• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ماذا يعني أن نصوم؟

عمار كاظم

ماذا يعني أن نصوم؟

أن نصوم هو أن نعمّق إخلاصنا لربّنا، وأن نعيش في داخل أنفسنا روح التقوى، من خلال ما يؤكّده الصوم لنا من الإرادة المنفتحة على الله. وهناك فرق بين شخص يقوم بأعمال تقوّي إرادته بالطريقة المادية، وبين شخص يقوّي إرادته بين يدي الله كمن يتدرب لوحده، وبين شخص يتدرب أمام الله. هنا، نحن نصوم عن الطعام والشراب والشهوة قربةً إلى الله تعالى، ونمارس ذلك في رقابة الله التي لا تقارنها رقابة الناس، وفي الصلاة، يرانا الناس ونحن نصلي، أمّا في الصوم، فالعملية سرية. ولذا جاء في الحديث: «الصوم لي وأنا أجزي به»، ذلك أنّ الصوم لا يتحقق الرياء به إلّا إذا نطق به الإنسان، لماذا؟

لأن الصوم هو حركة حرمان الجسد من خلال الحالة الروحية الموجودة في الداخل. من خلال الصوم، نكسر الشهوة المحرمة والهوى القاتل، ونتدرب على امتلاك قرارنا وحريتنا، فالصوم يعلّمنا التحرّر من سطوة الأنانيّات التي تفرض نفسها علينا وتحاول خنق إرادتنا، فمحاصرة الشّهوات والأهواء والتقليل من سطوتهما، من غايات الصوم الأساسية، حتى نربي أنفسنا على التقوى والتخلّق بأخلاق الله، هذه الأخلاق التي لا تقبل إنساناً متمرداً على الله، ولا تقبل إنساناً يظلم ويسرق ويغتاب ويكذب ويغشّ ويعتدي على الأعراض والأنفس والأموال. أن نكون أعزاء كما أرادنا الله في هذا الشهر الفضيل، معناه أن ننتصر على ذواتنا وأنانياتنا، ونعمل بكلّ قوة على تحصين نفوسنا من ضغوطات المضلّلين والمنافقين وألاعيبهم، والتصدي لهم، والتمسك بصراط الله وهدايته، وبخطِّ أهل طاعته.

أن نصوم، لا يعني أن نمتنع عن المساهمة في بناء المجتمع، وأن لا نتدخل في حركته ومسيرته، بل أن نعمل على استمراريته بكلّ تخطيط وصبر وتضحية، وأن نراعي حقوق الله وحقوق عباده، كما توجب ذلك التقوى التي نعيشها خالصة له سبحانه. إنّ الصيام فرصة تدعونا إلى التقاط إشاراتها، والتوجه بإخلاص وجدّية إلى الله أن يوفقنا في أمورنا وأعمالنا التي تبتغي وجهه تعالى ونيل مرضاته. لابدّ من أن يترك الصوم في نفوسنا أثراً طيّباً يصحّح لها مشاعرها، وينظّم لها سلوكيّاتها المنحرفة، فما دام الإنسان في طاعة الله، فإنّ عليه التنبه إلى مسؤوليّاته، ومعرفة قدره وحدوده، وعدم الانجراف وراء وساوس النّفس التي تجعله وضيعاً في أعين الناس، وساقطاً من حسابات الله في الدُّنيا والآخرة. يأتي الصوم ليقول لنا تنبّهوا من غفلتكم، وتحمّلوا مسؤوليّاتكم، فمهمة بناء المجتمع الصالح تحتاج إردةً ووعياً وإيماناً وتوجّهاً سليماً إلى الله، وتوكّلاً. عليه وما دام المرء متفاعلاً مع الصوم لجهة تغيير محتواه الداخلي ومشاعره نحو الأحسن، فإنّه يكون أكثر قرباً مع غيره من أبناء مجتمعه إلى تحقيق السلام والتسامح، وتأكيد القيم الأخلاقية والروحية التي يحتاجها المجتمع لكي يكون صالحاً.

إنّنا في زمن الصوم، علينا الإفادة من كلِّ أجوائه العبادية والروحية، بغية التمسّك بمبدأ النهوض بمجتمع صالح لأفراده، يحافظون فيه على الطاعة والعبودية لله بما يضمن سلامتهم. إنّ تغيير الطّباع السيّئة وبعض العادات السيّئة، من كذب وغشّ وبهتان وتكبّر ونميمة وعدوانيّة على الآخرين، من الأمور التي لابدّ وأن يترك الصوم أثراً من جهة تغييرها، بحيث يعمل على إلغائها والتخفيف منها وتغييرها، فالمجتمع بحاجة إلى صائمين غير متكاسلين، إلى صائمين لا يستغلّون الصوم من أجل إضاعة الوقت في النّوم أو اللَّهو والسّهر والعبثيّة، إلى صائمين واعين، يستفيدون من وقتهم في تأمّل حالهم وإصلاح نفوسهم، وإعادة توجيهها الوجهة التي تستحقّ، بما ينفعها ويقرّبها إلى الله أكثر.

ارسال التعليق

Top