• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوعي الرسالي في شخصية الإمام السجاد (عليه السلام)

عمار كاظم

الوعي الرسالي في شخصية الإمام السجاد (عليه السلام)

الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، علامة فارقة في تاريخ الإسلام والإنسانية، حيث تصادف ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام، الذي عاش حياته في أجواء المأساة، حيث رافق أباه الإمام الحسين (عليه السلام) في مدى ثلاث وعشرين سنة، لأنّ عمره كان في يوم الطفّ ثلاثاً وعشرين سنة. عاش (عليه السلام) يتحمّل مسؤولية الإمامة كما أراده الله تعالى، إماماً للإسلام والمسلمين وللإنسانية، حريصاً على تثقيفهم وتهذيب نفوسهم وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم، وله من الفضل والعلم ما لا ينكره أحد.

ثمّ عاش الإمام (عليه السلام) في كربلاء، ولكنّه مرض مرضاً شديداً، ولذلك لم يستطع أن يجاهد مع أخوته وأهل بيته. ولكن السيرة تقول: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد جاءه وحيداً بعد أن قُتِل كلّ أولاده وأصحابه وأخوته، فأراد الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن يتحرّك بالعصا والسيف، ولكن الإمام الحسين (عليه السلام) رفض ذلك، حتى لا تخلو الأرض من حجة على الناس في حركة الإمامة التي أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تستمر في الإمام عليّ والصفوة الطيِّبة من أولاده (عليهم السلام).

وعلى ضوء هذا، يمكن أن نستوحي أنّ بداية امتداد عاشوراء كانت من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، في حديثه مع بعض أصحابه، وفي بكائه بين وقت وآخر على أبيه الإمام الحسين (عليه السلام)... وكان عليّ بن الحسين (عليه السلام) في مرحلة ما بعد السبي، يمثّل العبادة كأفضل ما تكون، وينقل عنه الكثيرون من الرُّواة كيف كان في سجوده وابتهالاته ودعائه، ونحن نقرأ أدعية السجاد (عليه السلام)، ولا سيّما أدعية الصحيفة السجادية، التي تمثّل أدعيةً روحيةً ثقافيةً تفتح للإنسان، وهو يدعو ربّه، آفاق القيم الروحية والأخلاقية. عمل الإمام (عليه السلام) على إيجاد حالة من التوازن الروحي بين المسلمين، كي لا ينجرفوا خلف التيارات المنحرفة، حيث أدخل في الجانب الروحي العناصر الإسلامية والثقافية، على مستوى القيم الأخلاقية الثقافية والفكرية. فعندما تقرأ الصحيفة السجادية، تشعر بأنّك تدخل في مدرسة تربطك بالله، وتحرّك كلّ قيمك الروحية والأخلاقية والإنسانية وأنت بين يدي الله، وبهذه الحالة، تتأصّل العقيدة الإسلامية، وتتأصّل الخطّة الإسلامية، وعندها يشعر الإنسان بأنّه ليس هناك فاصل بين المادّة والروح، وليس هناك فاصل بين الدِّين والدُّنيا، وإنّما هناك دين يحتضن الدُّنيا، ودنيا تتحرّك في خطوط الدِّين، من دون أن ينفصل الإنسان عن دنياه في مسؤولياته وفي أوضاعه، ومن دون أن ينفصل الإنسان عن دينه عندما يأخذ بأسباب الحياة، لأنّ هناك خطّاً للتوازن. وبهذا، كانت أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) مدرسة في خطوط العقيدة، وفي الخطوط الأخلاقية، وفي المفاهيم الإسلامية في طبيعة العلاقات الاجتماعية، وفي طبيعة التقييم الإنساني هنا وهناك.

وكان عنواناً للصبر، وقد تمثَّل ذلك في كربلاء؛ في صبره على مرضه، وفي صبره على المأساة التي حدثت أمام عينيه. وبعد كربلاء، تمثّل صبره في الشجاعة التي أبداها، حيث قال (علیه السلام): «أبالقتل تهدّدني يابن زياد؟ أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟».

إنّنا في ذكرى وفاته، مازالت أمانته (الإسلام الأصيل) بين أيدينا، فهل نأخذ بها ونحفظها؟!

لقد ترك لنا تراثاً إسلامياً وإنسانياً وعلمياً ضخماً، أرادنا أن نتمثّله بكلّ وعي ومصداقية، ونترجم روحه وثقافته وتقواه في واقعنا، فنكون المسلمين حقّاً، المقاومين لكلّ أشكال الجهل والتخلّف. في ذكرى وفاته، لنعش أجواء السموّ في رحاب هذه الشخصية الرسالية التي جاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده، وأدَّت ما عليها وكانت المنارة.

ارسال التعليق

Top