◄يُجمع خبراء التنمية الذاتية بأنّ اكتشاف الذات وتحديد نقاط القوة في الشخصية هو أهم عامل من عوامل نجاح الإنسان في عمله وفي حياته الخاصة. وبناء على ذلك وضع العلماء الكثير من الاختبارات التي تقيس الميول والقدرات والمواهب وتحدد الاتجاهات التي يمكن أن يبرز فيها الشخص وينطلق منها لعوالم التميز.
وقد شرحت في كتابي "العادات العشر للشخصية الناجحة" طريقة سهلة لاكتشاف الذات تعتمد على تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والمخاطر. وهذه الطريقة في الواقع تعتمد على نموذج SWOT المعروف. والمختصر هو الحروف الأولى لأربع كلمات بالإنجليزية: نقاط القوة (Strengths) نقاط الضعف (Weaknesses) الفرص (Opportunities) والمخاطر (Threats).
ومع الزمن لا أكاد أقرأ في المجلات العلمية والكتب موضوعاً عن الإدارة الذاتية الناجحة والتطوير الإداري الجيد إلّا وأجد أنّ نقاط القوة والتركيز عليها في صميم الموضوع دائماً. يذكر زنجر وفولكمان في كتابهما "دليل القادة: أربعة وعشرون درساً للقيادة المتميزة" (2007م) ما وصلت إليه التجارب والأبحاث في مجال القيادة، ويركزان على أنّ القادة المتميزون هم الذين يركزون على نقاط القوة لديهم، ويغفلون نقاط الضعف. كما أنّ قيادة الآخرين تكون في أفضل حالاتهم عندما يتم التركيز على نقاط القوة الموجودة لديهم. وفيما يلي: إليك مجموعة من الدروس التي تعلمتها في حياتي ومن قراءاتي في اكتشاف واستغلال نقاط القوة لديك.
1- نقاط القوة في شخصيتك هي تلك السمات أو المهارات أو القدرات المسؤولة عن أغلب النجاحات التي حققتها في حياتك. اسأل نفسك ما أفضل نجاحاتي؟ وكيف تم تحقيقها؟ عندما تسأل دائماً عن مصدر نجاحاتك والوسائل والآلات التي أدت إلى ذلك فإنّك بالتأكيد ستكتشف نقاط القوة لديك.
- تذكر أنّ الله سبحانه وتعالى قد خلق الناس بمواهب وقدرات وميول مختلفة، وأكثر الناس نجاحاً ورضى في حياتهم هم أولئك الذين يكتشفون مواهبهم ويسعون من أجل توظيفها في تحقيق أهدافهم.
- من المؤشرات التي تدل على أنّ العمل الذي تعمله يمثل نقطة قوة لديك هو كونه يتصف بالمواصفات التالية:
أ) إنّ أداء العمل يتم بعفوية وبسرعة ملحوظة.
ب) إنّ العمل يكون في العادة متقناً.
جـ) الشعور بالمتعة عند أداء العمل.
يقول بكنجهام وكلنتون في كتابهما "اكتشف نواحي القوة لديك" (2001م): "عندما تقوم بأداء عمل معين حاول أن تعزل مشاعرك فيما يتعلق بالإحساس بالوقت. فإذا كنت تفكر في الحاضر وتقول لنفسك: "متى ينتهي هذا العمل" فالاحتمال الأكبر هو أنّك لا تستعمل الموهبة، ولكن إذا وجدت نفسك تفكر في المستقبل وتتنبأ بعمل هذا النشاط وتقول لنفسك: "متى أفعل هذا مرة أخرى" فهذا احتمال على أنّك تستمتع بالعمل وأنّ واحدة من مواهبك يتم توظيفها" (ص66).
وكذلك من مؤشرات وجود الموهبة، العفوية التي يتم بها ممارسة العمل أو المهمة وكذلك الإلحاح: الرغبة الجامحة في عمل الشيء مرات ومرات، وكذلك التعلم السريع وأخيراً الشعور بالمتعة والرضى عن النفس خلال وبعد إتمام المهمة.
4- إنّ أكثر أنواع النمو والتطور لدى الإنسان تحصل في نقاط القوة لديه وذلك لتوفر مواهب أو قدرات متخصصة تساعده في تحقيق ذلك.
5- لمزيد من الإيضاح، اسأل نفسك: ما هي الأشياء القليلة في حياتك (3-5 أشياء) تؤديها أفضل من ألف شخص ممن هم في مستواك. ما هي المهارات والقدرات التي تعتقد أنّك تتميز بها عن غيرك من الزملاء. اكتشف هذه الأشياء، إنّها تمثل أهم نقاط القوة لديك. يكفي أن تكتشف 3-5 نقاط قوة وتركز عليها في حياتك وسوف تعطيك نتائج عظيمة.
6- تدل الملاحظات والتجارب الإنسانية أنّ جمع أكثر من مهارة أو ربط بعض المهارات ببعض ينتج عنها نقاط قوة كبيرة. هل تستطيع أن تفعل ذلك؟
7- تذكر أنّ الكثير من التعلم والتدريب بدون توفر الموهبة اللازمة أمر جيد ومهم لمتابعة الحياة، ولكن القليل من التعلم مع توفر الموهبة اللازمة له تأثير عظيم ونتائج حاسمة على حياة الإنسان. الأوّل يحافظ على مسيرة الحياة، والثاني يصنع المجد والتميز.
إنّ أكبر نقطة قوة في حياة الإنسان تحدث عندما تلتقي الموهبة مع الفرصة. إنّ هذا الالتقاء بين هاتين القوتين يفجر طاقة الإنسان وينقله إلى عوالم أخرى. فكم من موهبة ذهبت أدراج الرياح ولم يستفد منها صاحبها لأنّها لم تتوفر لها الفرصة والإمكانات المناسبة. وكذلك كم من فرصة تمر على الإنسان ولا يستطيع الاستفادة منها لأنّه لا يملك الموهبة والاستعداد المناسب.
إنّ من الأمثلة على التقاء الموهبة مع الفرصة ما حققه الفنان والرسام التشكيلي المعروف بيكاسو في حياته من مكانة وشهرة، وذلك بسبب الموهبة التي منحها إياه الخالق. يحكى عن الفنان قصة طريفة: كان جالساً في أحد المقاهي بباريس فمرت بجانبه سائحة أمريكية، قيل لها: إنّ هذا بيكاسو. وقفت أمامه السيدة وقالت: أنت بيكاسو الرسام الشهير؟ قال: نعم. قالت: أوه يا إلهي لا أصدق أني أرى وأتحدث مع بيكاسو، ثم قالت: هل يمكن أن ترسم لي لوحة سريعة على هذه الورقة وناولته الورقة. قال: بكلّ سرور يا سيدتي ولكن هذا يكلف الكثير من المال. قالت: لا بأس سأدفع ما تريد! وخلال عدة دقائق رسم بيكاسو لوحة أنيقة ووضع عليها توقيعه، ثم ناولها السيدة. نظرت إليها وقالت: يا لها من لوحة جميلة، كم ثمنها. قال بيكاسو: عشرون ألف دولار. ردت السيدة باستغراب كبير: عشرون ألف دولار، يا له من ثمن غالٍ لم يأخذ رسم اللوحة أكثر من عدة دقائق. قال بيكاسو: نعم هذا صحيح يا سيدتي إنّه ثمن غالٍ ولكن تذكري بأنّك لا تدفعين ثمن عدة دقائق، أنت تدفعين ثمن خمسين سنة من الموهبة والفرصة جعلت هذه الدقائق بهذه الأهمية.►
المصدر: كتاب دروس ثمينة في تحقيق التميز والنجاح في الحياة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق