائدي من حياتنا، وبالجوانب الفكرية والروحية من ثقافتنا وديننا وتاريخنا. حيث نتعلَّم من سيرة الإمام الباقر (عليه السلام) حبّه لنشر العلم والدعوة إلى الله بالقول والعمل، ونتعلّم منه حبّ الله وحبّ الناس، وحبّ الالتزام بالحقّ ومواجهة الأباطيل والمفاسد، ونتعلّم تقديس العقل كمفتاحٍ لتحقيق كرامة الإنسان ووجوده الفاعل في الحياة. نتعلّم الأصالة في النهوض لتوضيح معالم الشريعة، ومحاولة التفاعل مع روحها وإشراقاتها في كلِّ الميادين. نتعلَّم رحابة الفكر ورقّة المشاعر، والتحلّي بالصبر، والتسلّح بالإيمان، وهذه كلّها من مكارم الأخلاق التي ركّزت التربية الإسلامية عليها. يروي الإمام الباقر (عليه السلام) هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاث خصال من كنّ فيه، أو واحدة منهنّ، كان في ظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه؛ رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم - بأن يحبّ لإخوانه ما يحبّ لنفسه -، ورجل لم يقدِّم رجلاً ولم يؤخِّر أُخرى حتى يعلم أنّ ذلك لله رِضى، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه - فقبل أن تعيب أخاك بأيّ عيب، عليك أن تعصم نفسك عنه وعن غيره من العيوب - فإنّه لا ينفي منها عيباً إلّا بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس».
وفي حديث آخر للإمام الباقر (علیه السلام)، اعتبر أنّ الجانب الأخلاقي يلتقي بالعبادة. يقول (عليه السلام): «ما من عبادة أفضل من عفة بطنٍ أو فرجٍ ـ إنّ الإنسان الذي يعفّ بطنه عن الحرام، فلا يأكل أو يشرب حراماً، والذي يعفّ فرجه عن الحرام، فإنّ ذلك من أفضل العبادات ـ وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من أن يُسأل ـ فالله تعالى يحبّ للعباد إذا نزلت بهم مصيبة أو كانت لهم حاجة، أن يسألوه، والله يحبّ الإنسان الذي يدعوه، وقد طلب سبحانه من عباده أن يدعوه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60 ) ـ وما يدفع القضاء إلّا الدُّعاء ـ فإنّ الله تعالى إذا عرف أنّ عبده سوف يدعوه بما أهمّه، وكان القضاء موجّهاً إليه بحسب الأسباب الطبيعية، رفع ذلك عنه ـ وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ فالخير الذي يحصل الإنسان على ثوابه بشكل سريع هو العطاء وقضاء حوائج الناس ـ وأسرع الشرّ عقوبة البغي ـ وهو العدوان على الناس ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ فمن أكبر العيوب أن يحدّق الإنسان بعيوب الناس من حوله، ولا يلتفت إلى عيوبه في أخلاقه وسلوكه وكلّ أوضاعه، أو أن يطلب من الناس التقوى والصدق والأمانة وهو ليس بتقي وليس صادقاً ولا أميناً ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
هذه هي الخطوط الأخلاقية الروحية التي يريدنا الإسلام أن نتحرَّك فيها في الجانب الإيجابي، وأن نبتعد عنها في الجانب السلبي، لأنّ الله يريدنا أن نعيش جهاد النفس وتزكيتها وتنقيتها وتصفيتها، حتى نقف بين يديه بقلب سليم من كلّ ما يغضبه. ألا يريد كلّ واحد منا الجنّة؟ فلابدّ من أن نتدرّب على أخلاق أهل الجنّة، نتدرّب على المحبّة والانفتاح على الناس بقلوب خالية من الحقد والبغضاء، والدُّنيا تذهب وتسير، وعلينا أن نتذكّر أنّنا سنقف أمام الله تعالى، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء/ 88-89).مقالات ذات صلة
ارسال التعليق