◄في أجواء الشهر الكريم، تسكن النفس، وتلجأ أكثر إلى خالقها، متلمسةً منه كلّ فضل وبركة ولطف يشمل وجودها، في حياة قاسية يكثر فيها الشرّ والفساد، وتنتشر في ساحاتها الرذائل.
والسعيد في هذا الشهر من لم يحرم من غفران الله وعفوه، وحتى نكون فعلاً من السعداء، لابدّ لنا من أن نُراجع أحوالنا، ونُحاسب أنفُسنا، وهل نحن فعلاً من الذين ينتصرون للحقّ حتى ولو كان على أنفُسهم؟ وهل نحن فعلاً ننصر أهل الحقّ وندعمهم مهما كلّفنا الأمر؟
أسئلة كثيرة علينا الإجابة عنها في حياتنا، حتى نكون على بيّنة من أمرنا، ونصحح الكثير من أُمورنا، بغية تحصيل الثواب والأجر من الله تعالى.
كثيرون منّا يستغلون عناصر القوّة عندهم في سبيل التّنفيس عن أحقادهم، وفي ظلم الآخرين والتسبب بالأذى لهم، فهم يوجهون قوّتهم البدنية مثلاً في ظلم زوجاتهم وأولادهم وجيرانهم، والإساءة إليهم ليل نهار من دون تورع. ومن الناس مَن يستغل قوّته المالية والمادّية في سبيل شراء الذمم، وزرع الفتنة بين الناس، ودعم الظالمين والتودّد لهم، ومحاربة المؤمنين ومحاصرتهم، ومن الناس مَن يستثمر قوّته العقلية ومكانته الاجتماعية من أجل غيبة المؤمنين وأذيّتهم، وتشويه صورتهم وتقليب الناس عليهم.
عن أيّ صوم نتحدّث؟! فإذا لم تقلع النفس عن الخضوع لعصبيّاتها وأحقادها وجهالاتها، فلن تستفيد من زمن الصوم ودروسه بشيء، فالصوم هو في الأساس لتثبيت تقوى الله في النفوس، وتربيتها على الخير والحقّ والعدل. ومن أبرز وجوه التقوى في الحياة، رفع الظلم عن العباد، وانتهاج الحقّ والتمسك به، وعدم المهادنة فيه مهما كانت الأثمان.
مجتمع الصائمين، هو المجتمع الذي لا يتجرّأ على حدود الله، بل يعمل بإخلاص وصدق على احترامها ومراعاتها، والإحسان ـ بالتالي ـ إلى الناس بكلّ قول طيِّب وفعل حسن وسلوك يعكس أخلاقيات المؤمن التقي.
الصوم يدفعنا إلى أن نوظِّف قوّتنا إلى جانب الحقّ، والتزامه والسير به، لا أن نوظِّف القوّة في معصية الله وخدمة الشيطان وحزبه.
كثيرون يدمنون أشياء لا يرضاها تعالى، ومنها الظلم، ويدعونا تعالى إلى أن نصوم ونمتنع عن الإساءة إلى أنفُسنا والناس، وأن نستبدل بالسيِّئة الحسنة، عسى أن نخرج من هذا الشهر الكريم ونحن أصحاب الحقّ ومن أهله الذين يخافون الله ويتقونه في كلّ شيء.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق