• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم اللاعنف في الإسلام

عمار كاظم

مفهوم اللاعنف في الإسلام

لقد انتشر الإسلام بمنهج الأخلاق الراقية، وبمفردات التسامح والتراحم والمحبّة واحترام الحقوق. وهو عقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التي عمّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض.. فالإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة ولا غرابة في أنّ كلمة الإسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلّم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «السلام قبل الكلام»، وسبب ذلك أنّ السلام أمان ولا كلام إلّا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسنى. وممّا لا شك فيه أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء سلاماً ورحمةً للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات إلى النور حتى يصل الناس جميعاً إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كلّ تعاملاتهم في الحياة.

وفي سيرة النبيّ الأكرم نجد الرحمة والرأفة واللين في التعامل حتى مع أعدائه، بل أنّه  يرفض حتى الدُّعاء على المشركين، فقد ورد أنّه قيل يا رسول الله: ادع على المشركين. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي لم أُبعث لعاناً، وإنّما بُعثت رحمة». والمتعمق في سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد أنّه لم يسلك ولا مرّة وسيلة واحدة غير مشروعة، إذ أنّ صلاح الأهداف لا يبرر فساد الوسائل. إذ أنّ الغاية لا تبرر الوسيلة، بل نجد في سيرته الشريفة حتى في الغزوات التي خاضها ضد الكفار والمشركين كان يوصي أصحابه بضرورة الالتزام بأخلاقيات الحرب، وعدم جواز استخدام الوسائل والأساليب غير الأخلاقية.. إنّ منهج الإسلام يقوم على نبذ العنف ضد الأنا وضد الآخر المخالف، ويدعو للحوار والجدال بالتي هي أحسن، والالتزام بأخلاقيات الإسلام في كلّ الأوقات والظروف، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125).

إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام.. فبعد أن كان الجاهليون مولعين في الحروب وسفك الدماء جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم والوئام ونبذ الحروب والمشاحنات التي لا ينجم عنها سوى الدمار والفساد.. على هذا الأثر فإنّ آيات الذكر جاءت لتؤكِّد على مسألة السلم والسلام، فقد دُعي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال سبحانه: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (الأنفال/ 61). وقال تعالى داعياً عباده المؤمنين إلى اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلى السلم: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (النساء/ 90). إنّ السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كلّ إنسان يعيش على هذه الارض، فالسلام يشمل أُمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإنّ وُجِد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحرّية والمحبّة والمودة بين الشعوب.. فالإسلام يُقرِّر أنّ الناس، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلّا بالتقوى».

إنّ أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلّى في تعزيز التعايش السلمي وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرُّف بكلّ صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية. فالخالق سبحانه وتعالى لم يخلق البشر ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنّما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضاً قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).. فالسلام ضرورة طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن باعتباره ضرورة لكلّ مناحي الحياة البشرية ابتداء من الفرد وانتهاءً بالعالم أجمع فبه يتأسس ويتطوّر المجتمع. وقد حان الوقت لكي نقود أجيالنا إلى لغة الحوار لا لغة العنف والإرهاب.

وأخيراً، العنف لا يمكن أن يكون قاعدة وأصلاً على الإطلاق، لأنّ الاجتماع البشري ليس اجتماع حرب وقتال، ولأنّ الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنّ الإنسان لا يستطيع العيش لوحده أو في عزلة عن الناس، وإنّما له طبيعة الاشتراك مع الآخرين، الطبيعة التي تتولّد منها كلّ حوافز وبواعث تكوين الجماعات والمجتمعات، والجانب المدني هنا هو في الالتزام بقانون مشترك ينظّم الحياة العامّة على أساس نظام الحقوق والواجبات المشتركة، والالتزام بهذا القانون هو الذي يقطع طريق العنف بصوره وأشكاله كافة،  قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة/ 208)، وبالتالي فالعنف هو الاستثناء، والضرورات يُحدِّدها الشرع والظروف المحيطة في تلك الفترة.

ارسال التعليق

Top