• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كُن من صُنّاع الأمل

كُن من صُنّاع الأمل

◄قيل لي يوماً: هل الأمل يُصنَع؟! وهل هناك حاذقونَ في صناعته؟! وهل رأيتُم مَن يُعلِّم هذا الفن في عصرنا؟! وهل للأمل صورٌ رائعةٌ، وملامحُ، وسماتٌ مُتميِّزة؟!

للأمل صُنّاع حاذقون، يُدخلون البهجة علينا، وهو فنٌّ بحدِّ ذاته، وصورهُ ذاتُ ألوانٍ بديعةٍ، تُسِرُّ العيونَ، وتُخلبُ العقولَ، وتُبهرُ الأبصار.

قال وليد الأعظمي:

كُنْ رابط الجأش وارفع رايةَ الأملِ       وسِر إلى الله في جدٍّ بلا هزل

الألم يصنع الأمل، بل يتجلّى ذلك في أبهى صورةٍ فنّيةٍ في حياة كلّ فردٍ منّا.

الأمل المُمتزجُ بالألم، الأمل الذي لا يتطرّقُ إليه اليأس أو القنوط.. فالذي يعيش الألم يدرك في أعماقه الأمل الذي سوف يظهر نوره.

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقبها      ما أضيق العيشَ لولا فُسحة الأمل

أملٌ صحبهُ عملٌ.

 إذ الأمل هو استشرافُ المستقبلِ للوصول إلى الغاية والبغية التي تُحقِّق مُراد العبد وتطلُّعاته، وهذا لابدّ له من الأخذ بالأسباب المطلوبة لتترتَّب عليها النتائج المرجوَّة، ولا يتم هذا بخيالاتٍ طائرة، بل يحتاج إلى جُهدٍ ناصبٍ، وعملٍ صالحٍ متواصلٍ، ومُراقبةٍ ومتابعةٍ.

(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا) (الكهف/ 110)، هذا العملُ الصالح النافع في الدنيا والآخرة، وادِّخار ذلك للأمل الأكبر: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا) (الكهف/ 46)، بل تتجلّى أروعُ صورِه فيما رواه أنس، قال: قال رسول الله (ص): "إن قامت الساعة، وبيد أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها".

وهذه هي البوصلة الموصلة.. أمّا الكُسالى القاعدون الآملون، فلا حَظّ لهم ولا نصيب إلّا الهلاك والضياع.

لذلك قيل: الأمل نافع مادام يبعثُ الثقة، ويضادّ اليأس، ويشيرُ إلى دربِ الوصول؛ ولكنه يصبحُ مُهلِكاً متى استحال إلى أحلامٍ مغريةٍ.

وقال علال الفاسي:

وعنديَ آمالٌ أريد بلوغها تضيع      إذا لاعبت دهري وتذهب

وهاهو نبيُّ الله أيوب (ع) يلتجئ إلى ربّه بالدُّعاء ليكشف عنهُ الضُّرّ، لأنّ الأمل لم يفارقهُ لحظةً، فإذا البلاء شفاء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء/ 83-84).

أم كان يخطر على بالِ يُونس (ع) وهو في بطن الحوت، أن يُنادي وهو في الظلمات، ليست ظلمةً واحدة، لولا أمله أن يُنجيه ربّه: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) (الأنبياء/ 87-88).

وما أروع هذا التعقيب الذي يشمل كلّ المؤمنين إلى يوم الدين: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88) ليبقى الأمل مصوراً أمام أنظارهم، فلا يقنطون!!

أم هل يُتصوَّر من شيخ بَلَغَ من الكِبَر عِتِياً، واشتعل رأسه شيباً، ووهنَ عظمهُ، وامرأتهُ عاقرٌ، زكريا (ع) أن يتضرَّع إلى رَبّه ليهبَ لهُ غُلاماً زَكِيّاً لولا أنّه واثقٌ من تحقيق ضراعته؟!

هؤلاء وأمثالهم مناراتُ الأمل للإنسانية جمعاء.

هذا فَنُّ صناعة الأمل الفَذّ الفريدِ، يصيبُ منه مَن وَفَّقه الله فَهَيّا على طريق الأمل نسير ونحن واثقون.►

 

المصدر: كتاب صناعة الأمل

ارسال التعليق

Top